صفقة الفساد الكبرى ... زيارة الرئيس للصين
في زيارة وصفتها صحيفة الجيش اليمني ((بالتاريخية)) وبإنها ((تكتسب أهمية إستثنائية)) قام الرئيس عبدربه منصور يوم الاثنين الماضي بزيارة جمهورية الصين الشعبية استمرت حتى يوم أمس الجمعة رافقه فيها مستشاره الإعلامي(رغم أن الزيارة كما قيل غرضها اقتصادي بالدرجة الأولى) ووزراء الخارجية والمالية والتخطيط والكهرباء والنقل ، ويوم الخميس وفي إطار الزيارة وبحسب وكالة الأنباء اليمنية سبأ تم التوقيع على إتفاقيتين هما الأكبر في تاريخ اليمن كمبلغ دفعة واحدة،الأولى إتفاقية توليد الطاقة الكهربائية بالفحم الحجري بقدرة ألفي ميجاوات ولم يحدد الخبر الرسمي قيمة هذا المشروع وقعها وزير الكهرباء صالح سميع وعن الجانب الصيني الشركات المنفذه ، والثانية إتفاقية توسيع وتعميق محطة الحاويات بالمنطقة الحرة بكالتكس عدن وزيادة العمق مترين زيادة عما كان ليصير 18 متر وبناء رصيف بطول الف متر إضافي للرصيف السابق البالغ طوله أكثر من ألف ومائتي متر وقعها رئيس مؤسسة موانيء خليج عدن مع الشركات الصينية المنفذة،وأعلنت وكالة سبأ أن قيمة هذا المشروع الإجمالية هي 507 مليون دولار .
هذان المشروعان اللذان وقعا في توقيت سياسي حرج تمر به اليمن لم يتم فيه اختتام مؤتمر الحوار رغم مرور 60 يوماً زيادة على الموعد المقرر لإختتامه ، جاء الإعلان عنهما في وسائل الإعلام الرسمية بمعلومات شديدة الاختصار ولم يتم الإشارة نهائياً إلى موضوع التمويل للمشروعين وهل هو قرض أم هبة من الحكومة الصينية أم تمويل حكومي يمني ، بل جاء الإعلان دون تحديد قيمة قرض توليد الكهرباء وأين مكان تركيب محطات التوليد ودون تأكيد متى تم التفاوض وأين وكم نسبة الفائدة على القرض وهل هناك دراسة جدوى للمشروعين ومن أعدها وهل تم عرض الموضوع على مجلس الوزراء .
ينبغي التذكيرإبتداءً والتطرق لموضوع وجود مبالغ مرصودة من المانحين غير الصين منذ أكثر من سنة قدرها سبعة مليار وأربعمائه مليون دولار تزداد سنوياً قبل الإستفادة منها بسبب إضافة مبالغ الدعم المخصصة سنوياً من المتعهدين بها منذ ماقبل مؤتمر المانحين المعلن فيه الرقم ، وللفائدة فإن 60%من إجمالي مبلغ السبعة مليار هي منح مجانية وبقية المبلغ قروض ميسرة فائدتهالاتزيدعن 1.5% وتقل عن 1% بالنسبة لقروض البنك الدولي وفترات تلك القروض هي من 20 إلى 30 سنة ولامخالفة لهذه النسب إلا في قروض الصندوق العربي للإنماء الإقتصادي الذي تصل الفائدة في قروضه إلى3%ولكن قروضه تتميز بإنها أطول من فترات السداد لبقية المقرضين.
صفقة الفساد الأكبر في تاريخ اليمن بعد بلحاف:
ما أستطيع الجزم به وتأكيده هو أن المشروعين سيتم تمويلهما بقرض من بنك الإستيراد والتصدير الصيني المملوك للحكومة الصينية، وذاك البنك يمول مشاريع الشركات الصينية التي تتقدم إليه بطلبات التمويل ، وأستطيع تأكيد معلومات مفادها أن موضوع تمويل قرض بمليار دولار من قبل نفس البنك الصيني تم طرحها بشكل مجمل في أثناء زيارة الرئيس السابق على عبدالله صالح إلى الصين في عام 2010م في أخر زيارة قام بها لذاك البلد ويومها طرح بشكل مجمل أن الشركات الصينية ستنفذ مشروعات بقيمة القرض وأن فائدة القرض ستكون 3% مضافاً إليها رسوم الخدمات ربع من واحد في المائة ويضاف إليها أيضاً رسوم تسمى رسوم إدارة قدرها نصف من واحد في المائة ، وكان الحديث عن قرض الكهرباء بتلك الصيغة التمويلية بشكل إجمالي منذ عهد وزير الكهرباء عبدالرحمن طرموم أي قبل عهد وزير الكهرباء عوض السقطري اللذي في عهده حصلت زيارة الرئيس السابق سالفة الذكر، ليفهم بالتالي أن موضوع تمويل الشركات الصينية لمثل هكذا مشروع مطروح منذ سنين وكان وزير المالية السابق نعمان الصهيبي رافضاً تماماً لمثل هكذا طريقة تمويل وأبلغ الرئيس السابق بعد زيارة الصين تلك بعدم صوابية الاقتراض وتحميل اليمن أعباء قرض قسطه السنوي سيزيد عن مائة مليون دولار.
