اكتنف الثورة الليبية الكثير من الغموض المتسارع صاحبت الوحشية التي انتهجها نظام القذافي ، رغم ذلك انتظمت صفوف الثوار سريعاً وكانت النوة التنظيمية للثوار الليبيين ائتلاف 17 فبراير والذي تكون من الحقوقيين والمحاميين والذين وضعوا الدستور الانتقالي وشرعوا تكوين المجلس الانتقالي والذي قاد بعد ذلك الثورة في لليبيا .
لتسليط الضوء والتعرف على الثورة الليبية ورؤية ثوار ليبيا لثورة اليمن أجرينا هذا الحوار مع الأستاذ عبد السلام المسماري.. محامي وناشط حقوقي المنسق العام لائتلاف ثورة 17 فبرايرـ المؤسس.
حاوره عبر الإنترنت / معاذ راجح
كيف كان عملكم ونشاطكم في أيام الثورة خصوصاً وأنتم تحتفلون بذكراها الأولى؟
ثورة 17 فبراير هي ثورة شعبية بامتياز ولو لم تكن كذلك ما كانت لتنجح، وعملنا في أيام الثورة على أهميته لا يمكن أن يلغي دور أي من أبناء ليبيا سواء كان بصورة فردية أو جماعية ممن أسهموا في الثورة ولم يبخلوا بالجهد والمال والنفس.
ويمكن القول أنه نظراً لنشاطنا في الثورة منذ اليوم الأول تراكمت في الذاكرة كثير من التفاصيل الهامة التي لا يمكن اختزالها في عجالة، لا سيما مع مرور الذكرى الأولى لانطلاق الثورة التقينا بكثير من رفاقنا الذين واكبوا الحدث منذ بدايتها كان الأمر مؤثراً لا سيما وقد غيبت الشهادة كثير ممن عرفناهم من أبطال هذه الثورة.
شخصياً كان لي تواصل مع عدد من النشطاء من حقوقيين ونشطاء الفيس بوك، خلال الأيام القليلة السابقة على حلول أجل 17 فبراير، كان هاجسنا كيف نحقق النجاح، أخذاً في الاعتبار دموية النظام، فكان الرأي أننا نرفع في البداية شعارات حيادية تطالب بالدستور والحرية والعدالة الاجتماعية، ويرتفع سقف المطالب بشكل طردي مع الحشد الذي يتجمع في الاعتصام، كما أن اختيارنا مكان الاعتصام يوم 17 فبراير أمام محكمة شمال بنغازي كان موفقاً جداً، إضافة إلى التدفق العفوي للمتظاهرين في عدة مناطق من بنغازي في نفس الوقت أربك حسابات النظام وشتت جهوده.
ومنذ الليلة الأولى بدأ ائتلاف ثورة 17 فبراير بالتشكل في الساحة المقابلة لمدخل المحكمة الرئيسي ، حيث بادرنا بتشكيل لجنة إعلامية لكسر التعتيم الإعلامي ونشر حقيقة الفضائع التي ارتكبها النظام، كما شكلنا لجنة طبية ولجنة خدمات، وقمنا في الأيام التالية باتخاذ كل التدابير التي تلزم لنجاح الثورة وفي إرساء خارطة طريق للانتقال إلى دولة القانون و المؤسسات بتنظيم شؤون الثورة في أيامها الأولى لمنع اختزالها في حراك غير ممنهج لا يلبث أن يتلاشى، فبادر الائتلاف للإجابة على كل الأسئلة المتعلقة بالثورة بدءً بهويتها وأهدافها في بيان انتصار ثورة 17 فبراير الصادر في 22 فبراير2011، وهو أول بيان سياسي يصدر عن الشعب الليبي يسمعه العالم وينحني له إكباراً، وكانت اتصالات القوى الدولية المختلفة تجري مع الائتلاف كما كان مبعوثو الرؤساء الأجانب يؤمون مقر الائتلاف مبنى المحكمة "رمز الثورة" للتفاوض في المسائل المتصلة بأحداث الثورة طيلة الفترة السابقة على تأسيس المجلس الوطني الانتقالي، كما كان الائتلاف مستجيباً للحاجة الوطنية الملحة في تنظيم الحياة اليومية ترسيخاً لانتصار الثورة وتأكيداً لقدرة الثوار على حماية ثورتهم بعدما أطاحت بهياكل النظام المنهار فبلور الائتلاف سبل تشكيل المجالس المحلية من خلال قراره الصادر في 24 فبراير 2011م والمجلس العسكري في 27 فبراير 2011م، ليكمل البناء الانتقالي في 2مارس 2011م حيث أصدر الائتلاف إعلان تأسيس المجلس الوطني الانتقالي المؤقت ليسد الفراغ السياسي ويكون ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الليبي.
