اخبار الساعة

طنجة تستيقظ شعرا في احتفالية اتحاد كتاب المغرب بديوان الشاعرة المغربية نسيمة الراوي

من اليمن الناقد والقاص عماد الورداني، الروائي والناقد رشيد الجلوي، الشاعرة نسيمة الراوي، الشاعر والأكاديمي أحمد هاشم الريسوني، الأديب والأكاديمي عبد الرحيم جيران
اخبار الساعة - طنجة بتاريخ: 04-06-2013 | 11 سنوات مضت القراءات : (5942) قراءة

يواصل اتحاد كتاب المغرب فرع طنجة حضوره الثقافي الجاد في إطار سنة محمد شكري2013 التي تصادف عشر سنوات على رحيله من خلال استضافة عدد من الأصوات الإبداعية المتفردة وطنيا وعربيا. وقد شكل الاحتفاء النقدي ليوم الجمعة 24 ماي 2013 بديوان الشاعرة نسيمة الراوي"قبل أن تستيقظ طنجة"الصادر عن بيت الشعر بالمغرب ودار النهضة العربية بلبنان لحظة ثقافية استثنائية جسدها الجمهور النوعي والوازن الذي لم تستوعبه قاعة الفنون بمندوبية وزارة الثقافة، وتابع اللقاء واقفا لأزيد من ثلاث ساعات. اللقاء الذي تميز بإدارة الناقد والقاص عماد الورداني الذي أكد على أن الاحتفاء بنسيمة الراوي هو احتفاء بالشعرية المغربية مشيرا إلى خصوصية هذه التجربة من حيث بناؤها على الاختزال والتكثيف في إنتاج الملفوظ الشعري، واشتغالها على البحر باعتباره فضاء متحولا ومتورطا في الحياة، مشيرا كذلك إلى جغرافيته الجمالية، وبعده المعرفي، لتنطلق المداخلات النقدية بورقة الأكاديمي والأديب عبد الرحيم جيران التي وسمها ب"ما قبل وتكوين الشعر" حيث عبر عن سعادته بالمشاركة في الاحتفاء بشاعرة تشكل ظاهرة بالمغرب، وأصداء شعرها بدأت تصل إلى مناطق متعددة من العالم العربي، منطلقا من الإهداء الذي خصته به الشاعرة بوصفه مفتاحا للدخول إلى الكون الشعري، والقبض على الاستعارة الكلية التي تؤسسه. تقول نسيمة الراوي في هذا الإهداء: "إلى عمو جيران، وخالتي فاطمة، "مثقلة أنا بذاكرتي لذلك ألقي بها عند أول البحر قبل أن تستيقظ طنجة..." اليكما هذا الضجيج الأزرق. أحبكما". -يضيف عبد الرحيم جيران-فهو يتضمن نوعا من الوعي بما يحدث في العالم الشعري؛ فطنجة ليست سوى استبدالا مركزيا لكل الأمكنة الأخرى الواردة في باقي قصائد الديوان (ATLANTICA- RIO DE JANEIRO- TANGERINA- ASSILAH)، لكن كل هذه الاستبدالات يمكن قراءتها في ضوء مجمع اسمي عام هو المدينة، فيصير العنوان هو "قبل أن تستيقظ المدينة". فالاستعارة الكلية إذن، كامنة في ما قبل تكوين هذا القاعدي المؤسساتي. إن المدينة منظور إليها انطلاقا من فسحة مجاورة لها بوصفه حدا ألا وهو البحر، فأسماء الأمكنة الأربعة هي دالة على هذا الأمر، ومن ثمة فاستحضارها تم انطلاقا من الحد الفاصل الذي يجمع داخله التضاد بين المائي والترابي، وهو تضاد مؤسس للحياة، تضاد يتضمن الأصل من حيث هو تفاعل مزيجٍ "بقدمين بيضاوين يتزلج البحر على الرمل/ بلا قدمين يسبح الرمل في البحر/ وأنا عند الشرفة أعبئ ذاكرتي". لم يعد المكان مكانا فزيائيا تتفرسه العين، بل صار تفضية للذاكرة من حيث هي سؤال مفتوح