د.أنور معزب : التعليم العالي في الجمهورية اليمنية : جوانب الضعف والقصور والحلول المقترحة (1)
يساهم التعليم العالي بشكل اساسي في خدمة المجتمع والارتفاع به حضاريا لتصبح مؤسسات التعليم العالي فيه موطنا للفكر الانساني على ارقى مستوياته ومصدرا لتنمية الموارد البشرية متوخيا في ذلك رقي الفكر والابداع والابتكار وتقدم العلوم الطبيعية والطبية والاجتماعية والانسانية والتطبيقية وتنمية القيم الانسانية والمساهمة في المعرفة الكونية على اسس من الندية والتكافؤ وترسيخ الاصالة وتطويرها والنهوض بها الى مستوى المعاصرة ومن هذا المنطلق يستمد التعليم العالي اهميته
الا ان التعليم العالي في الجمهورية اليمنية كان ومازال يواجه العديد من التحديات والصعوبات وتعتريه جوانب الضعف والقصور في نطاق واسع ويؤسفني جدا هنا ان اؤكد على ان جميع الحكومات المتعاقبة لم تولي التعليم العالي اي اهتمام وبالتالي لم تعمل على تلافي تلك الاخطاء وذلك القصور الذي يجابه التعليم العالي ما افقده دوره الحقيقي والفاعل في تحقيق الاهداف المرجوة المنشدوه منه الامر نتج عنه انعكاسات سلبية خطيرة على الوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي في البلد
جوانب الضعف والقصور في التعليم العالي بالجمهورية اليمنية متعدده وكثيره وواسعة النطاق وحلقة واحده اومقال واحد ليس كافيا لشرحها وتوضيحها وهو الامر الذي اضطرني بتقسيمها الى جزئين اذ يحتوي الجزء الاول على ( السياسات والبرامج - اعضاء هيئة التدريس – طرق التدريس) وهو ماسوف اتناوله في هذه المقالة بينما يحتوي الجزء الثاني على (المناهج والمقررات الدراسية - البحث العلمي - المعامل – المكتابات – البنية التحتية)
سياسة وبرامج التعليم العالي :-
لقد حددت الإستراتيجية الوطنية للتخفيف من الفقر السياسات المتصلة بالتعليم العالي والتي عكست ما يلي:
- وضع سياسات القبول وفق احتياجات التنمية وسوق العمل والطاقة الاستيعابية لكل جامعة.
- تحقيق التوازن بين التخصصات المختلفة وتوسيع الطاقة الاستيعابية للتخصصات التي يرتفع الطلب على متخرجيها، والتي ترتبط بالبنيات الطبيعية وتلبي احتياجات التنمية وسوق العمل..
وجاء التشخيص الذي عكسته الإستراتيجية للوضع القائم لسياسة التعليم العالي بما نصه (وقد أدى الإقبال المتزايد على الجامعات بوجه عام وعلى التخصصات الأدبية والنظرية بشكل خاص إلى تزايد أعداد العاطلين عن العمل من الجامعيين نظراً لمحدودية الفرص المتاحة لهم في الجهاز الإداري للدولة ولعدم تناسب مؤهلاتهم وتخصصاتهم مع احتياجات القطاع الخاص، مما يعكس هدراً كبيراً في رأس المال البشري وطاقاته المنتجة.. ويتوقع تخرج أكثر من (150) ألف طالب جامعي خلال السنوات الخمس القادمة (2003 ــ 2007م) يتنافسون على ما يقرب من (55) ألف فرصة عمل.. تاركين أكثر من (95) ألف متخرج عاطل عن العمل)...
