تفاصيل الملف الطبي لصالح
تندفع من حين لآخر إلى الواجهة السياسية والسطح الإعلامي قضية بقاء الرئيس السابق علي عبدالله صالح داخل الوطن من عدمه.. كلما تصاعد الاهتمام والحديث بالجوانب المتعلقة بوضعه الطبي وحالته الصحية إثر تداعيات إصابته البالغة في تفجير جامع الرئاسة العام الماضي.. يأتي ذلك دائما مرتبطا بمطالبه وضغوط غرماء صالح وخصومه بضرورة إزاحته من رئاسة حزبه المؤتمر الشعبي العام.. متخذين من التهديدات الموازية له بسحب الحصانة عنه منفذا للتغطية على جزئية خروجه من اليمن ومغادرة الساحة السياسية بمبرر حاجته الملحة للعلاج في الخارج كضرورة إنسانية.. لذلك لم ينقطع تداول الأخبار وترديد المعلومات عن مغادرة وشيكة للرئيس السابق لدولة أجنبية للإقامة بغرض العلاج.. لكنها رغم كثرة تداولها إعلاميا لم تصدق طيلة ما يقارب العام مع أنها تؤكد باستمرار تدهور حالة صالح الصحية ووصولها لمستوى حرج يهدد حياته ويستدعي سرعة التدخل الطبي.. ما يعني أن تلك الأخبار لو كانت صحيحة بالفعل لكان صالح قد توفي بسببها ونتيجة مضاعفاتها الخطيرة.. كونه حتى اليوم لم يتوجه للعلاج خارج البلاد وما زال يظهر باستمرار يمارس نشاطاته الطبيعية بشكل يبدو معه يتمتع بصحة جيدة ومتحسنة تدحض ما يروج عن تدهور صحته وحاجته لاستكمال العلاج الذي بدأه في مستشفيات الرياض ثم أمريكا.. مرة أخرى بمشافي أوروبية متطورة.
مولود في الطريق
آخر هذه الأطروحات ما تردد قريبا عن السوء المتفاقم على صحة الرئيس السابق.. زاعمين فقدانه حاسة السمع والحاجة لإجراء عملية جراحية في إحدى أذنية.. إلى جانب نصائح الأطباء بإزالة سيخ حديدي ما زال عالقا في إحدى ساقيه.. قبلها جرى التداول المتسلسل لأحاديث وأخبار عن الحالة الصحية للرجل الذي يفضل أنصاره وصفه بكنية الزعيم.. فمن أخبار تشير لتمزق في رئته وارتفاع حاد في ضغط الدم وتعرضه لنوبات قلبية ودخوله في غيبوبات متكررة.. إلى أنباء أخرى تتحدث عن تأثره ببقاء شظايا خشبية في صدره تعيق أداء القفص الصدري والجهاز التنفسي وإصابته بأزمة نفسية واكتئاب حاد وحالات هستيريا وعجزه عن الحركة والقدرة على الكلام والسلام وتبادل المصافحة والتحية مع ضيوفه وزائريه.. لكن الحقيقة لا تحتاج لجهد خارق للحصول على المعلومة الأكيدة.. نظريا ومن خلال استعراض سريع للصور المتلفزة والفوتوغرافية لأنشطة صالح الأخيرة تكشف عدم صحة ما يشاع حول تدهور حالته الصحية.. بما ينفي كل الأقاويل والمعلومات المتداولة المبالغ فيها وغير الدقيقة.. كما لا يتطلب الأمر مناقشة أي صحفي أو مهتم بوضع صالح الصحي لأي طبيب للتثبت مما يمكن ملاحظته من أعراض تدل على علامات خطورة.. فمن الواضح جدا أن صحة صالح تتحسن بعكس ما يطرح في وسائل الإعلام وكواليس السياسة.. لدرجة قد لا يكون مفاجئا معها أن يتلقى صالح عما قريب التهاني على ارتزاقه مولودا جديدا.. بذات الوقت الذي ينتظر فيه كثيرين إعلان وفاته نتيجة مضاعفات صحية ومعاناة المرض وتأخر العلاج.