وظل الائتلاف داعماً ورافداً للمجلس الوطني الانتقالي ومثبتاً لشرعيته ومرسياً للاستقرار بعدد من التدابير التي من أهمها قرار إلغاء ما يسمى بنظام سلطة الشعب، وكذلك عمل الائتلاف على مواجهة كل ما من شأنه تفشي مظاهر التذمر الشعبي من خلال إدارة العمليات التطوعية الضخمة في كل الشؤون التي نفذت بالتعاون مع الجمعيات الأهلية والمؤسسات التي شكلت منذ الأيام الأولى للثورة من أصحاب المبادرة الوطنية من خيري أبناء وبنات ليبيا، ويكفي فقط أن نذكر أن جبهة القتال ظلت تحرز الانتصارات بإدارة الائتلاف حتى وصل الثوار إلى منطقة الوادي الأحمر قرب سرت خلال الأيام الأولى من شهر مارس، كما أن لجنة الإغاثة التابعة للائتلاف أدارت وأشرفت على عملية إيواء آلاف الأسر التي نزحت من مختلف المدن إلى بنغازي، كما قام الائتلاف بالإشراف على عمليات ترحيل عشرات الآلاف من العمالة الأجنبية في ظروف إنسانية وآمنة بالتعاون مع الهلال الأحمر الليبي و المنظمات الدولية ذات العلاقة، وكل هذه المهام قام بها الائتلاف ليتيح للمجلس الوطني الانتقالي من استكمال عضويته وتفعيل مهامه وأداءه، للأسف لم يتسن للمجلس أن يتشكل وفق قرار تأسيسه ونظامه الأساسي بسبب دخول جماعة من الانتهازيين المدعومين من الخارج على مشهد الثورة وقيامهم بإثارة البلبلة والفتن تمكنوا جرائها من التسلل إلى المفاصل الحساسة للسلطة الانتقالية وقت انشغال الشعب وثوار الجبهات في قتال كتائب القذافي، هذه الجماعة الانتهازية سعت تعمل على اختزال الثورة لمصلحتها حد تزوير تاريخ الثورة والادعاء بأنها هي من قامت بالثورة والشعب شارك معها!! وهي تسعى من خلال ذلك متسلحة بدعم مالي وإعلامي قطري للاستيلاء على السلطة بدأت تنحرف بمسار الثورة عن أهدافها المنشودة بما ينذر ببذور دكتاتورية جديدة، لكن الشعب الليبي لم ينزل الدكتاتور القذافي عن ظهره ليعتليه دكتاتورية أخرى، ومن ثم فإن ائتلاف ثورة 17 فبراير المؤسس من موقفه المنحاز إلى جانب الشعب الليبي، في كل مراحل الثورة فقد ساهم الائتلاف بفعالية في حراك المطالبة بتصحيح مسار الثورة، الذي انطلق يوم 12/12، كما كان عنصراً فاعلاً في بلورة وتفعيل بيان النقاط الأربعة ، كما واجه الائتلاف محاولات البعض التي كانت تستهدف بث مطالب تضر بأمن واستقرار ليبيا في المرحلة الانتقالية وعلى رأسها تلك التي كانت تنادي بهدم وإلغاء المجلس الوطني الانتقالي كمؤسسة رئاسية قبل انتهاء المرحلة الانتقالية، ومن هنا يمكننا القول بأن ائتلاف ثورة 17 فبرايرـ المؤسس يختلف عن الائتلافات التي قامت في دول ما يعرف بثورات الربيع العربي بكونه أخذ على عاتقه سد الفراغ السياسي والأمني والإداري للمناطق المحررة ومثل القوة التي وضع بشكل عملي مباشر وفعال وسريع أسس السلطة الانتقالية.
اتصفت الثورة الليبية بالعنف منذ البداية إلى أي سبب يعود ذلك برأيك وما أوجه الشبه بين ثورات الربيع العربي؟
الشعب الليبي المسالم المتسامح ينبذ العنف والتطرف وبالتالي فوصف الثورة الليبية بالعنف ليس في محله، العنف جاء من الطرف الآخر وهو القذافي الذي قابل مطالب المتظاهرين السلمية المشروعة بالبطش والتنكيل، والعنف المفرط مما اضطر الثوار إلى انتزاع السلاح للدفاع عن أنفسهم وعن مدنهم وأهاليهم. وما حصل في المنطقة العربية بعد حادثة انتحار البوعزيزي التي كانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر الدكتاتوريات العربية لأن شعوب المنطقة طفح كيلها وعيل صبرها فانتشر الغضب في هذه الدول، مع اختلاف سبل التعبير عن هذا الغضب باختلاف الظروف من بلد إلى آخر فلا يمكن القول بالتشابه.
