نشرت فضائية جديدة صغيرة ما قالت إنه مجريات زيارة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير لمقر الهيئة العليا للمفاوضات السورية في الرياض في 3 آب/أغسطس الجاري، وهو ما أعادت نشره وسائل إعلام كثيرة بعد تبنيه بحذافيره من فضائية «روسيا اليوم» التي نسبته إلى مراسلتها في جنيف.
قال التقرير إن الجبير طالب المعارضة السورية بضرورة الخروج برؤية جديدة تتماشى مع الوقائع على الأرض والوضع الدولي الجديد وأنه حذر المعارضة من أنه في حال عدم حصول ذلك «فإن الدول العظمى قد تبحث عن حل خارج المعارضة»، ولكن النقطة التي أثارت الجدل تمثلت بزعم التقرير إن وزير الخارجية السعودي أبلغ رياض حجاب، منسق الهيئة، استحالة استبعاد الأسد من السلطة حاليا وأن المطلوب حاليا هو «البحث في مدة بقائه في المرحلة الانتقالية وصلاحياته في تلك المرحلة». إضافة لذلك فقد طالب الوزير، حسب التسريبات، الهيئة بدعوة منصتي موسكو والقاهرة لاجتماع الهيئة المقبل في تشرين الأول/أكتوبر.
لم تتأخر الدبلوماسية السعودية عن الردّ فأصدرت بياناً على لسان مصدر مسؤول فيها يقول إن ما نُسب على لسان وزير خارجيتها غير دقيق وأن موقف المملكة من الأزمة السورية ثابت وأنها تلتزم بمبادئ إعلان جنيف 1 وقرار مجلس الأمن الدولي 2254 الذي ينص على تشكيل هيئة انتقالية للحكم تتولى إدارة شؤون البلاد وصياغة دستور جديد لسوريا والتحضير لانتخابات لوضع مستقبل جديد لسوريا لا مكان فيه لبشار الأسد.
المدقق في كلام المصدر السعودي المسؤول يلاحظ أنه لا يتعارض، بالضرورة، مع ما نُسب للجبير من أقوال مستجدّة، وأن فيه انزياحاً عن الخطاب السعودي السابق الذي كان يصرّ، على لسان الجبير بالذات، على رحيل الأسد، سلماً أو حرباً، فما الذي جرى حتى غيّرت السعودية موقفها، ليس من بقاء الأسد في «المرحلة الانتقالية»، وترحيل ذلك إلى «المستقبل» فحسب، بل في الضغط على المعارضة السورية لضمّ ما يسمّى بمنصّتي القاهرة وموسكو (وربّما بعض الموالين الأشداء للإمارات أيضاً)، وفيها بعض المحسوبين عمليّاً على النظام السوري ثم الذهاب للتفاوض مع… النظام.
الحديث عن تغيّر «الوضع على الأرض» في سوريا لا يستقيم وحده، فالوضع الذي تغيّر بقوّة لصالح النظام منذ سقوط حلب نهاية العام الماضي، يمكن أن يتغيّر لغير صالح النظام لو أرادت السعودية فعلاً أن يتغيّر وإلا ما كان لوزير خارجيتها أن يهدّد مراراً بإسقاط النظام عسكريّاً إذا لم يرحل سياسياً.
هل يتعلّق الأمر إذن بالوضع الدوليّ، وبتحالف الأمر الواقع بين روسيا، الداعمة بشراسة للنظام، وأمريكا التي لا تريد إسقاطه (لأن هدفها الوحيد في سوريا صار إنهاء تنظيم «الدولة الإسلامية» وبعده «جبهة النصرة») وبصفقة ممكنة بين الدولتين العظميين يبقى فيها الأسد (في المرحلة الانتقالية!) مقابل إبعاد إيران، في تسوية مقبولة للسعودية، المنهكة في اليمن، والراغبة في الابتعاد عن تعقيدات الوضع السوري؟
أم أن ذلك جزء من تداعيات أزمة حصار قطر، التي أخرجت المملكة، فجأة، من دورها المطلّ على إشكاليات المنطقة (من خلال جغرافيتها الواسعة واقتصادها المهم وحجمها الإسلامي الوازن) وأدخلتها في باب ضيّق أصبحت فيه ظلا شاحباً لما كانت عليه دائما.