بالحديث أولاً عن مشروع الكهرباء فإنه يمكن وببساطة شديدة فهم أسرار صفقة الفساد تلك (والتي وكيل الشركة الصينية المنفذة هو نجل رئيس يمني تم إغتياله) فمن حيث الشكل فإن المشروع لم تقم بدراسة جدواه الإقتصادية أي شركة إستشارية نهائياً خلاف الشركة التي ستنفذه وهل يعقل أن تقوم نفس الشركة المقرضة والمنفذة بإعداد دراسة جدوى لمشروع ستنفذه هي ؟؟!!، أيضاً يمكن فهم سر إختيار التوقيت الحالي لتمرير صفقة فساد في قطاع الكهرباء هي الأكبر في تاريخ اليمن(( ستصل قيمتها الإجمالية لأكثر من 700مليون دولار)) فالغرض هو تمرير الصفقة دون تركيز من قبل أحد سواءً مجلس النواب أو الهيئة العليا للرقابة على المناقصات أو اللجنة العليا للمناقصات والإلتفاف على تلك الجهات جميعاً لغرض الإستفادة الشخصية وحسب وإيهام المواطن اليمني بإن مشاكل الكهرباء التي يعانيها ستحل ليفرح الجميع ويغض الطرف عن التفاصيل التي يختبيء وراءها الشيطان دائماً.
أوكد أن هذه هي صفقة الفساد الأكبر في قطاع الكهرباء وتمت دون دراسة من شركة إستشارية عالمية ثم تمت بطريقة أشبه بالأمر المباشر ولم تتم بطريقة العطاءات أو المناقصات بل ولم تتم حتى بطريقة لايتم إتباعها في اليمن وغير منصوص عليها في قانون المناقصات وهي طريقة(الممارسة) والتي تعني أن تطلب الوزارة من خمس شركات مثلاً تقديم عروضها للمشروع ثم تختار الوزارة أحسن العروض دون مناقصة ، وبالتالي كانت صفقة الفساد هذه أخطر وأكبر صفقة فساد في قطاع الكهرباء وينبغي للجميع البحث عن المعلومات التي وصلتني والتي تتحدث عن مدة للقرض هي 12سنة بفترة سماح فيها 3سنوات فقط وأن ضمانات سداد القرض هي قيمة مشتريات النفط التي تشتريها الحكومة الصينية والتي تعد الدولة الأولى شراءً للنفط اليمني ليكون الحال بالتالي أنه وفي حال تخلفت الحكومة عن السداد بعد فترة السماح فإن القسط السنوي سيخصم مباشرة من قبل الصينين من قيمة مايدفعونه من قيمة النفط ، وهذا الاسلوب تتميز به الصين فهي لاتأخذ كبقية المقرضين ضمانات عادية بل تصر على ضمان مبيعات البترول وبالتالي تصبح الكارثة على البلد مضاعفة .
إن البحث عن تفاصيل الصفقة التي يراد تمريرها دون ضجة إعلامية سيؤكد للباحث أن سعر صفقة توليد 2000 ميجا بواسطة الفحم الحجري تزيد عن أقل الأسعار مائة بالمائة وإيهام الجميع بالجدوى الإقتصادية للفحم الحجري واليمن يمتلك كمية من الغاز معلنه رسمياً قبل أربع سنوات -غير مؤكدة تماماً للعلم- مخصصة لتوليد الكهرباء بالغازهي((4.8 ترليون قدم مكعب TCF)) هو العبث بالمال العام بأحقر صورة وهو العبث الحقيقي بالبيئة الملوثة أًصلاً في المدن الثلاث(عدن والحديدة والمكلا) التي يراد تنفيذ المحطات فيها بدل استخدام الغاز المحلي غير الملوث للبيئة كالفحم كما أن الغاز ليس كالفحم يحتاج للاستيراد ويجعلك رهيناً برغبات الدول التي تبيعه ورهيناً بأسعار الفحم الحجري في السوق والذي قد يرتفع مستقبلاً.