قفاز فقط
نستطيع إثبات الصحة الجيدة للرئيس السابق من خلال العودة إلى شهر أغسطس الماضي وحضور صالح احتفالية حزب المؤتمر بالذكرى الثلاثين لتأسيسه في قاعة 22 مايو للمؤتمرات الدولية بالعاصمة صنعاء وسط حضور مؤتمري حاشد اكتظت به أكبر صالة باليمن.. حيث رأينا صالح يلقي كلمة مطولة بصوت قوي وجهوري وسط هدير مدرجات القاعة بضجيج الهتافات والتصفيق الشديد.. لقد وقف صالح على قدميه أمام ميكرفون المنصة دون ملاحظة اهتزازه أو ترنحه أو ظهور ملامح الإرهاق والإجهاد عليه وإلا لكان ألقى كلمته وهو جالس على كرسي بدلا عن الوقوف لمخاطبة الجماهير ما يدل على سلامة قدميه وساقيه.. كما نقلت القنوات الفضائية تلقيه لهمسات خافتة عديدة من سلطان البركاني الذي كان بجواره أثناء إلقاء
الكلمة ورأينا صالح يسمع بوضوح كلام البركاني المنخفض ويباشر إضافته بسرعة لكلمته المرتجلة تحت سقف القاعة الضاجة بصراخ الحاضرين.. ما يعني أن حاسة السمع لدى صالح جيدة جدا جدا.. وإذا ما كان يعاني من ضعف السمع كما يتردد.. فذلك بفعل تقدمه في العمل ودخوله عقد السبعين.. ولو كان فعلا مهدد بفقدان السمع ويحتاج لإنقاذ عاجل بعمليات جراحية فكيف يمكن تصديق ما يشيعه خصومه من قيامه بإجراء الاتصالات الهاتفية بما تحمله من تهديدات وتوجيهات.. كما أن جميع المصابين معه في حادثة جامع النهدين لا يشكون من مضاعفات سلبية في السمع بفعل دوي الانفجار الضخم.. علي مجور ويحيى الراعي كانا يتوسطان صالح لحظة التفجير وها نحن نلاحظ تمتعهما بالسمع الجيد.. كذلك الحال بالنسبة لسلامة الساقين والقدمين والرأس واليدان.. إذ نلاحظ كيف كان صالح بداية العام يستقبل زائريه وهو قاعد على كرسي ويتوكأ على عصا إذا وقف ولا يمد يده للسلام على الضيوف مكتفيا بالتلويح العابر بالكف وتبادل التحايا بحركة العين والابتسامة.. بينما ظهر في الشهور الأخيرة وهو يستقبل في عيدي الأضحى والفطر لعدة أيام الآلاف من المواطنين المتوافدين لزيارته والسلام عليه.. واصبح يصافح الجميع بكف يده وهو واقف لعدة ساعات في حوش منزله بدون الكرسي والعصا.. منتشيا على غير العادة مع بقاء القفار الجلدي فقط مغلفا كفيه للتجميل ليس إلا!!