وتلخصت نتيجة التقييم بما نصه (ويخلوا القبول في التعليم الجامعي من سياسات معلنة ومحدودة مما يعني انفصال القبول بالجامعات عن احتياجات التنمية وسوق العمل)
لذلك تعتبر سياسة التعليم العالي من اهم التحديات التي تواجه التعليم العالي ذلك ان سياسة التعليم العالي والتي تتبعها الجامعات اليمنية ومنذ ان تم انشئ اول جامعة حكومية وهي جامعة صنعاء بعيده كل البعد عن متطلبات التنمية الاقتصادية ومتطلبات سوق العمل الامر الذي انعكس سلبا على الوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي في البلد ذلك ان عدم التخطيط ووضع سياسات واضحة تلبي المتطلبات ادت بدورها الى وجود فجوه حقيقة بين مخرجات التعليم العالي من جانب وبين متطلبات سوق العمل في الجانب الآخر وهذا بطبيعة الحال نتج عنه البطالة في صفوف الخريجين من الجامعات وكما هو ملاحظ ووفقا للتقارير الدولية والمحلية فهناك نمو في مؤشرات نسبة البطالة حيث تزداد نسبة البطالة في صفوف خريجي الجامعات سنويا بشكل كبير
كما ان سياسة القبول في التعليم الجامعي منذ نشأة جامعة صنعاء وحتى يومنا هذا يعتمد على سياسة الباب المفتوح حيث يترك للطالب اختيار الكلية والتخصص الذي يرغب به وهذا يعني قبول توزيع الطلبة دون الرجوع الى سياسات وخطط التنمية الاقتصادية ومتطلبات سوق العمل ونتيجة لذلك ارتفع عدد الملتحقين بالتخصصات الانسانية التي لاتتلاءم مع متطلبات التنمية الاقتصادية ومتطلبات سوق العمل
اعضاء هيئة التدريس:-
تعد وظيفة التدريس الجامعي من أهم الوظائف التي تؤديها الجامعات وأكثرها فاعلية في إعداد الطلبة للحياة المستقبلية، إذ تزودهم بالمعارف التخصيصية والاتجاهات السلوكية الايجابية والقيمية وكل المهارات العلمية والعملية اللازمة لتأهيلهم كي يصبحوا أعضاء فاعلين في خدمة المجتمع، إن مقياس تفوق الجامعة يعتمد على امتلاكها لأعضاء هيئة تدريس مؤهلين تأهيلاً عالياً، متوفرة لهم جميع الظروف والإمكانات، من جو أكاديمي ملائم وخدمات مختلفة تساهم في جودة العملية التعليمية كي تكون قادرة على تلبية حاجات التنمية الشاملة ومتطلبات العصر المتسارعة ويلعب عضو هيئة التدريس دوراً رائداً في إعداد وبناء مخرجات التعليم الجامعي وتأهيلها بما يتناسب مع متطلبات العصر وكونها تلبي حاجات المجتمع ومتطلباته ويأتي الأداء التدريسي لعضو هيئة التدريس إحدى المهام الرئيسة التي تؤديها الجامعات وتساهم في تحقيق أهداف الجامعة ورسالتها ولقد اصبح تقويم الأداء التدريسي لعضو هيئة التدريس ضرورة ملحة تؤديه الجامعات لتحقيق جودة التعليم العالي وللوقوف على نقاط القوة والتمييز ونقاط الضعف والاسترخاء ذلك ان أن عملية تقويم الأداء لعضو هيئة التدريس يفيد في معرفة مدى قوة التفوق على المستوى المحدد للتدريس أو الوصول إلى المستوى المطلوب أو القبول أو الفشل في تحقيقه وكل ذلك يهدف إلى تحقيق التمكن لعضو هيئة التدريس أي جودة الأداء ولايمكن لفاعلية التدريس الجامعي أن تحدد من دون عمليات تقويم للأداء التدريسي لعضو هيئة التدريس ومع هذه الاهمية البالغة لتقييم اداء عضو هيئة التدريس في الجامعات نجد ان الجامعات اليمنية لاتهتم البتة بتقييم اداء اعضاء هيئة التدريس وقد يستغرب الكثيرين بل قد لايصدق حقيقة انه لاتوجد في الجامعات اليمنية آلية لتقييم اداء عضو هيئة التدريس !! وهو الامر الذي جعل عدد من اعضاء هيئة التدريس بالجامعات اليمنية وخصوصا أولئك الذين يفتقدون الى الامانة العلمية والعملية لايقومون بواجبهم ودورهم الحقيقي في العملية التعليمية وهو مانتج عنه عدم فاعلية اداء عضو هيئة التدريس وبالتالي انعكس سلباعلى ضعف التحصيل العلمي للطالب الجامعي.
الا ان اشكالية عضوا هيئة التدريس في الجامعات اليمنية لاتقف عند عدم وجود آلية في تقييم الاداء فحسب بل ان المشكلة الحقيقة والتي تعتبر هي السبب الرئيسي في عدم فاعلية اداء عضو هيئة التدريس تكمن في ضعف الراتب الذي يتقاضاه عضوا هيئة التدريس حيث ان الراتب الذي يتقاضاه عضو هيئة التدريس بالجامعات اليمنية لا يفي لمتطلبات المعيشه الضرورية الامر الذى جعل اغلب اعضاء هيئة التدريس في الجامعات الحكومية يتجهون نحو التدريس في الجامعات الأهلية علهم بذلك يستطيعون تأمين متطلبات المعيشة الضرورية والحياة الكريمة بينما ذهب البعض من اعضاء هيئة التدريس للهجرة الى دول الخليج للتدريس في الجامعات الخليجية كونها تدفع مرتبات مجزية ولاتقارن مع مايستلمه عضوا هيئة التدريس في الجامعات اليمنية.
