«الخوف هو الوجه الحقيقي للإمارات.. يتساوى فيه المواطن والمقيم.. سجون وحرب مزدوجة في الداخل ضد الحريات وفي الخارج ضد الربيع العربي».. هكذا فضح فيلم وثائقي أنتجته فضائية «الجزيرة» بعنوان «إمارات الخوف».
الفيلم الوثائقي كشف أن كل الأشياء في دولة الإمارات تبدو غالية.. إلا آلام البشر ومعاناتهم فهي «مجانية»، وبمقدار ما تبدو ظاهريا متماسكة وقوية وذات نفوذ وتأثير خارجيين، بمقدار ما يشير ذلك إلى هشاشتها وانشطارها داخليا.
سجون ومعتقلات
الفيلم الوثائقي «إمارات الخوف» الذي عرضه برنامج «للقصة بقية» في حلقته، الاثنين، كشف عن سجل كبير من الانتهاكات لحقوق الإنسان، وقعت على يد السلطات الإماراتية بحق مواطنين ونشطاء وحقوقيين.
وأسقط الفيلم، القناع عن دولة الإمارات التي تروّج عن نفسها بأنها دولة «السعادة والرفاهية»، حيث قدّم الفيلم نماذج متعددة من الانتهاكات التي تنوعت بين اعتقالات تعسفية، واختفاء قسري، وعمليات تعذيب، وسحب للجنسيات، وحجز لأموال المعارضين.
وكشف الفيلم سعي الإمارات، التي تبدو صورتها كمصدر للسعادة وناطحات سحاب لامعة ومراكز تسوق فاخرة، إلى إخفاء تحت الأرض سجونا سرية تتمدد إلى الخارج، ولا تسمح للمنظمات الحقوقية بزيارتها لمعرفة ما يجري خلف الأسوار، فضلا عن الاحتجاز في أماكن غير معلومة لشهورٍ وربما تمتد لسنوات، واستخدام التعذيب النفسي والبدني لانتزاع اعترافات، ومحاكمات غير قانونية تنتقدها المنظمات الدولية.
وكشف الفيلم، أن المحاكمات التي يواجهها المعتقلون صورية، حيث يتعرض المعتقلون أمام محاكم خاصة، وإجراءات لا تكفل ضمانات العدالة، مثل عدم تسجيل بلاغاتهم بتعرضهم للتعذيب، واعتبار الأحكام الصادرة بحقهم نهائية فلا يمكنهم الطعن فيها أمام محكمة أعلى درجة.
سحب جنسية
كما كشف الفيلم عن سحب الإمارات جنسيتها عن عدد من المواطنين، أمثال «أحمد السويدي»، و«محمد الصديق»، و«حسين الجابري»، وشقيقه «حسن الجابري».
ونقل الفيلم، عن مراكز حقوقية، قولها إن الإمارات اتخذت قرار سحب الجنسية بحق 15 مواطناً إماراتيا، بجانب الحجز على أموالهم.
تعذيب
وعن عمليات التعذيب في السجون الإماراتية، نقل الفيلم عن منظمات حقوقية شكاوى بعدم سماح السلطات هناك بزيارة أماكن الاحتجاز.
واستعرض فيلم «إمارات الخوف» شهادة لـ«يونس فكرت» المعتقل الأمريكي السابق في سجن بني ياس، الذي أكد تعرضه لأساليب تعذيب عدة، وأنه شاهد عمليات ممنهجة من انتهاك حقوق الإنسان في السجن.
كما أظهرت الشهادات الحية، وسائل التعذيب، مثل الضرب والصعق بالكهرباء على الجسد والأماكن الحساسة، والاعتداءات الجنسية، والتهديد بإحضار الزوجات لتعذيبهن واغتصابهن، والتهديد بالقتل والاعتقال مدى الحياة والتعليق على «الخازوق»، والتوقيع على محاضر الاعترافات دون قراءتها، والتهديد بالترحيل للتعذيب في المعتقلات المصرية.
وكشف معتقلون عن عدم إبلاغهم بمواعيد التحقيق في النيابة وجلسات المحكمة، ورفض النيابة العامة أو المحاكم إثبات شكاواهم وبلاغاتهم بشأن تلك الانتهاكات غير القانونية التي تعرضوا لها بالسجون والمعتقلات.
كما تم عرض شهادات ورسائل معتقلين بالسجون الإماراتية، حول ظروف الاعتقال والانتهاكات التي تعرضوا لها في السجون الإماراتية، والتي شملت تعرضهم لأضرار جسدية ونفسية جسيمة جراء التعذيب بالسجون الإماراتية.