بالإنتقال ثانياً لصفقة الفساد اللصيقة بسابقتها وهي صفقة تعميق ميناء الحاويات بالمنطقة الحرة بكالتكس عدن وبناء رصيف جديد وشراء رافعات وبناء ملحقات أخرى والتي وخلاف صفقة الكهرباء تم الإعلان عن قيمتها الإجمالية وقدرها 507مليون دولار فأوضح التفاصيل التاليه ليتبين حجم الفساد الذي يراد تمريره فيها كنظيرتها صفقة الكهرباء وكمايلي :
سافر وزير النقل واعد باذيب أكثر من مرتين إلى الصين للتفاوض حول الصفقة ، وركز الوزير باذيب على صفقة عدن في الوقت الذي لم يلتزم أو يفي بوعده بحل مشكلة مطار صنعاء الجديد الواقف تماماً والمسبب لخسارة بمائتي مليون دولار على الأقل محققة الوجود في حال عدم حل الموضوع مع الشركة الصينية التي نفذت المشروع.
كسابقتها وبنفس تفاصيل فسادها مررت هذه الصفقة بدون دراسة جدوى من شركة إستشارية متخصصة وبدون مناقصة أو مزايدة أو ممارسة وكانت الشركة الصينية هي صاحبة التمويل والمقرضة وهي صاحبة دراسة الجدوى وهي المنفذة وهي المستفيدة بسعر يزيد عن السعر الحقيقي مائة بالمائة ، ويمكن للجميع مقارنة السعر لهذه الصفقة الفاسدة مع السعر الذي فازت بموجبه شركة (بوسكالس) الهولندية التي عمقت ميناء عدن قبل سنين (اثنين متر أيضاً) ومقارنة السعر الذي نفذت به تلك الشركة والذي ينقص عن تكلفة الشركة الصينية بمائتي مليون دولار على الأقل مع فارق سمعة الشركتين وجنسيتهما .
في هذا المقام ينبغي كشف تفاصيل إجتماع عقد في منزل رئيس الوزراء باسندوه قبل عشرة أيام من توقيع صفقة الصين حضره وزير النقل باذيب ووزيري المالية والتخطيط وحضره أيضاً محافظ عدن وحيد علي رشيد واللذي رفض وبشده خلال الإجتماع تمرير الموضوع وأعترض عليه وقال أنه ينبغي أن يتم أولاً إستيعاب الطاقة القصوى لميناء الحاويات التي تصل إلى مابين 600 الى 800 (بحسب الخبر الرسمي مليون حاوية في العام) وفي الإجتماع قال المحافظ رشيد وبصيغة أقرب للمشادة الكلامية مع واعد باذيب أنه ينبغي الاكتفاء حالياً بالرصيف بعمقه الحالي والبحث عن تطوير عدد الحاويات الواصلة سنوياً والتي وصلت لأقل من 200 ألف حاوية في السنة الماضية ،وبسبب إعتراض المحافظ خلص الإجتماع في منزل رئيس الوزراء إلى تشكيل لجنة بعضويته مع وزراء المالية والتخطيط والنقل لبحث جوانب إعتراضات المحافظ ،لكن تم تمرير الصفقة في زيارة الرئيس دون موافقة من أبناء عدن ومحافظها ودون قناعتهم بالجدوى الإقتصادية للمشروع وفقط بناءً على رغبة الوزير باذيب.
بعد كل ماسبق وتلخيصاً للموضوع فإن العيب الرئيس والمخالفة الرئيسية في ملفي صفقتي (الفساد العظيم) اللتان وقعتا بجوار(سور الصين العظيم) والتي يجب على كل المهتمين البحث عنها هي(عدم تقديم دراسة جدوى للمشروعين وبالذات لجدوى الاقتراض بدل استخدام المنح التمويلية المجانية) ويجب على البرلمان أن يطلب الاستفسار من وزيري الكهرباء والنقل للتأكد مما أوردته ، ويجب على اللجنة العليا للمناقصات التي يرأسها المهندس النزيه فوزي مجاهد ومن بعدها هيئة الرقابة على المناقصات أن تبحثا عن تفاصيل صفقة سور الصين العظيم التي يراد تمريرها بعيداً عن الأضواء وفي توقيت سياسي الجميع مشغول فيه بالتمديد وشكل الدولة وبقية ملفات الصداع التي تؤرق الموا طن اليمني في هذه الفترة ، وليعلم الجميع أن التاريخ سيدوسنا بنعالة إن سكتنا على مثل هكذا صفقتي فساد يراد لهما أن تمرا لأجل عمولات ولأغراض شخصية وليس فيهما أي خير للبلد أو المواطن اليمني مهما لونها مهندسو التوقيع عليها وحاملوا مباخر الرئيس بألوان براقة فالحق أبلج والباطل زبد لجلج ، ولايمكن إخفاء قرص الشمس في وضح النهار حتى لو كان المحاول يخفيها بسور الصين العظيم.