على ما قبلها، أي قبل تكونها بواسطة الأسماء والألفاظ. ومن ثمة يصير الزمن موضوعا خارج حدوده الممفصلة، أي أن القصيدة تحتفي بالحاضر، لكنها تفعل ذلك لتعود به إلى ما قبله، إلى ما قبل الماضي ذاته، أي تكونه بوصفه ذاكرة ممفصلة. ويصير الزمن هو البحر، قبل أن يكون مكوّنا عبر اللغة، زمن الأسطورة الأبدي "البحر أسطورة يسردها المد للبر". لينتقل بعد ذلك الناقد عبد الرحيم جيران إلى معرفة كيف يفضح الإهداء هذه المعادلة المنتجة للشعري في قصائد الديوان مركزا على ربط الذاكرة بمفتاحين اثنين هما: أول البحر، والضجيج الأزرق. مع الإصرار على أن البحر يعد ناظما رئيسا للدفق الشعري من خلال مادته ولونه، أي المائية من حيث هي تكثف داخلها ثنائية المحو (الغرق) و الحياة (العشق)، والتي يمكن ترجمتها بالتوليف بين الموت والحياة. لينتهي الباحث في الأخير إلى أن العنوان جملة ناقصة، وهذا النقص يعبر عن السؤال عما هو مشروط بقبل استيقاظ طنجة. ولنا أن نتكهن بما هو. ولا نستطيع ذلك إلا باستنتاجه من جنس "القبل"، أي الزمن. زمن ما قبل استيقاظ طنجة. هكذا يصير العنوان منتجا بدوره انطلاقا من الاستعارة الكلية "ما قبل" التكوين، لكن هذا الإنتاج يفيد بأن المكان ليس موضوعا فحسب للدفق الشعرية بتبادلاته، وإنما أيضا هو تجديل بين الزمن والذات. وإعادة إنتاج هذا التجديل، عبر مفهمة محددة، وما هذه المفهمة سوى التضاد بين الماقبل والمابعد، فالفعل الشعري يقيم في المسافة الفاصلة بين اللحظتين. وهذه الإقامة ليست منتجة عبر ما هو عمودي (السماء/ الأرض) كما هو الأمر في تحليل هايدغر لنصوص هولدرلن، وإنما منتج عبر الأفقي، حيث التقابل بين القابل بين الماء والتراب، بين السيولة والصلابة. بين ما لا يقبل الحركة، وما لا يكف عن الحركة، بين ما يقبل الحدود والمسافة والقياس، وبين ما لا يقبل ذلك. في حين وسمالشاعر والأكاديمي أحمد هاشم الريسوني مداخلته ب"مقامات لكينونة البحر" منطلقا من أن نسيمة الراوي صوت شعري أنثوي سلسبيلي دفّاق يدندن بإيقاعاته الحلزونية الخافة والخفيضة بجرأة العاشق، وطلاوة الجُلنار. معتبرا ديوانها استيقاظا شعريا متسامقا يخوض غمار القصيدة بنفس أوريفيوسي خالد أو بنفس أنثوية لماحة كما علمنا بشلار. معرجا على سيرورة القصيدة الأنثى في المشهد الشعري المغربي التي يجدها مضمخة بالتعدد والتلون والتشاكل، في تعالقاتها بالذات الشاعرة بوصفها قصيدة أنثى تتسم بالتحول في سيرورتها المخملية الناعمة، كما تمثلها الشاعرات مليكة العاصمي، ووفاء العمراني، ووداد بنموسى، وثريا مجدولين، ولطيفة المسكيني، وزهرة المنصوري، -يضيف هاشم الريسوني-ذات روح، هي الآن تستيقظ بقامتها الهيفاء وقدها الأثير، وجلالها النازل دُرْجَ بحر نسيمة الراوي..الداخل لهذا البحر سيقف على مرسى القصيدة وهي تُجَمِّع شباك الصور الأليفة عندنا، فَتَفْتِقُها خفيفا حانيّاً ثم تَغْزِلها خيطا شفيفا تِلْوَ خَيْطٍ شفيف؛ وكأن القيامة تنظر من عيني إبرتها مفتونة بالأمالي. متوقفا عند غلاف الديوان المدوّخ بالغبش البليل، الراوي للحكايا السفلية، الذي يشرب فيه الشاعر الفنان الصديق عزيز أزغاي نخب القصيدة ثم يستقطر تقطيراً أفروديتيا فوق مسحة اللوحة.