استطاعت ليبيا أن تتحرك لكن بلدان أخرى مثل سوريا واليمن كانتا مع مشوار طويل كيف كنتم تتابعون مجريات الأحداث في اليمن وسوريا أم أكتفيتم بمتابعة أخبار تقدم الثوار ،وبعد تحرير ليبيا كيف كانت متابعتكم للأحداث في البلدين؟
ما توفر للثورة الليبية منذ أيامها الأولى من فك ارتباط كل المنطقة الشرقية في ليبيا وأجزاء كبيرة من المنطقة الغربية عن النظام في طرابلس والقطيعة التامة معه. واتفاق كلمة الليبيين في هذه المنطقة بما في ذلك الجيش والأجهزة الأمنية، أتاح للثوار فرصة العمل على وضع أسس سلطة انتقالية بدأت بالإدارة المحلية المؤقتة للمدن وتوجت بالمجلس الوطني الانتقالي في ظرف أسبوعين! ساهم في إنجاح ذلك الانضمام المبكر إلى الثورة من قبل كل من وزيري العدل والداخلية وممثلي نظام القذافي.
ورغم أن حربنا ضد كتائب الطاغية انتهت فعلياً يوم 20/10/2011م ورغم انشغالنا بمتابعة مجرياتها ومعاركها الضارية وبعد انتهاء الحرب وجدنا أنفسنا في مواجهة ركام من المهام والأزمات التي تستغرق كل وقتنا تقريباً، إلا أننا لم نغفل الاهتمام بحراك أشقائنا في اليمن وسوريا من منطلق إيماننا بمشروعية هذا الحراك وعدالة مطالبه.
كيف تنظرون للثورة اليمنية مقارنة بالثورة الليبية؟
الثورات ليست معادلات جبرية والمقارنة بين الثورات مجحف في حق الثورات نفسها والشعوب التي تصنعها، ويمكن القول أن الثورة اليمنية ثورة الحكماء وهذا ليس بغريب عن أهل اليمن فالحكمة يمانية، ويمكن وصف الثورة الليبية بأنها ثورة الفرسان، ولا تعوز الحكيم الفروسية كما لا تعوز الفارس الحكمة.
توجد بالساحة اليمنية أحزاب وقوى وطنية حالت دون تفجر الأمور عسكرياً برأيك هل هذا في مصلحتنا أم أن وجودها كان سلبيا؟
اعتقد أن هذا الأمر في مصلحة اليمنيين ، لأن تفجر القتال بين أخوة الوطن خراب للوطن، وحكمة أهل اليمن برزت في هذا الموقف المتوقع منهم. إذ حالوا بين تفجر القتال رغم امتلاكهم للسلاح.
من خلال متابعتك للأحداث هل الثورة اليمنية تسير على المسار الصحيح؟
لا أستطيع أن أجزم بذلك عن بعد مهما كانت درجة متابعتي،كما لا أستطيع أن أقيم من نفسي حكماً على مسار الثورة اليمنية، التعويل في ذلك يجب أن يكون دائماً على وعي الشعب اليمني وقواه الوطنية، ونثق في أن الشعب اليمني الذي أصر على رحيل الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وثابر حتى كان له ما أراد، سيثابر بوعي وإدراك للوصول باليمن إلى أن يكون سعيداً.
نحن مقبلون على انتخابات رئاسية مبكرة تضع حد للأزمة طبقاً للمبادرة الخليجية لو توفرت لكم فرصة مناسبة مثلنا كنتم قبلتم بالتوافق؟ وما نصيحتك للشباب اليمني؟
لم تكن هناك فرصة أمام الشعب الليبي بالنظر إلى أن رأس الحكم وسلطاته كان يمثل نموذجاً للصلف والغطرسة وعدم الاستماع لمطالب الشعب بدليل التعامل الدموي مع المظاهرات السلمية منذ يومها الأول، ونصيحتي للشباب اليمني- إن كان لي أن أكون في موقف الناصح- أنتم أبناء الحكمة اليمانية فلا تتخلوا عنها فهي كنزكم الوطني، ولا تسمحوا بإعلام موجه من الخارج بالتأثير على خياراتكم.
رسالة تحب توجيهها للرئيس اليمني القادم من أحفاد المختار؟
استمع لشعبك أكثر مما تستمع لنفسك أو لمستشاريك.
كيف تنظر لمستقبل الأمة خصوصاً في ظل الربيع العربي والشتاء والخريف والفصول الجديدة التي لا تنتهي؟
رؤيتي المتواضعة أن الشعب الذي يستحق حياة أفضل ينالها، فإرادة الشعوب هي التي تصنع المستقبل بغض النظر عن الفصول وطقوسها.
كلمة أخيرة أستاذ ؟
قول شاعرنا الليبي المعاصر أحمد الشارف رحمه الله:
أمل البلاد على رقي شبابها .. إن كان حياً لا تخاف زوالا
مطبخ الثورة الليبية الأول