اخبار الساعة

حوار مع الشاعر المصري عزت الطيري

اخبار الساعة - ادريس علوش بتاريخ: 28-09-2010 | 14 سنوات مضت القراءات : (4225) قراءة

لاتزال قنا واحدة من عواصم الإبداع الشعرى فى مصر، فبعد أمل دنقل وعبدالرحمن الأبنودى ويحيى الطاهر عبدالله وعبدالرحيم منصور، قدمت الكثير من الشعراء المتميزين، ومنهم عزت الطيرى، ابن نجع حمادى، الذى قدم من خلال رحلة إبداعية استمرت أكثر من ٣٠ عاما أكثر من ٢٠ عملاً إبداعياً كان آخرها مسرحية شعرية بعنوان «بحيرة الظمأ»

وهو رئيس نادى الأدب بقصر ثقافة نجع حمادى، ونال أكثر من جائزة أبرزها جائزة رئيس الجمهورية فى الشعر فى عيد الفن الثانى، وشارك ومثّل اسم مصر فى العديد من المهرجانات والمؤتمرات الثقافية العربية والدولية، كما ترجمت بعض أشعاره إلى الإنجليزية.؟ وكان لـ«المصرى اليوم» هذا الحوار مع عزت الطيرى:

■ أين تقف قنا فى المشهد الثقافى المصرى؟

- تختلف قنا عن كل محافظات الجمهورية من حيث الإبداع فهى التى تصدر للعاصمة ثلث المبدعين الذين ينشرون فى الصحف والمجلات وجميع الوسائل الإعلامية وقنا كانت الأرض التى مشى عليها الكثير من المبدعين الكبار فقد كان البهاء زهير وزير صلاح الدين الأيوبى من قنا وتحديدا من قوص وكذلك ابن دقيق العيد فقد أخرجت لمصر وللعالم العربى عشرات المؤرخين والكتاب والشعراء وفى العصر الحديث قدمت أمل دنقل ويحيى الطاهر عبدالله وعبدالرحمن الأبنودى وعبدالرحيم منصور، والغريب فعلا فى ظاهرة قنا أن مبدعيها الشباب يحتكرون كل الجوائز الأدبية العربية مثل الشارقة ودبى وجوائز اتحاد الكتاب والمسابقات التى تقيمها هيئة قصور الثقافة بل إن ٣ مبدعين فى الثلاثينيات من العمر حصدوا فى شهر واحد ٣ مسابقات دفعة واحدة وهم عبيد عباس ومحمود سليمان ومحمد على إبراهيم.

■ تقصد أنها محافظة مليئة بالإبداع؟

- نعم، وهناك زخم إبداعى جميل يخرج من قنا ويصب فى العاصمة وجميع أقاليم مصر، لكن من يتابع هذا الزخم المتسع مترامى الأطراف! ومن يبين لنا جودته أو عاديته غير النقد؟ والنقد غائب تماما عنا، فمثلا محمد صالح البحر قدم أعمالا مهمة، وجلاء الطيرى قدمت رواية فاتنة لم تجد صدى عند النقاد، بينما نجد أعمالا تافهة تصدر فى العاصمة تلقى اهتماما مبالغا فيه وتنظم لها كل يوم ندوة.

■ رغم ما ذكرته عن الزخم فى قنا فإن المبدعين يفضلون دوما القاهرة؟

- لأن القاهرة تستأثر بكل الأضواء ولا تترك لنا بصيصا واحدا من نور ففى القاهرة مؤسساتها الثقافية الضخمة ودور نشرها وكذلك الصحف والمجلات وفى القاهرة المجلس الأعلى للثقافة بمؤتمراته التى لا تنتهى إلا لتبدأ وفى القاهرة منتدياتها الثقافية ومقاهيها ونواديها وفى القاهرة باراتها ومستنقعاتها التى يستضاف فيها القادمون من بلاد العرب ليوجهوا دعوات المؤتمرات والفعاليات وفى القاهرة نقادها الذين يتسلمون إبداعات المبدعين باليد ليكتبوا عنها وفى القاهرة الشهرة فماذا تبقى لنا نحن المساكين المظاليم فى جنوبنا البعيد حيث كانت وما زالت وسيلتنا الوحيدة هى طابع البريد الذى نلصقه على خطاباتنا التى قد تصل وقد لا تصل وحتى إن وصلت فغالبا ما تكون سلال المهملات هى مكانها الأليف والدافئ والدائم فلو غامرت مثلا ودعوت ناقدا أو صحفيا أو مبدعا ليستمع إلينا وليكتب عنا وعن فلذات عقولنا فسوف يلزمك الحجز عنده بشهور ويلزمك تذاكر طائرة لتقله ويلزمك فندق فاخر وإلا فلا جدوى من حضوره، علاوة على المكافأة التى فرضت سعرها وزارة الثقافة والتى لا يرضى بها بأى حال من الأحوال فتضطر أن تأخذ باقى مكافآت الأدباء من أعضاء نوادى الأدب لتسدد الفارق وهكذا.