ونوه الفيلم لتقرير منظمة «العفو الدولية»، بشأن رصد أساليب تعذيب وحشية وبشعة في السجون الإماراتية، وتراجع ترتيب الإمارات في مؤشر حرية الإعلام والصحافة العالمي إلى المركز 119 من أصل 167.
وأد الآراء
واستعرض الفيلم الوثائقي، أيضا، إقرار السلطات الإماراتية حزمة من القوانين تمثل مصادرة لحرية الرأي والتعبير، منها قانون الجرائم الإلكترونية، الذي يستهدف المعارضين ومعاقبة من يشاء.
وأظهر الفيلم، بعضا من أشكال التجسس على المواطنين والمقيمين، التي تقوم بها السلطات الإماراتية، مستخدمة تقنيات عالية تحدد أماكن الاتصالات وبصمات الصوت، وتحدد مجالات الاتصالات، واختراق الحسابات البريدية بالتعاون مع شركات إسرائيلية متخصصة.
كما عرض الفيلم قصة الحقوقي «أحمد المنصور» الذي تعرّض للسجن بسبب فضحه انتهاكات السلطات الإماراتية لحقوق المواطنين، ورفضت الدولة الانصياع لمطالبات المنظمات الدولية بالإفراج عنه.
ونقل الفيلم الوثائقي عن «أنس التكريتي» رئيس مؤسسة قرطبة البريطانية لحوار الثقافات، قوله حول قضية «وثيقة الإصلاح» بأن «السعي نحو وطن حر وحياة ديمقراطية هو جريمة في نظر النظام الإماراتي وتستوجب الإعدام».
كما اعتبرت «سو ديلمان» المحامية المتخصصة في حقوق الإنسان، قانون الإعدام بعيدا عن قيم الديمقراطية.
كما نقل الفيلم عن «دوري ديك» باحث بشؤون الشرق الأوسط في منظمة العفو الدولية، قوله إنه تم رصد أنواع تعذيب مختلفة داخل سجون الإمارات، منها خلع الأظافر، الأمر الذي استدعى مخاطبة السلطات هناك حول ذلك، إلا أننا لم نحصل على الرد.
وتحدث «ديك»، عن اعتقالات تعسفية ضد المهتمين بحقوق الإنسان داخل الإمارات، منهم الأكاديمي «محمد الركن» رئيس منظمة الحقوقيين الإماراتيين الذي سجن بتهمة التآمر على الدولة، والباحث الاقتصادي «ناصر بن غيث» المحكوم عليه بالسجن لمدة 5 سنوات، والصحفي الأردني «تيسير النجار»، مؤكدين أنهم جميع مارسوا حقهم الطبيعي في حرية التعبير.
وجه حقيقي
المعارض الإماراتي «جاسم الشامسي»، عقّب على الفيلم قائلا: «أشعر بالعار مما يقوم به النظام الإماراتي، الذي يقدم نفسه باعتباره منارة للسعادة والتسامح، وهو يخفي في الحقيقة وراء ذلك كما هائلا من الانتهاكات لحرية الإنسان والاستخفاف بحقوقه».
وكشف أن النظام الحاكم في الإمارات يتعامل مع المعتقل على أنه «إنسان ليس له أي حقوق»، وبالتالي قد يبقى في السجن لسنة أو أكثر، ثم يحال للقضاء الذي يصدر عليه حكما يتماهى مع ما يريده جهاز الأمن بالإمارات.
ولفت «الشامسي»، إلى أن المشكلة الكبرى في الإمارات هي الاستبداد، فهو أصل كل فساد، و«لذلك عندما طغى الاستبداد أصبح الإعلام مسيسا مهمته إظهار صفحة بيضاء عن الدولة، وكأن المواطنين يعيشون في الجنة، بخلاف الواقع الذي يقول إن هناك احتقانا كامنا بين الشعب والحكومة».
أدلة موثقة
أما الخبير القانوني الدولي «رودني ديكسون»، أن هناك تقارير حقوقية واسعة قدمت أدلة بشأن الانتهاكات التي تقوم بها الإمارات سواء داخل الدولة أو خارجها، وهناك قضايا واضحة تؤكد ارتكاب العديد من الانتهاكات لحقوق الإنسان.
واعتبر أن الخطورة الكبرى المتعلقة بالانتهاكات التي ترتكب في بلد واحد، «أنها تتخطى الحدود الجغرافية، وبالتالي لم يعد من الممكن احتواء مسألة الانتهاكات داخل الدولة فقط، وإنما لا بد من حلول دولية، لأن هذا الأمر سيؤثر على الجميع، ليس فقط في ملف حقوق الإنسان وإنما في ملفات سياسية واقتصادية واجتماعية أخرى».