تجميل الحروق
أما الشظايا المستقرة في القفص الصدري والرقبة والرئتين..يبدوا أنها ليست بحجم ما يقال ..لقد عاد صوت صالح خاليا من تلك الحشرجة التي كانت بادية عليه قبل عام..صحيح أن الإصابة الأخطر في الصدر..لكن ملاحظة الرجل يتنفس بشكل طبيعي ينفي أخبار الخطر المنتظر ..كما أن معلومات "الديار"تفيد بعودة الرئيس السابق علي عبد الله صالح إلى تدخين السجائر التي كان قد امتنع عنها منذ أعوام..إضافة إلى ممارسته الرياضة بركوب الخيل وقيادة السياكل .. مضاف لكل هذا ..مداومته يوميا على تناول القات بشراهة أكثر مما قبل..مع عودته إلى ولعة"المداعة"بعد انقطاع طويل ..مايعني أن صالح يتمتع بصحة مطمئنة في الجهاز التنفسي وإلا لما كان سمح له بتناول القات وشرب السجائر والاستمتاع بالمداعة باعتبار هذه الأشياء هي الأخطر على صحة الإنسان واكبر ضرر على الرئتين والقلب وتصلب الشرايين..مايعانيه صالح صحيا هو الحروق في نصف جسمه..لقد فتح قميصه ذات مرة أمام جلساءه ليريهم الإصابات على صدره..يقول مصدر"الديار"أنها جروح بالغة لاصقة القشرة الجلدية للجسم باللحم وألحقت أضرار بالغة اشد من الحروق التي ظهرت في وجهه وذراعيه .. ما يعني أن صالح أكثر مايحتاج إلى جراحات خارجية بعمليات تجميل في مستشفى متطور وبأيدي أطباء متخصصين ..بيد أن عدم إجراء هذه التدخلات التجميلية لا يهدد حياته فهناك ملايين الناس يعيشون بحروقهم بقية أعمارهم دونما مضاعفات صحية تؤدي إلى الوفاة أو تتسبب في الموت ..وقد يكون العام الماضي هو الوحيد الذي لم يجري فيه صالح فحوصاته الطبية المعتادة سنويا بأرقى مشافي ألمانيا ..انه حريص جدا على صحته منذ ما قبل صعوده للرئاسة ..قد يكون ضمن رؤساء قلائل عل مستوى العالم لا يعانون من أمراض مستعصية أو مزمنة من شأنها التأثر على أداء المهام المناطة بهم بشكل كامل..هذا الحرص يتجسد في أنشاء صالح مستشفى رئاسي حديث في مجمع العرضي مجهز بالأجهزة المتطورة وطاقم طبي خارجي بمؤهلات عالية.
سرطان الدم
اهتمام أعداء وغرماء صالح بحالته الصحية ليست وليدة اليوم .. أنها قديمة وتحمل نوعا من أمنيات الانتقام كشفتها مواقف هؤلاء بالشماتة لما تعرض له في جامع النهدين..قبلها بسنوات بعيدة كثيرا ما دأب معارضوه على إثارة هذه الأشياء ..لعلكم تتذكرون صالح عندما خرج قبل نحو عشرة أعوام برأس أصلع خالي تماما من الشعر ..حينها زعمت وسائل إعلام تلك الأطراف انه مصاب بالسرطان..والصلعة سببها تساقط شعر رأس صالح جراء حقنة بجرعة دوائية لمصل خاص بمرضى سرطان الدم .. ذلك المرض الذي يظهر باستمرار في صحافة المشترك كلما توجه صالح لرحلته العلاجية كل سنة ..إلى جانب ما أحيط بإصابته الطفيفة قبل ثلاث سنوات إثر سقوطه من على دراجة هوائية كان يتمرن عليها داخل حديقة دار الرئاسة..ويكفي مراجعة الأخبار العاجلة التي كانوا ينشرونها يوميا أثناء تلقي صالح العلاج في السعودية ..زاعمين وفاته اكلينيكيا..جازمين عجزه التام عن الحركة إذا كتبت له معجزة النجاة...
المرض السياسي
صحة صالح..لم تعد موضوع أنساني بحت..لقد أصبحت قضية سياسية ..تستخدم كعنوان هامش لتمرير غرض سياسي..خصوم صالح عاجزون عن اجباره لمغادرة البلاد تحقيقا لمطلبهم..يبحثون عن مخرج من دائرة الحرج بالضغط باتجاه حل وسط يرفضه صالح وأنصاره ويتركونه كخيار احتياطي للوقت الحاسم ..المشترك يروج عن قرب سفر صالح للخارج للعلاج..فيما المؤتمر يؤكد بقاء زعيمه داخل الوطن..الرئيس السابق بدوره يحتفظ بالورقة الرابحة لليوم المناسب ..يرفض المغادرة ويحتفظ بالقرار لنفسه بعيدا عن تأثيرات الخارج والرئيس هادي وسفراء الدول العشر ..حتى الشارع الثوري لم يعد قادرا على أرغام صالح بالرحيل..لكن الرجل يجيد التعامل مع الموضوع.يزور المستشفى العسكري قبل يومين لإيهام الشامتين باقتراب نهايته وتعشيم الحالمين بموافقته على مغادرة اليمن للعلاج ..فعلها عدة مرات بهذه الطريقة..أحيانا يزور مستشفى في صنعاء وبعد أيام يكون بين أطباء أوروبا.