■ بمن تفخر قنا من مبدعيها؟

- أمل دنقل فهو لم يؤثر فى إبداع القناويين فقط بل وغير القناويين على مستوى مصر كلها، بل وما زالت أياديه البيضاء على كل مبدعى الوطن العربى، اقرأ أى قصيدة لأى شاعر من جيلنا أو من الأجيال التى جاءت بعدنا تجد أمل دنقل يطل برأسه من بين سطور القصائد وسيظل يطل عند الكثيرين الذين لم يتجاوزوه ووقفوا محلك سر ولم يطوروا أنفسهم، أمل دنقل هو واحد من الشعراء القلائل فى تاريخ الشعر العربى كله الذين وظفوا التراث توظيفا جيدا واستفاد من التاريخ واستخدم ثقافاته المتعددة فى خدمة القصيدة لكنه -

وأقولها وأنا متيقن من ذلك، أمل دنقل - كان وبالا على الكثير من الشعراء الجنوبيين الذين اقتفوا خطاه وحياته الخاصة ونزحوا إلى القاهرة، آملين فى أن يكونوا أشباها وتوائم له ولكنهم ضاعوا فى شوارعها ومقاهيها ومواخيرها وتحول بعضهم إلى متسولين والبعض الآخر إلى نصابين وإلى لاعبى الثلاث ورقات لأنهم نسوا أو تناسوا أن عصر «أمل» كان يحتمل كل ما فعله أمل من صعلكة فنية ونسوا أن «أمل» كان يمتلك موهبة ضخمة اكتسحت فى طريقها كل شىء ونسوا أن «أمل» كان فارسا نبيلا كريما يمتلك عزة وأنفة وكرامة الجنوبى الشهم والأصيل وأن ما فى جيبه ليس ملكه.

■ المبدع يتأثر بالبيئة التى نشأ بها.. فكيف أثرت البيئة الجنوبية فى شعرك؟

- شعرى كله مستمد من بيئتى الجنوبية فالجنوب هو المنبع وهو المصب وديوانى الأول كان يعج بالحكايات الجنوبية وقد ضفرت بعض أغانى الفلاحين فى الجنوب فى قصائدى وكذلك ديوانى «السفر إلى الشمال» وديوانى «غناء الهجير» استوحيت قصائده كلها من بيئتى الجنوبية بطقوسها وعذاباتها وأفراحها وأحزان شبابها وعاداتها الصارمة وتقاليدها القاسية وقوانينها الظالمة وأهل الجنوب إذا فرحوا بكوا غير مصدقين أن هناك فرحا يمكن أن يطرق أبوابهم وإذا حزنوا بكوا، وتحول بكاؤهم إلى مواويل شجية وأناشيد تؤرخ لعذابهم المقيم وقد صدرت لى مسرحية شعرية من فترة قليلة بعنوان «بحيرة الظمأ» تحكى معاناة الجنوبيين فى حياتهم وفى أسفارهم وفى إقامتهم.

■ هل ترى أن الجنوب مظلوم؟

- نعم، فالجنوب لحق به الظلم جغرافياً وتاريخياً، قارن بين أديب من المنصورة وأديب من السويس مثلا وأديب من قنا ترى عجبا، أديب المنصورة يستطيع أن يذهب إلى القاهرة فى الصباح ويعود فى نهاية المساء بعد أن ينهى كل مشاغله ومشاويره ومقابلاته ويسلم كل أعماله ويحضر كل الفعاليات التى تجرى فى ذلك اليوم، أما أديب الجنوب فى قنا وأسوان مثلا فيلزمه يوم كامل ينفقه فى السفر وليلة كاملة للراحة من عناء السفر ثم بعد ذلك يفكر فى الذى سيفعله فى إجازته القصيرة ليستعد بعد ذلك للعودة من جديد.

■ هل تهتم الصحافة الثقافية بالحركة الأدبية فى الجنوب عموما؟

- ليس هناك اهتمام بأدباء قنا والجنوب عموما، ومجلة الثقافة الجديدة أفردت عددا من أعدادها لمبدعى قنا ولكن ليس معناه اهتماما بقنا وبمبدعيها لأن المجلة أفردت قبل ذلك أعدادا مماثلة لأدباء بورسعيد والبحيرة والسويس وغيرها ولكن أين اهتمام الصحافة الثقافية وغير الثقافية بنا؟!، ولكن اهتمام «المصرى اليوم» الآن وإجراءك هذا الحوار معى يعتبر بداية رائعة لاهتمام الصحافة بالجنوبيين، لكن قبل ذلك لم يكن هناك أدنى اهتمام ولا يحزنون، غيرى لو طرحت عليه السؤال سيقول لك لأن أدباء الجنوب يستحقون هذا الاهتمام لو كان هناك محض اهتمام فعلا.