لينتقل بلغته الشعرية إلى الحديث عن المرفأين المكونيين للديوان: مرفأ أول بعنوان"قبل أن تستيقظ طنجة"، ثم مرفأ ثان يحمل عنوان"البحر أسطورة زرقاء"، واستحالة وجود حدود بينهما، ذلك أن المساحة عبارة عن مرفأ واحة شاسع، تتولد من أعماقه الفسيحة مرافئ متوالية، وكأنها بيوتات عسلية مشرئبة الهوى، يقيم فيها هنيهة ليخرج مثقلا بالصدفات البلورية والحبيبات الرملية المذهبة..هكذا، مركزا على تيمتين هما تيمة الماء وتيمة الموت. مؤكدا على وجود ميم المتصوفة التي تعقفهما الشاعرة عقفا طريا لينا دانيا حنيّاً..والبحر أول القصيدة، والبحر آخر النشيد. ممثلا لحضور البحر في الديوان: أولا/ البحر جسد موزع بين المراقص..ثانيا/البحر روميو الشمس/ ثالثا: البحر أسطورة يسردها المد للبر/رابعا/ البحر تنورة زرقاء/ النوارس أزرار الزبد أهداب..الأرض أنثى الغجر/ خامسا/ البحر كورال الراحلين، الغرق رغبة في الفناء. سادسا: البحر حنجرة المدينة/ الهدير صوتها/المد صرخة..الجزر طلقة صمت/ سابعا/ أفتق أنسجتي/ فما حاجتي لثوب يكسوني إذ ألبس البحر..معتبرا أن هذه المقامات السبعة بابا كبيرا لولوج عالم الشاعرة نسيمة الراوي، وهي مقامات متشابكة ومتقاطعة في الآن ذاته..كما لو أنها تولج الموت في الماء وتولج الماء في الموت، وبينهما برزخ الميم لا تبغي، كأنه معمدان للمدينة مقارنا بين "ديوان طنجة" لسعدي يوسف الذي جعل من اللحظات العابرة مقاما لصور متوالية..هي عينه اللاقطة توقف اللحظة مثلما الأبد، في حين أن نسيمة الراوي تقف على هاوية قلب ناطق يتملى في طلعة كينونة المدينة، وهي ترتجف قابضة على جمرة الحنين..هما رؤيتان مختلفتان حد الغسق، رؤية سعدي يوسف العابر في اللحظات..ورؤية نسيمة الراوي المقيمة في الكينونة. في حين نجد أن الشاعرة بمقامها الروحي الغميس تقترب من عالم في زاوية من زواياها من عالم الشاعر أحمد الطريبق أحمد أحد الذي تغنى روحا بطنجة العالية  ليقرأ نموذجا من قصيدة لها بعنوان" طنخرينا". كما أنها تقترب في زاوية أخرى من مآثر العزيز الفقيد منير بولعيش الذي استنفر في قصائده القوية والمتفردة جراحات طنجة الأزلية.. ممثلا بمقطع من القصيدة الأخيرة بالديوان، والتي تحمل عنوان "نكاية بالمدينة" التي تنسج فيها دفقات الشاعر بغلالة أنثوية مقيمة في الأعماق، أعماق القصيدة وأعماق المدينة مثلما هي أعماق الكينونة. لينتهي إلى ان الشاعرة نسيمة الراوي تغنت بمدينة طنجة، كما تغنى آخرون، لكنها عزفت على وتر منفرد متفرد يحمل بصمة روحها، وهي بذكائها الشعري الأنيق وضعت صورة شعرية للوركا، وكأنها تحيل على حالها تقول الشاعرة: في طنجة لا نرى الصور متعددة الأبعاد في قصائد لوركا/ بل نشم ملحها ممزوجا برائحة البحر..وها نحن نشم ملح الشاعرة ممزوجا برائحة البحر في قصائدها. وهو في الآن نفسه ممزوج بملح المدينة؛ لأن البحر والمدينة صورتان لروح واحد: تقول في مقطع آخر: في طنجة يخرج البحر من قبعة ساحر تخونه خفة اليد..ولكي تكتمل صورة البحر والمدينة في تعالق دلالي آسر، نقرأ في مقطع آخر:كلما أوجعتني الحياة/ أذبت قرص شمس/ في كوب بحر. أما المداخلة الأخيرة فقد وسمها الناقد والروائي رشيد الجلولي ب"الماء كمأوى لأنثوية العالم" التي انطلق فيها منعنوان الديوان"قبل أن تستيقظ طنجة"؛ إذ أن ظرف الزمان "قبل" يحيل إلى سلسلة من الأحدث التي أخذت طريقها إلى الواقع قبل أن تستيقظ طنجة. متسائلا عن الواقع التي تمت في الليل أثناء نوم المدينة؟ أتمت في بعديهما الزماني والمكاني المتعارف عليهما؟ أم أن هذه الأحداث سجلت حضورها في زمن ومكان آخرين غير الزمان والمكان الكرنولوجيين؟ زمن لم تكن فيه مدينة طنجة معطى ماديا ملموسا، وكانت في غياهب حلم سابق لوجود الأشياء؟ متوقفا بعد ذلك عند طبيعة المرجعية الزمكانية، التي تقع وتتحرك فيها العوالم الشعرية للديوان عبر القفز على الديوان بأكمله، والانتقال مباشرة إلى الفهرست. الذي يقسم الديوان إلى قسمين متوازيين ومتقاربين في عدد القصائد. يضم القسم الأول خمس قصائد على التوالي:" يُحَاصِرُنِي الْبَحْرُ مِنْ الْجِهَاتِ كُلِّهَا"و"Atlantica" و" Rio De Janeiro" و" Tangerina " Assilah". أما القسم الثاني المعنون ب"البحر أسطورة زرقاء" فيحتوي على ست قصائد هي:" لُورْكَا 1"و" لُورْكَا 2"و" غَجَرِيَّة"و" شِتَاءٌ"و" الْمَدِينَة" و" نِكَايَةً بِالْمَدِينَةِ". لينتبه إلى أن هذه العناوين تحيل على مدن بعينها، معروفة بقدمها ومكانتها المتميزة في القارتين الإفريقية والأمريكية الجنوبية؛ مستنتجا أن فالصوت الشعري، وبدل التوجه إلى العواصم الكبرى في الشمال كما درج على فعل ذلك الكثير من الشعراء، يختار التوجهَ إلى الجنوب مبتعداً عن الشمال، باحثاً عن أصل العالم في المدن المتوسطية، والبلدان الاستوائية. -يضيف الجلولي-إنه صوت شعري يغرد خارج السرب، وهدفه الوحيد هو الإنصات لنشيد الحياة. وسيراً على نفس النهج الرامي إلى البحث على صوت الحياة الضائع من جداول أعمال البشر، تحيل القصائد الخمس المتبقية إلى الماء كما هو واضح في قصيدتي"شتاء"و"يحاصرني البحر من الجهات كلها"، علما أن الماء هو العنصر الأساسي الذي يمثل أصل الحياة؛ ذلك أنه يحاصرها بقدرته على الخلق والدمار في نفس الآن. وتحيل عناوين القصائد الثلاث المتبقية إلى الشاعر الإسباني ذو الأفق الكوني فديريكو غارسيا لوركا، و"غجرية" التي تحيل إلى الغجر الذين لا يعترفون بالحدود الجغرافية للأوطان. يتضح مما سبق، أن القصائد تحمل كعناوين أسماء تحيل إلى مدن عالمية كتبت عناوينها باللغات الأجنبية، وهي ضاربة في أغوار التاريخ، وتتخذ أسماء أشخاص أو مدن أو عناصر طبيعية تخترق الحدود، وتتحدى التقاليد، والمواضعات الثقافية والحضارية. ليعود بعد ذلك إلى الوقوف عند السياق الزمكاني في ديوان"قبل أن تستيقظ طنجة" بوصفه ديوانا غير معني بالزمن الساعاتي، أو بالزمن الليلي الذي يسبق طلوع النهار في مدينة طنجة، بل إنه مسكون بهاجس الزمن الكوني الذي سبق ظهور المدينة؛ أي مدينة بدءاً من" Atlantica" مروراً ب" Rio De Janeiro"انتهاء بطنجة، إنه الزمن نفسه الذي أرق الشاعر فيديريكو غارسيا لوركا في بحثه في المطلق، وتحركت فيه قوافل الشعوب الرُّحل، وفي مقدمتهم الغجر، لكل هذا أجد من الضروري التأكيد على أن الديوان ينتصر للكوني في مواجهة الخصوصي، ويدافع عن قوى العالم الطبيعي في مواجهة الزحف الآلي والإسمنتي، وهذا واضح في قصيدة"نكاية بالمدينة". لينقب بعد ذلك عن المرجعية المكانية في الديوان مؤكدا على أن الماء يحاصر كل شيء كما جاء في قصيدة" يُحَاصِرُنِي الْبَحْرُ مِنْ الْجِهَاتِ كُلِّهَا"؛ فالمكان في الديوان لا يوجد فقط في العمق بل في قلب الماء؛ أي في قلب الحياة نفسها. إنه ديوان يكابد السؤال الأبدي المتعلق بعلاقة الإنسان بالزمان والمكان. لقد ألقت الشاعرة نسيمة الراوي على كاهلها مسؤولية الغناء داخل المجالات الوعرة، والمناطق الغامضة محاولة إدراك سر العلاقة التي تربط المدينة بالبحر، والبحر بالفضاء، والفضاء بالكائنات. إنها ببساطة، وعلى غرار ما قام به الفيلسوف غاستون بشلار، تحاول فهم الحياة عن طريق التأمل في عناصرها الأولية ،بخاصة البحر والبر والهواء حتى يتسنى لها سبر أغوار الحياة الفاجعة الجمال الكائنة في هندسة العالم، والذي تجري دماؤه في شرايين السماء والأرض. ممثلا ب" يُحَاصِرُنِي الْبَحْرُ مِنْ الْجِهَاتِ كُلِّهَا" بوصفها أول قصيدة في الديوان، مبرزا أن الديوان يبدأ كما الحياة نفسها بواقع حصار الماء،او العنصر الأول لكل شيء، ومن كل الجهات. هكذا بدأت الحياة، وهكذا يبدأ الديوان، وهكذا تخطوا الشاعرة خطوتها الهادئة لردم الهوة القائمة بين الكلمات والأشياء؛ بين الشعر والحياة، محاولة مماثلة ومزج الديوان بالحياة، وفي نفس القصيدة تقول:"نَهْرٌ مِنَ الشِّعْرِ يَنْحَدِرُ مِنْ ذَاكِرَةٍ تَتَثَاءَبُ/عِنْدَ الشُّرْفَةِ فِي قَمِيصِ نَوْمٍ أَزْرَقَ/ الْهَدِيرُ مُوسِيقَى دَاخِلِيَّة، الْمَدُّ حُضُورٌ/الْجَزْرُ غِيَابٌ، الزَّبَدُ بَيَاضٌ بَيْنَ السَّطْرِ وَالسَّطْرِ". فالبحر الذي تلبس الشاعرة قميصه الأزرق عند الشرفة، هو نفسه الصفحة الأولى من الديوان، حيث الزبد هو بياض الورق بين السطر والسطر، بين البيت والبيت، وحيث هدير الموج هو موسيقى داخلية لفعل الكتابة، وهو أيضا الإيقاع الشعري. غير أن هذا ليس مجرد تماثل بسيط بين البحر والشعر، الأمر لا يتعلق بمجرد تشبيه؛ لأن الصوت الشعري في الديوان ما هو إلا حاملا لصوت البحر الغارق منذ الأزل في عزف سيمفونية الماء العظيم. حديث الماء وغنائه وشعره، هذا هو ما يهم الشاعرة؛ أي أن تبحث عن معنى الماء فيما يقوله الموج والمطر والمد والجزر. مؤكدا على أن الديوان بكامله، لا نجد قصيدة واحدة لا ينبني فضاؤها، ولا تتشكل صورها من عنصر الماء كما يمثله البحر في حصاره لكل شيء، وفي المقطع رقم 