نظم مركز دال ندوة فكرية حول حركات الاسلام السياسي في اليمن حيث حاضر فيها الباحث عبد الملك عيسى.
نص المحاضرة
يعتبر المجتمع اليمني من المجتمعات التقليدية والمحافظة ويعود ذلك لأسباب تاريخية منها عدم دخول الاستعمار عليه، كما ولم تدخله القيم الأوربية فالإمامة الزيدية استطاعت بنجاح حماية اليمن من كل اجتياح أجنبي، مما جعل منه مجتمعاً محافظاً على عاداته وتقاليده التي ترسخت في القرون الماضية وحتى عصرنا الحاضر( ).
ولم يطرأ عليها التغييرات الكبيرة التي طرأت على بلدان عربية أخرى أو حتى مدن في اليمن كمدينة عدن على سبيل المثال والتي تغيرت بنيتها الاجتماعية نتيجة دخول الاستعمار البريطاني عليها لمدة 128 سنة.
والملاحظ أن نمط تفكيرهم وعاداتهم اختلفت بشكل لا بأس فيه عن بقية أجزاء اليمن الأخرى التي لم يدخلها الاستعمار والتي ضلت القبيلة عاملاً مؤثراً وقوة مؤثرة في بنيته الاجتماعية.
على أن هناك أسباب أخرى أكثر أهمية منها أيضاً الأمية والجهل والتي تبلغ بين السكان (76.8%) من نسبة عدد السكان الإجمالي حسب إحصاء السكان لعام 2004م وذلك بنسبة (45,3%) أمية كاملة و(31,5%) لا يستطيع سوى القراءة والكتابة ولم يحصلوا على أي تعليم رسمي وبنفس التعداد نلاحظ أن الحاصلين على التعليم الأساسي (12%) فقط والتعليم الثانوي (8,2%) وأما التعليم الجامعي فأعلى فتصل نسبتهم حتى (2,3%)( )، إضف إلى ذلك انتشار الفقر إذ يعيش 42% من عدد السكان تحت خط الفقر، إضافة إلى قوة تأثير القبيلة.
وهذا ما دفع حركة الأخوان المسلمين ممثلة في الشيخ حسن البنا والفضيل الورتلاني أن تهتم باليمن إذ يقول الشيخ حسن البنا في مقدمته للتقرير الذي وضعه الفضيل الورتلاني عن أوضاع اليمن في الأربعينيات أن اليمن البلد العربي الوحيد الذي لم يدخله الاستعمار ولم تدخله القيم الأوربية المستوردة، وكذلك انتشار الأمية والجهل مما يعني أن العقل اليمني لم تفسده الحضارة المعاصرة( ).
كل هذه العوامل جعلت من اليمن بيئة أمنة ومواتية لممارسة النشاط السياسي من قبل حركات الإسلام السياسي، وأوجد ما يشبه التزواج المطلق بين الحركات الإسلامية والقبيلة التي لها الأثر الأكبر في النشاط السياسي لليمن.
ويعود السبب في ذلك إلى أن القبيلة في اليمن تحمل نفس القيم والمبادئ التي تدعوا إليها حركات الإسلام السياسي مما سهل هذا الالتقاء فمشائخ القبائل عادة ما يحبون الأشخاص الذين يدعون إلى الإسلام ويأمون المساجد ويقربونهم منهم ويدعمون اطروحاتهم ما دام هؤلاء يدعمون سلطتهم على قبيلتهم ولا يتدخلون في شئون إدارتها ويشرعون الأموال التي يأخذها هؤلاء المشائخ من أفراد القبيلة عبر تشريعهم للعرف القبلي.
على أن هذه الحركات التي دخلت إلى اليمن منذ أربعينيات القرن الماضي لم تأخذ طابعها الجبهوي أو تبرز تحالفاتها إلا بعد توحد اليمن في 22 آيار 1990.
عندها فقط بدأت تظهر إلى السطح كثير من التنظيمات السياسية اليمنية وخاصة ذات الطابع الإسلامي، وأشهرها حزبين هما التجمع اليمني للإصلاح الذي تكون في بداية نشأته من ثلاثة تيارات رئيسية هي التيار القبلي ومثله الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر رئيس مجلس النواب اليمني الأسبق شيخ مشايخ قبيلة حاشد وناجي عبدالعزيز الشائف أحد كبار مشائخ بكيل، والتيار الديني ببعديه السلفي والإخواني ومثلهما الشيخين ياسين عبدالعزيز، وعبدالمجيد الزنداني الأول كممثل للأخوان والثاني كممثل للسلفيين، والتيار الثالث تيار أصحاب رؤس الأموال (التجار) ومثله بعض التجار من أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة في اليمن ويعتبر هذا الحزب من أكثر الأحزاب تجسيداً لفكرة التزواج القائم بين أحزاب الإسلامي السياسي والقبيلة.
وهناك حزب الحق والذي أسس كتحالف مضاد للتجمع اليمني للإصلاح في حينه كون الإصلاح في بداية تكوينه كان يميل فكرياً نحو المذهب الحنبلي ببعده الوهابي، وقد تأسس حزب الحق كتحالف ديني في الأساس لتمثيل الإسلام السياسي المعتدل في نظرهم ضد تشدد الإصلاح في بداية نشأته وتألف من المذاهب الثلاثة الرئيسية في اليمن وهي الشافعية ومثلها الشيخ الصوفي عمر بن حفيظ مفتي الشافعية الصوفية، والزيدية ومثلها الشيخ مجد الدين المؤيدي مفتي الديار اليمنية سابقاً، والأحناف ومثلها مفتي الأحناف باليمن الشيخ أسد حمزة.