■ كيف ترى النقد فى الحياة الثقافية الآن؟

- لقد أصبح كل شىء له مقابل وثمن، فلماذا يضيع الناقد وقته مع شخص لا يقدم له مقابل الوقت الذى أضاعه فى الكتابة عنه، فأنا مثلاً عدد الدراسات التى كتبت عنى لا يتجاوز أصابع اليدين، فلماذا يكتب عنى الناقد وأنا لا أشغل منصبا يخولنى لخدمته وخدمة أغراضه وحاجاته ولا أملك دكانا ثقافيا يروج له بضاعته ولا صفحة فى جريدة تكتب عن أطروحاته وإنجازاته وأسفاره وأخباره وليست لى صداقات خارجية تمكننى من ترشيحه لمؤتمر هنا ومهرجان هناك ولست شاعرا خليجيا أدعوه إلى أسابيع فى حضن الخليج ليحكم مسابقة أو يناقش رسالة، يحصد منها الآلاف، حتى مَن يمارس النقد من الشعراء والأدباء يطبق نظاما معروفا.. اكتب عنى دراسة اكتب عنك مقالة اذكرنى فى مقابلة أذكرك فى مقابلتين، اكتب

عنى ما يعظمنى أنشر لك ما كتبت فى مجلة نفطية تعطيك مالا وفيرا، ولكن لا أنكر أن هناك نقادا كتبوا عنى لوجه الله ووجه الإبداع مثل الدكتور محمد حسن عبدالله، والدكتور مدحت الجيار والدكتورة عبير سلامة والدكتور حامد أبوأحمد والدكتور يسرى العزب، والدكتور محمد زيدان، والدكتور مجدى توفيق، والشاعر محمد إبراهيم أبوسنة، والشاعر والروائى عبدالجواد خفاجى والناقد على عبدالفتاح، وعدد لا بأس به من النقاد العرب فى المواقع الإلكترونية،

ولكنى ألتمس العذر للكثير من نقادنا الأفاضل فمن أين لهم الوقت وقد أصبح عدد الكتب التى تصدر يوميا من المطابع يفوق القدرة على الحصر فما بالك بالقراءة والمتابعة والكتابة فهيئة قصور الثقافة تخرج عشرات الكتب أسبوعيا من خلال سلاسل النشر بها وكذلك المجلس الأعلى للثقافة لديه إدارة كبيرة للنشر وهيئة الكتاب، علاوة على دور النشر الخاصة التى تقدر بعشرات الدور وربما هناك أكثر من سبب لعدم الكتابة عنى ربما من بينها أن كتاباتى لا تروق لهم أو ربما لا تستحق أن يكتبوا عنها.

■ كيف يؤثر النقد بحالته التى وصفتها فى الأجيال الجديدة؟

- هذا الأمر المتردى أثر سلبا فى الأجيال الجديدة وجعلها تصدق أن الطريق إلى الإبداع والشهرة مرتبط بالنفاق والمحسوبية، ما جعل أديبة متواضعة الموهبة والقيمة تكتب مقالا وتنشره عن رواية لروائى وصحفى مصرى يشرف على إحدى دور النشر وقالت عنه: «إنه لا يقل عن ماركيز إبداعا وأنه تجاوز بكتاباته كل كتاب نوبل لو خيروها لأعطت نوبل له بدلا من نجيب محفوظ»!!! وقد تصورت أن هذا الأديب سيعاتبها ويقول لها عيب، لكنه أجاز روايتها الهزيلة وطبعها بأموال دافعى الضرائب لتظل على الأرصفة شهورا وتعود إلى المخازن وقد تغير لون الغلاف من الأبيض إلى الأحمر من أشعة الشمس.

■ لماذا فضلت الإقامة فى قنا؟

- أقيم هنا منذ مولدى وحتى الآن وبعد مرور أكثر من نصف قرن على هذا الميلاد لم أغادر جنوبى إلا لكى أعود إليه ولم يتجاوز غيابى عنه أسبوعا فى أكثر الأحوال فأنا محاصر بالجنوب الذى يسكننى بجباله الوعرة وطرقه غير الممهدة وشمسه الحارقة وصراطه المستقيم الذى لا أستطيع أن أتجاوزه أو أحيد عنه

المصدر : بريد بريس-ادريس علوش
اقرأ ايضا: