اخبار الساعة
يبدو الصراع في المدن المحررة في الجنوب، قد انتقل من تحت الارض الي فوق السطح، ولم يعد هناك مجال لاخفاء اسباب الصراعات، والمماحكات، بين القوى اللاعبة، في المشهد الجنوبي، ويمكن تصنيف هذه القوى بثلاث قوى رئيسية، وهناك قوى اخرى تقف بعيدا لكنها مستفيدة بطريقة او باخرى مما يحدث.
القوى اللاعبة
يمكن تحديد القوى اللاعبة في مشهد المدن المحررة في الجنوب، بثلاث قوى رئيسية، كما سبق الاشارة وهي:
الشرعية اليمنية بقيادة الرئيس هادي، ومن خلفها احزاب، وقوى سياسية، متعددة، ابرزها حزب الاصلاح،والقوة الثانية:التحالف العربي ممثلا بدولة الامارات، التي تشرف على المسارين العسكري، والاداري، في المدن المحررة،والقوة الثالثة هي الحراك الجنوبي، وهو قوة صاعدة، وجدت فرصتها بعد حرب 2015، لتسلم مهام عدد من المدن المحررة.
وهناك قوى اخرى مستفيدة من صراع هذه الثلاث القوى، وابرزها الحلف الانقلابي، في صنعاء.
وبتحليل شفاف لما يحدث يمكن القول ان الصراع الدائر في المدن المحررة في الجنوب، هو صراع سياسي ،في المقام الاول، يتخذ اشكالا متعددة، وينعكس سلبا على الاوضاع الخدمية ،والاقتصادية، في المدن المحررة.
بات من الواضح ان هناك قوتان متحدتان ضد قوة واحدة، من الثلاث القوى المذكورة، وهو اتحاد الامارات مع الحراك الجنوبي، لاسيما محافظي عدن، ولحج، المنتميان للحراك، مع العلم ان لكل واحد منهما اجندته الخاصة، لكنهما يتحدان الان ضد الشرعية، بقيادة هادي، والاصلاح.
ومؤخرا برز صراع الاجندة الي السطح، فمن الواضح ان للامارات اجندتها الواضحة، والتي كانت بارزة منذ البداية، وتحدث عنها كثير من المراقبين، فيما هناك اجندة للحراك الجنوبي، المشارك في السلطة، الذي يتخذ من السلطة غطاء كما يبدو واداة لتنفيذ اهدافه، التي تتقاطع مع اهداف الشرعية، كما ان لهادي وشرعيته اجندة سياسية واضحة، ومحددة بمخرجات الحوار الوطني.
وبينما استبشر كثيرين بانضمام الحراك الي تحالف الشرعية اليمنية، الا ان هناك فجوة كبيرة ظلت موجودة، لم يستطع الرئيس هادي وادارته ردمها، وتقريب وجهات النظر، الامر الذي خلق حساسيات، ومماحكات كبيرة، كانت من تجلياتها حرب الخدمات، والامن، وتطبيع الحياة، في عدن، التي اكتوى بنارها المواطن، بينما هي نتائج لصراع كان خفيا، ولكن يبدو انه ظهر الي السطح الان.
منع طائرة بن بريك
كان من المتوقع ان يقوم محافظ حضرموت بزيارة الي العاصمة عدن، يوم امس الاحد، غير ان الرئاسة اليمنية وجهت القوة الامنية في مطار الريان بالمكلا بمنع بن بريك من السفر الي عدن، وانزاله من الطائرة، وهذا يعتبر تطور خطير، والمعروف ان بن بريك هو حليف اماراتي.
مراقبون اعتبروا ان الخطوة الرئاسية تلك، جاءت بعد تسريب المطبخ الاعلامي المتواضع للواء عيدروس الزبيدي، لخبر يعلن فيه عن لقاء قمة مرتقب بين الزبيدي وبن بريك في عدن، واشار التسريب الي ان اللقاء هدفه إلتئام جناحا الوطن استعدادا للتحليق عاليا في سماء الحرية، والعزة ،والشموخ، والانتصار.
والمقصود بالوطن هنا "الجنوب"، وكما يبدو ان ذلك استفز ادارة الرئيس هادي، التي وجهت بمنع بن بريك من السفر الي عدن.
هذه الرسائل التي يحاول الحراك ايصالها عبر عيدروس بين الحين والاخر للشرعية اليمنية، تكشف بان هناك فجوة كبيرة بين الطرفين، وانه لايمكن التنسيق لعمل مشترك بين الطرفين يخدم عدن، والمدن المحررة، اذا ما استمرت هذه الفجوة قائمة، وهذا ما يحدث فعلا ،فقد تحول الخلاف السياسي، الي صراع طال الخدمات، والمشتقات النفطية، والاوضاع الاقتصادية، ودفع ثمنه الناس، الذين ليس لهم في البطة، ولا في الصليط كما يقال.
دور الامارات
بالوقوف على دور الامارات فيما يحدث، سنجد انها لاعب رئيسي في الموضوع، فهي التي اقترحت، وضغطت بتعين عيدروس، والخبجي، وبن بريك، ويقال انهم يستلمون التوجيهات منها ،لا من الرئيس هادي، وفي هذه الحالة تبرز الامارات كمن لديها اجندة في الجنوب، تتقاطع مع اجندة الشرعية، والرئيس هادي، وهي ربما تفعل ذلك لعدة احتمالات: الاول ان دعمها للحراك هو نكاية بحزب الاصلاح، ومنعه من السيطرة عبر هادي على الجنوب.
الاحتمال الثاني: انها تدعم الحراك في السلطة، للضغط علي هادي لتحقيق اهداف خاصة، ومطامع لها، في الجنوب.
الاحتمال الثالث: هو الاحتمال الضعيف، و هو انها فعلا تدعم الحراك لتحقيق مشروع الانفصال.
وضعف الاحتمال الاخير ياتي بسبب عدم وجود هذا التوجه الداعم للانفصال لدى التحالف العربي، الذي تقوده السعودية، وتعتبر الامارات لاعب بامكانات متواضعة فيه.
لكن كل هذه الاحتمالات اذا ما افترضنا وجودها، وكانت سببا في مالت اليه الاوضاع من تدهور في المدن المحررة، لاسيما عدن، بشكل مريع، فانها لا تكشف عن فجوة بين هادي والحراك فحسب وانما بين الشرعية والتحالف ممثلا بالامارات،وسبب هذه الفجوة هو غياب التفاهم، والتنسيق، بين الشرعية، بقيادة هادي، والتحالف العربي، وعدم وجود رؤية استراتيجية تنظم هذين الطرفين، المهمين، وتنسق جهودهما السياسية، في الحاضر، والمستقبل، وهذا ما يخشاه الناس حقيقة، وهو الامر الذي يرى الحراك الجنوبي من المفيد استغلاله، لتحقيق الاهداف البعيدة، تحت غطاء الشرعية، الذي لايسمح بذلك، وهذا الامر اوجد الوضع الشاذ القائم،الذي لايخدم الا الانقلابين، بقيادة عفاش، الذي يعمل بكل طاقته، لتخريب المدن المحررة، لافشال الشرعية، والتحالف العربي، وبالتالي تكون الاطراف المتصارعة الثلاثة، في عدن، والمدن المحررة، قدمت خدمة كبيرة لعفاش، لم يكن يحلم بها.
زيارة هادي للامارات
تعتبر زيارة هادي للامارات صباح اليوم غير متوقعة، لدى عدد من المراقبين، لاسيما بعد حادثة المطار، التي لم يفلح لقاء الرياض في تسويتها، وكان يتوقع المراقبين، ان تقوم الامارات بزيارة الرئيس هادي في معاشيق، لتقديم الاعتذار له، على ما حدث، لكن هذا لم يحدث.
وكما يبدو ان هادي اضطر للسفر الي الامارات بنفسه، لاسيما بعد حادثة الامس، التي منعت فيها الرئاسة، محافظ حضرموت حليف الامارات، من السفر الي عدن، لعقد لقاء قمة مع محافظ عدن، تم الترتيب له باشراف الامارات، كما يبدو،لتوجيه رسالة لهادي، الامر الذي تصاعدت معه المواقف، واحتدت، وهو ما دفع الرئيس هادي من السفر الي الامارات، صباح اليوم، للجلوس مع القيادة الاماراتية، لمناقشة كافة الملفات.
وفي هذا السياق يبدو ان الرئيس هادي غير قادر علي تجاوز الامارات، لاسيما في المناطق المحررة، فهي اصبحت كالشوكة في حلق هادي، اما عليه ان يمرطها، بالم، ومرارة، واما عليه ان يخرجها من حلقه رغم التحديات، الماثلة، التي يراها امامه.
هادي كما يبدو قرر ان يصدر قرارات لاجراء تغيرات في السلطات المحلية في المدن المحررة، وبعض الموسسات، الا انه غير قادر من الاقدام على هذا الفعل دون تشاور، وتنسيق مع الامارات، والامارات، كما يبدو انها من غير الوارد التخلي عن مصالحها، ومطامعها، في الجنوب، وبالتالي تريد التدخل في قرارات التعيين، لصون هذه المصالح، وحفظها على الرغم من ان وظيفة التحالف، في هذه الحالة، هي الدعم، والاشراف، وليس التدخل في الادارة، وتفاصيلها.
ومما سبق يمكننا ان نتوقع ان زيارة هادي للامارات سوف تطرح عدد من النقاط ابرزها:
-التشاور مع الامارات بشان قرارات جديدة ستصدر لاجراء بعض التغييرات في المناطق المحررة.
-اقناع الامارات بالتخلي عن دعم الحراك الجنوبي المطالب بالانفصال، والاتفاق على تنفيذ مخرجات الحوار الوطني، والاتفاق على هذا الهدف سوف يؤدي الي احداث تغييرات، تساهم في ايجاد سلطة جديدة ،في المناطق المحررة، علي تفاهم، وتنسيق مشترك، مع الشرعية، لتطبيع الاوضاع، وعودة الحياة، لطبيعتها.
-ومن ضمن النقاط ايضا الطلب من الامارات الضغط على حلفائها، في الجنوب، بالعمل لصالح مشروع مخرجات الحوار، وعودة التنسيق، مع قيادة الشرعية، والحكومة.
واذا ما نجح هادي باقناع الامارات، والاتفاق على تلك النقاط، او احدا منها، مقابل تنازلات يقدمها لها، فانه سيكون بذلك قد حقق نجاحا ملموسا، ربما يسهم في ردم الفجوة، وتحسين شروط التنسيق، والعمل، في المدن المحررة، بما يعزز من سلطة، السلطة الشرعية، واستعادة مؤسسات الدولة.
المخاوف والتحديات
فوبيا الامارات من الاصلاح سيجعلها حذرة في الاتفاق مع هادي ومنحه الضوء الاخضر، لاستعادة مؤسسات الدولة، وبسط نفوذها،دون ضمان تحقق اهدافها، ومصالحها،رغم ان هذه المخاوف مبالغ فيها.
ومخاوف الحراك الجنوبي من التفاف هادي، واحزاب الشرعية عليه، يبقى ايضا تحديا كبيرا ،بحاجة الي تطبيع حالة الثقة، وردم الفجوة، وازالة المخاوف، وقلق هادي، والاصلاح، من الحراك الجنوبي، ومن انقلابه على الشرعية، ومشروع الدولة الاتحادية، سيظل قائما، مالم يتفق الجميع على اهداف، واضحة، ومحددة ،تساهم في خلق جو جديد، ومتبادل من الثقة، يسهم في تحقيق الشراكة، والتنسيق، تحت مظلة الدولة الاتحادية، ومن ثم الانطلاق صوب الاعمار، والبناء ،واعادة تطبيع الحياة، والاستمرار في معركة هزيمة التحالف الانقلابي، وعقد شراكة وثيقة للمستقبل، والعمل بصدق لصالح مشروع الدولة الاتحادية، بعيدا عن المناطقية، والعصبية، والاقصاء.
واعتقد ان الرئيس هادي قادر على تحقيق هذا الهدف، لو انه تخلى عن الحسابات الضيقة، التي تكبله، وانفتح على الجميع، كرئيس لكل اليمنيين.
المصدر : عدن الغد