جيش الشعب
دائما ما تكون هناك لحظات فارقة في عمر الشعوب، إنها تلك التي تؤسس فيها للمستقبل، وترمي خلف ظهرها إرثاً أثقله ردحاً من الزمن... نعم ذلك من يمكن أن نطلقه على قرارات العاشر من أبريل 2013م، ففيها وفيه –أي القرارات واليوم- تنفس اليمنيون الصعداء، وعرفوا أن التغيير الحقيقي بدأت عجلاته في الدوران.
القرارات بحد ذاته لم تكن مفاجئة لأحد، فالكل كان ينتظرها بفارغ الصبر، ولكن المفاجأة الحقيقية تمثلت في التمازج الجميل من حيث صدورها وترحيب جميع الاطراف بها –خاصة- الاخوين أحمد علي عبد الله صالح، وعلي محسن الأحمر، فقد كان الكل يشكك في ذلك، ففي تفاعلها الايجابي تغليب للمصلحة الوطنية، وهذا ما جعل للقرارات رونقا خاصا، جعل اليمنيين يدركون أن الجميع مقتنع بالتغيير، وهنا الانتصار الحقيقي الذي خرجنا به من الأزمة.
فقد ظلت مسألة تسمية قادة المناطق العسكرية المستحدثة بعد قرارات اعادة هيكلة الجيش، مطلوبة من عامة ابناء الشعب، وانتظروها بفارغ الصبر حتى جاءت قرارات رئيس الجمهورية القائد الاعلى للقوات المسلحة يوم الاربعاء 10 أبريل والقاضية بتعيينات عسكرية كثيرة، وقد كانت ضرورة ملحة أظهر أهميتها الانقسام الذي حدث في صفوف القوات المسلحة، بحيث أثر ذلك الانقسام على عملها وجعلها شبه معطلة عن اداء دورها الذي يخدم الجمهورية اليمنية ومواطنيها.. وبسبب ذلك نادت كل الاطراف بسرعة تسمية قادة المناطق الجديدة.
ولعل ذلك ما تجسد في القرارات التي اتخذها الاخ الرئيس، أنها أتت وفق ما يريده الشعب التواق لأن يرى جيشا موحدا لبلاده تحت قيادة واحدة وبزي واحد.. لهذا فإن القرارات الاخيرة ستكون عونا للوصول باليمن لبر الامان بعد أن يكون الجيش تحت إمرة القائد الاعلى للقوات المسلحة.
الرئيس هادي بهذا القرار يكون قد هيأ الارضية المناسبة لإنجاح مؤتمر الحوار الوطني، حيث ستمهد الاجواء السياسية وتنقيها، فقد ظل امر انقسام الجيش يؤرق كل مواطن يمني يريد ان يرى قواته المسلحة تحت إمرة القائد الأعلى، بعيداً عن الانشقاقات التي أظهرت الحاجة الماسة للهيكلة، بحيث سيصعب مستقبلاً أن يرتبط اسم وحدة عسكرية بشخصية معينة.
المهم أن القرارات -المنتظرة- صدرت والأهم أنها وجدت ترحيباً كبيراً من الشعب، وتجاوبا من القيادات التي خدمت الوطن خلال الفترة الماضية، وستكون تلك القيادات خير عون لمن تم تعيينهم، لأن ذلك يصب في مصلحة الجيش اليمني.. ولكن من المهم ألا تنساق الوسائل الاعلامية لتأجيج الموقف، من خلال تصوير القرارات وكأنها جاءت استبعاداً لأشخاص بعينهم، بل ينبغي عليها أن تساعد رئيس الجمهورية من خلال توضيح الصورة الحقيقية لإعادة الهيكلة، وكيف أنها ستنعكس بالإيجاب على قدرات الجيش، خصوصاً أن القرار يقضي بأن تفتح لها سجلات حساب مستقلة وتعامل في جميع جوانب التأمينات كوحدة بحسب النظام الإداري الثابت، أي ان ذلك سيكشف الحجم الحقيقي للجيش بعيداً عن الاسماء المزدوجة أو الوهمية أو المعينة خارج اطار القانون.
القوات المسلحة والأمن هي المدافع الأول عن اراضي الجمهورية اليمنية، وعن مواطنيها، ولهذا فإن تصوير القرار على غير الوجه الذي اتخذ من أجله، لن يفيد في شيء بقدر ما سيوتر الأجواء، وسيخلق حالة من عدم الرضا بذلك القرار.. ولهذا فدور وسائل الاعلام ينبغي ان يتجلى في دعمه ومؤازرته لما فيه المصلحة العليا، بعيداً عن الشخصنة التي هي سبب كل الفتن التي عشناها خلال الفترة الماضية .
نشكر كل القادة الذين عملوا خلال الفترة الماضية، وجنبوا البلاد ويلات الحرب من خلال تحكيم العقل، ونتمنى لخلفهم التوفيق في مهامهم.. ونشد على يدي كل مواطن يمني شريف النأى بنفسه عن التأويلات اللاحقة للقرار، والتي في مجملها ستكون بعيدة عن روح التوافق الذي ينبغي أن تسير عليه اعادة هيكلة الجيش، الذي هو جيشنا جميعاً، كيف لا وهو جيش الجمهورية اليمنية.
جميل أن يتحول مقر قيادة الفرقة الى حديقة عامة يرتادها المواطنون، بعد أن كانت وغيرها من المقرات العسكرية تمثل مصدر خوف من أن تكون بداية انزلاق البلاد الى مربع الحرب التي كانت لن تبقي ولن تذر.. والجميل أن أمهات اليمنيين خاصة الشهداء منهم سيجدن ضالتهن فيها، لاسيما وهي تحمل ذكرى عيد الام المصادف للحادي والعشرين من مارس.الذي يحتفى به في وطننا العربي عامة واليمني على وجه الخصوص.
لم يعد أمام القادة الذين تم تعيينهم أي عذر في تطبيق القانون، كل في منطقته، فالرئيس عينهم والشعب أيدهم، والعالم كله باركهم.. فلا يعقل بعد اليوم أن يصعب عليه ضبط المخربين لأبراج الكهرباء وأنابيب النفط أو متقطع في الطرق، ولا يمكن لشيخ أو نافذ أن يتجاوز أو يعارض توجيهاتهم.. فإذا لم يستطيعوا تحقيق هذين الأمرين فنقول لهم لا تضيعوا الوقت طويلاً، وبادروا لإعفاء أنفسكم من المهام الموكلة إليكم، فالشعب الذي أيدكم لن يصبر كثيرا على أي تهاون في أمنه وسلامته... وسلم الله الوطن من كل مكروه، وعاش جيش الشعب موحداً ليمن واحد.
.أستاذ مساعد بجامعة البيضاء