طرق التدريس :-
تفتقر طرق التدريس في الجامعات اليمنية إلى استخدام وسائل التدريس الحديثة لتوضيح الدرس وإيجاد الجو المناسب لتحقيق التفاعل بين الطلبة أنفسهم والتفاعل مع الحاضر ، ويتضح ذلك من خلو معظم القاعات الدراسية من الأجهزة والوسائل التعليمية ، وإن وجدت فإن معظمها وسائل قديمة كما إن استخدام السبورة والطباشير في الوقت الحاضر في شرح المواد الدراسية وتوصيلها للطلبة تعتبر دليلا واضحا على استخدام الطرق التقليدية في التدريس في الوقت الذي يتم فيه دمج تقنية الحاسب الآلي في المناهج الدراسية واستخدام الإنترنت في فصول المراحل الابتدائية في معظم الدول المتقدمة . إن الاعتماد على استخدام السبورة والطباشير في شرح المواد الدراسية في العصر الحديث يعتبر بمثابة استخدام اللوح والمحبرة إبان عهد الكتاتيب
لذلك تأتي طرق التدريس والوسيلة القديمة المتبعة في التدريس من اهم التحديات والصعوبات التي تواجه التعليم العالي في اليمن والتي اثرت سلبا على مستوى التحصيل العلمي للطالب الجامعي .
الحلول والمقترحات:-
مراجعة سياسات التعليم العالي بحيث تكون مرنة وتستجيب لاحتياجات سوق الأعمال المتجددة وإعادة النظر في سياسة القبول وعلى وجهه الخصوص في التخصصات التي أصبحت تشكل مخرجاتها مشكلة حقيقية نتيجة عدم وجود احتياج لمخرجاتها في الجهاز الحكومي ولا يوجد لها طلب في سوق العمل الخاص وفي مقدمتها تخصصات كليات التربية والآداب.
وضع آليات في الجامعات للمراجعة الدورية لسياستها وبرامجها مع تقديم الدعم المناسب لها لتحقيق ذلك ، وكذا الحرص على إشراك قطاع الأعمال وكل ذوي العلاقة في تطوير السياسات والبرامج الأكاديمية للجامعات وتنفيذها.
اعادة النظر في الاسلوب المتبع لطرق التدريس وتطويرها بحيث تتواكب مع طرق التدريس الحديثة والمتبعة في الجامعات العالمية ورفد الجامعات بالوسائل التعليمية الحديثة والتقنية المتطورة واعداد عضو هيئة التدريس وتدريبه على طرق التدريس الحديثة.
وضع آلية لتقييم اداء اعضاء هيئة التدريس على ان تعتمد تلك الآلية على وسائل وأساليب تقويم متنوعة لا أسلوباً واحداً في تقييم وتقويم اداء عضو هيئة التدريس لأن الأسلوب الإداري لا يحقق متطلبات الجودة في التعليم العالي و اعتماد معايير جودة الأداء التدريسي محور أساسي في منح الترقيات العلمية وعدم اعتماد البحث العلمي محوراً وحيداً لذلك كما يجب التأكيد على عملية إعداد عضو هيئة التدريس الجامعي وتدريبه على طرق التدريس الحديثة وتصميم المناهج والبرامج الجامعية وتنفيذها وتقويمها وتطويرها من خلال وضع برنامج إلزامي لجميع أعضاء هيئة التدريس في الجامعة ، لإعدادهم في منهجيات التدريس الفعال ، بحيث يتم التركيز على الطالب كمحور للعملية التعليمية في مختلف التخصصات الجامعية.
اعادة النظر في الراتب الشهري لعضو هيئة التدريس والعمل على زيادة المرتب بما يتناسب ومتطلبات المعيشة والحياة الكريمة وهذا وعلى اقل تقدير يتطلب زيادة 100 % للراتب الحالي.
*رئيس المنتدى اليمني للتعليم العالي والبحث العلمي
anwarmoozab@gmail.com