8 من قصيدة" Atlantica" يتأمل الصوت الشعري العلاقة الدقيقة بين الفضاء والماء، وخصوصاً علاقة البحر بالسماء حيث تقول الشاعرة نسيمة الرّاوي:"طَبَقَاتُ السَّمَاء/مَرَايَا لِوَجْهِ الْبَحْرِ/وَلِلْبَحْرِ وَجْهٌ/مِثْلَ وَجْهِكَ/يَزْدَادُ زُرْقَةً/ كُلَّمَا ابْتَعَد.." لذلك تسعفنا المرايا السماوية من موقعها العلوي رؤية وجهه ومعرفة أحواله الممتدة من الصفاء والهدوء مرورا بالصخب، ووصولا الهيجان والعنف الشديد. هكذا يتحدث الماء بلغة هائلة، وأكثر إحكاماً من لغة البشر. لينتهي إلى أن ديوان "قبل أن تستيقظ طنجة" هو محاولة جريئة للغناء خارج أسوار مدينة طنجة، أو خارج المدينة عموماً. لأنه غناء على خشبة العالم في حالته الطبيعية حيث يسود الماء والهواء والموج والرياح. إن قدرة الديوان على الإصغاء إلى أنشودة الحياة، هو الذي منح الشاعرة نسيمة الراوي تلك القدرة الجذابة على تحويل العالم، وتغييره من بعده الذكوري، وإعادته إلى أصله الأنثوي؛ ففي الكثير من القصائد السماء بستائر حريرية، والمطر بخيوط آلة الخياطة، والبحر بثوب يطرزه المطر؛ ذلك أن إعادة اكتشاف الجانب الأمومي والسحر الأنثوي في ظواهر العالم هو ما منح الديوان نَفَسَهُ الصوفي، بل وصوت الثوري في مواجهة جماليات ذكورية صارت صدئة، وصار على الشعراء غسلها بدفق الماء، وبالصيرورة الأنثوية للبحر في زمان لا نستطيع تلمس آفاقه إلا إذا أحببنا الاستيقاظ في فجر الشعر؛ أي الاستيقاظ قبل أن تستيقظ طنجة.

أما كلملة الشاعرة المحتفى بها نسيمة الراوي، فقد رحبت فيها بمساء الشعر، و"مساء الكلمات التي تقطفها المخيلة من شجرة الذاكرة، ومساء الكلمات التي يرتبها الليل كما يرتب البحر الموج في دولابه الأزرق، كما ترتب السماء الغيوم مخدات للموتى في سرير المنتهى مبدية سعادتها بهذا الاحتفاء الذي يأتي في سنة محمد شكري الذي تتذكره كلما غبت في أزقة السوق الداخلي أو "السوق الداخل" تحت سماء تتخذ شكل مستطيل أزرق محصور بين بنايتين، سماء ضيقة؛ تلك السماء الضيقة هي سماء شكري، وسماء بسطاء هذه المدينة"، شاكرة اتحاد كتاب المغرب فرع طنجة على مبادرته إلى جانب مندوبية وزارة الثقافة، وبيت الشعر بالمغرب ودار النهضة العربية ببيروت على تبنيهما لديوانها طبعا ونشرا وتوزيعا. والأساتذة النقاد المشاركين: الأكاديمي عبد الرحيم جيران، والأكاديمي أحمد هاشم الريسوني، و للناقد رشيد الجلولي، والناقد عماد الورداني الذي هنأته بتتويجه  بجائزة اتحاد كتاب المغرب للأدباء الشباب، وأسرتها وعائلتها وأصدقائها وأساتذتها، والوجوه البهية التي شاركتها  احتفاءها. والفنان والشاعر الصامت رئيس جمعية المبدعين الشباب محمد الحدوشي الورياغلي الذي "سيرافقني في تسلق شجرة المنتهى بمقطوعات موسيقية على آلة العود"، وهي تقرأ قصائدها الزرقاء التي كانت ممزوجة بتصفيقات الجمهور الذي ملأ القاعة عن آخرها. بل وظل واقفا راغبا أن يقيم في طنجة الشاعرة وهي نائمة بين أحضان شاعرة بحجم الوطن الإبداعي.

اقرأ ايضا: