تزداد قوة الجيش السوري الحر على اطراف دمشق، وفي حين ان المدينة القديمة ما زالت تعيش حياة اعتيادية في الظاهر فان انقطاع الكهرباء وأزمة الغاز مؤشرات مهمة الى ان الوضع ليس طبيعيا، بحسب صحيفة الديلي تلغراف في تقرير من خطوط القتال. وعلى بعد نحو عشرة كلم تقع بلدة دوما التابعة لريف دمشق حيث تخرج تظاهرات تهتف بسقوط الرئيس السوري بشار الأسد بعد صلاة الجمعة من كل اسبوع. ودوما الآن بلدة تحاصرها قوات الجيش.
ونقلت صحيفة الديلي تلغراف عن الناشط علي قوله مشيرا الى الجيش "ان هذه دوما وليست قندهار أو بغداد" واعرب عن سخطه على مشهد القوات التي تطوق بلدته.
وفي نهاية الشارع أقام مواطنون من اهل البلدة متاريس مشتعلة لوقف تقدم العربات العسكرية. وتمركز جنود النظام على أسطح المباني.
وتجمع رجال على باب مسجد عبيد وبعد ان استجمعوا شجاعتهم انطلقوا في مجموعات عبر الجادة الرئيسة المكشوفة لنيران القناصة الى الأزقة الآمنة نسبيا على الجانب الآخر. والذين وصلوا الى الجانب الآخر سالمين كانوا يشجعون الآخرين على العبور هاتفين "الحرية" و"يسقط النظام" بملء حناجرهم.
وفي كل مكان تحولت الجدران وواجهات المتاجر الى ساحة لحرب الشعارات المناوئة والمؤيدة للنظام، يكتبها هذا الطرف ويمحوها ذاك ثم يعيد الطرف الأول كتابتها. وتدفق السكان متوافدين على الطرق الجانبية والأزقة الموحلة التي تخترق البلدة. وتُبقى الأبواب مواربة في دعوة صامتة الى المتظاهرين للاحتماء داخل بيوتها. ويتناقل الأهالي التحذيرات في ما بينهم قائلين "هناك كلاب في ذلك الشارع" في اشارة الى افراد قوى الأمن.
افراد الجيش يتمركزون في مواقعهم بأعصاب متوترة. وتكفي هتافات 10 محتجين لدفعهم الى اطلاق النار تلي ذلك قنابل الدخان والقنابل الصوتية. وشاهد مراسل الديلي تلغراف رجلا طل برأسه خارج متجره فأصبح هدفا لقناصة النظام.
وفي شارع جسر مسرابا كان خمسة رجال يراقبون من مخبأ بين اشجار الزيتون. انهم عناصر الجيش السوري الحر المعارض، يتسلحون بكلاشنكوفات صدئة. وقال احدهم يخفي وجهه بكوفية، انهم يراقبون وينتظرون "إذا احتاج المتظاهرون الى تدخلنا. فنحن هنا لحمايتهم".
وقال قائد كتيبة دمشق التابعة للجيش السوري الحر إن لديه نحو 2000 رجل ينفذون عمليات داخل العاصمة وفي محيطها. وكان الوصول الى هذا القائد عملية استغرقت ساعتين يشوبها التوتر بزيارات الى بيوت آمنة وهمية، واتصالات مع وسطاء، والسفر في قافلة ثم الافتراق على طرق مختلفة قبل الوصول الى المكان المطلوب. وقال القائد من بيت آمن يحرسه ستة رجال "ان مهمتنا هي حماية المتظاهرين وأي مدنيين". واضاف "إن ضباطا كبارا في الجيش يسرّبون الينا معلومات عن هجوم قادم على البلدة. ثم نقوم بضربات استباقية لمنع العملية. وفي دوما يوم الأحد الماضي ساعدنا في منع حملة ضد الناشطات. إذ قطعنا الطرق لمنع الجيش من الدخول. وكنا تلقينا معلومات عن الطريق الذي ستتخذه القوات فمنح هذا الناشطين مهلة للفرار. كانت معركة صعبة وفقدنا فيها 10 رجال، وأصيب 21 آخرون".
وتابع القائد إن العمليات استهدفت وسط مدينة دمشق بهجمات على أبنية تستخدمها اجهزة الأمن والاستخبارات. واضاف أن افراد احد مقرات الأمن اعتقلوا 160 مواطنا وابقوهم رهن التوقيف اكثر من شهرين وان الجيش السوري الحر انذرهم قبل 24 ساعة للافراج عن المعتقلين ولكنهم لم يستجيبوا، وفي الثانية بعد منتصف الليل "وجهنا ضربتنا واندلعت معارك عنيفة مع قوى الأمن".
وأكد القائد ان استراتيجية الجيش السوري الحر "استراتيجية دفاعية وان العملية كانت تحذيرا وتذكيرا للنظام بأننا موجودون واننا نراقبه. وإذا كنا قادرين على ضرب مقرات الاستخبارات المركزية فاننا نستطيع ان نضرب القصر الرئاسي ايضا"، بحسب القائد.
وإذ يواجه الجيش السوري الحر نقصا في التسليح مع انتشاره على رقعة واسعة فإنه لا يشكل تهديدا خطيرا حتى الآن، ولكن القائد أكد لصحيفة الديلي تلغراف انه يمكن ان يتحول الى قوة تهدد النظام بعمله على هذه المسافة القريبة من العاصمة. واضاف "اننا بحاجة الى منطقة حظر جوي. فالنظام يستخدم الطائرات لتعقبنا والبحث عن قواعد تدريبنا. وتعرضنا للهجوم عدة مرات لأن مواقعنا اصبحت معروفة بواسطة المروحيات. وقُصفت قواعدنا عدة مرات في إدلب وحمص".
في حمص ازداد الوضع تعقيدا بعد وقوع اعمال قتل طائفية طمست احيانا صوت المعارضة، ولكن وحدتها أقوى في دوما ذات الأغلبية السنية، بحسب صحيفة الديلي تلغراف مشيرة الى النكات التي يتناقلها الأهالي وسخريتهم من الدعاية الرسمية. وقال احد سكان المنطقة إن يوم زفاف الأمير وليام وكيت في بريطانيا شهد تظاهرة ضخمة ضد النظام في دمشق ولكن التلفزيون الرسمي قال ان المواطنين خرجوا للاحتفال بزفافهما.
كانت الحملة على دوما قاسية. وقدرت ناشطة من البلدة ان اكثر من 1800 شخص تعرضوا الى الاعتقال أو فُقدوا مضيفة "ان العائلات تبلغنا بخسائرها ونحن نجمع المعلومات وهذا هو عدد المعتقلين حاليا". وقالت ان كل عائلة في دوما تقريبا تأثرت بالحملة.
وقال ناشطون إن المداهمات والاعتقالات مستمرة. وقال حميد (24 عاما) الذي اوضحت صحيفة الديلي تلغراف إن هذا ليس اسمه الحقيقي، وان الجنود اقتادوه من منزله بعد اسبوعين على زواجه. وفي مقر المخابرات المركزية في دمشق استجوبوه عن عدد ما شارك فيه من جنازات لتشييع اشخاص قُتلوا خلال الاحتجاجات.
ظل الوضع في دوما متوترا طيلة اشهر وكان الشعور بالخوف محسوسا. وخلال الزيارة التي قام بها مراسل الديلي تلغراف للبلدة قبل اسبوع كان المستشفى المركزي محروسا بقوات من الجيش. إذ سمح مالك المستشفى بمعالجة المصابين الذين جُرحوا خلال مشاركتهم في التظاهرات، كما أوضح الناشط أحمد الذي لم يعط اسمه الحقيقي حفاظا على سلامته.
وقال ان الجنود اعتقلوا مالك المستشفى وسجنوه 17 يوما واتهموا العاملين بحيازة اسلحة وإخفائها. ولكن هذا ليس صحيحا "فأنا كنت هناك وقام الجنود بتحطيم الكاميرات الأمنية لاخفاء الدليل على ما حدث لاحقا".
يقول ناشطون ان مئات الأشخاص أُصيبوا خلال اشهر من الاحتجاجات. ويتولى العناية بهم الآن متطوعون يعملون في عيادات سرية تستضيفها بيوت متعاطفين مع الانتفاضة وبأي أدوية يمكن تهريبها. ولكنها لا تكفي.
أُعيد فتح المستشفى الآن بعد الإفراج عن المالك. وفي الليل توجه مراسل الديلي تلغراف اليه بصحبة ناشطين. كان المستشفى مظلما وفارغا، فكثير من المواطنين يخافون مراجعته. وفي الشوارع المضيئة وسط دمشق الذي تفصله عن بلدة دوما ستة حواجز تفتيش نظر علي الذي طلب من مراسل الديلي تلغراف ألا يستخدم اسمه الحقيقي الى جدارية للرئيس الأسد. وقال "لا يمكنكم ان تتخيلوا مشاعر العيش بلا حرية. هذا بلدي لكنني أعيش فيه خائفا. أنا خائف حتى في بيتي". وأضاف علي "ان حلمي ان اكون قادرا على ان اقول لك اسمي الحقيقي وان تزورنا بحرية كصحافي دون هذا التنكر" ثم ابتهل بآيات قرآنية قبل ان ينطلق في رحلة العودة الخطرة الى دوما.