يتضح لنا ذلك من خلال مواقفة الصريحة ضد تيار الأخوان المسلمين حيث وقف مؤسسه أحمد محمد الشامي في مقدمة العلماء الذين أفتوا بإسلامية دستور دولة الوحدة الذي رفضه الأخوان المسلمين باعتباره لا يتفق مع الشريعة ولهذا دخل الحزب في صدام سياسي مع الأخوان والجماعات المتطرفة التي كفرت الحزب دينياً وسياسياً إلا أن دوره السياسي أنتهى بعد أحداث 1994 والتي أدت إلى أنقسامه وضعف بنيته التنظيمية( ).
ومع مرور الوقت وتبلور الرؤية السياسية للتجمع اليمني للإصلاح ضعفت التحالفات بداخلة، فأدت تغيير السياسات بالحزب واستبدال المنهج الفكري بالعمل السياسي والتنظيمي أو ما سمي بفقه الواقع إلى خروج تيار السلفيين من الإطار الحزبي للتجمع وتكوين حالة سلفية ذات بعد فكري إقصائي تكفيري هاجمت الأخوان المسلمين وأتهمتهم بالكفر والردة لموافقتهم على الدخول بالانتخابات وما يعرف بالعملية الديمقراطية إضافة إلى تكفير كلاً من الشافعية والزيدية والأحناف لسماحهم بزيارة القبور على سبيل المثال لا الحصر.
هذه الحالة السلفية أوجدت أزمة حادة في المجتمع اليمني وأثرت فيه تأثيراً عميقاً وتعتبر من الظواهر الحديثة باليمن، لذا كان اهتمامنا بدراستها انطلاقاً من دوافع ذاتية وموضوعية، ذاتية كوني أعيش وسط هذا المجتمع أتأثر به "فيجب أن تستحوذ مسألة البحث على الاهتمام الشخصي والرغبة الأكيدة ولا تكون المسألة مفروضة على الباحث( )"، وموضوعية كون هذه الظاهرة جديرة بالبحث والمتابعة العلمية الدقيقة، فلم يتم دراستها بشكل علمي من قبل وإن كتب عنها في بعض المؤلفات التي تناولتها في سياق دراسة الأخوان المسلمين في اليمن والتي أخذت الحيز الأكبر من الدراسات النظرية والأكاديمية "فنرى هنا أن هناك فجوة في المعلومات الخاصة بحركات الإسلام السياسي في اليمن وتحتاج هذه المعلومات إلى استكمال، كما وأنها من المسائل الجديدة على البحث العلمي في اليمن بالإضافة إلى أن دراستها سيتم بتطبيق المعلومات المتوفرة بطريقة جديدة عبر علم الاجتماع السياسي "( ) وعلم الاجتماع الديني.
فالإشكالية في المجتمع اليمني ليست بين شيعة وسنة أو بين علمانيين وإسلاميين كما في المجتمعات الأخرى بل هي بين معتدلين ومتطرفين كما يحلو للبعض تسميتهم.
والملاحظ في هذا السياق أن خروج التيار السلفي من حزب التجمع اليمني للإصلاح تم بعد أن بدأ حزب الأخوان المسلمين يتخذ مواقف أكثر اعتدالاً والاعتراف بالديمقراطية واحترام حق الاختلاف في الرأي وعدم اللجوء إلى العنف (Violence) مما سبب انزعاجاً حاداً عند الراديكاليين (Radical) بالحزب فأدى إلى هذا الخروج الذي نتج عنه هذه المعضلة المتمثلة بالتيار السلفي باليمن ببعده التكفيري الإقصائي مما أدى بالتالي إلى الانتقال من التنظير إلى التكفير ومن ثم إلى التفجير هذا ما يشهده اليمن مؤخراً، فطرأت في ذهننا مجموعة من التساؤلات التي نبحث لها عن إجابة علمية مثل:
ما هي العوامل الاجتماعية (Social Factors) التي أدت إلى ظهور ونشوء ظاهرة التطرف الديني (Religious extremism) لدى حركات الإسلام السياسي(Islamic Political Groups)؟
ما هي البيئة الاجتماعية (Social Environment) المناسبة لتكون ظاهرة مثل هذه؟ وبالتالي سمحت بنشوء ما يسمى بالتطرف الديني (Religious extremism)؟
وعليه كان تركيزنا على ما يسمى بظاهرة التطرف الديني (Religious extremism Phenomenon) لدى حركات الإسلام السياسي (Islamic Political Groups) والتي قصدنا بها السلوك العنيف(behavior violent) الذي تتخذه الجماعة الدينية للتعبير عن معتقداتها أو أفكارها أو ثقافتها تجاه الآخرين المختلفين معها عقائدياً أو سياسياً أو اجتماعياً بما يسبب لهم الضرر المعنوي (التكفير، التفسيق، التجريح) أو المادي (الضرب والقتل غالباً) وهذا ما سوف نركز عليه في هذا البحث.