الاتفاق الغربي- الإيراني، استراحة متبادلة وكبدٍ في إسرائيل !
على الرغم من الجهود الإسرائيلية التي خاضها رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتانياهو" حول العالم، ومن خلال جميع الوسائل المتاحة، للمحاولة في أن يتفهّم الكل، المخاوف الإسرائيلية بشكل أفضل، وأن هناك ضرورة إلى منع إيران من حيازة قدرة على تحقيق الاختراق الأمني الاستراتيجي، وللإقناع بأن النظام الإيراني ملتزم مذهبياً ودينياً بتدمير إسرائيل ومسحها عن خريطة العالم. وذلك للحيلولة دون حصول أي اتفاق مع إيران بشأن برنامجها النووي، إلاّ أن جميعها بلا استثناء باءت بالفشل، وما كان يخشاه "نتانياهو" قد حدث، وأصبح واقعاً مرئياً. وبات الآن كما تشير الأنباء الواردة، في حالة إغمائية نادرة، لم يصل إلى درجتها من حيث الشدّة حتى في أحلك أزماته السياسية والأمنية السابقة. والعزاء الوحيد أمامه، بأن الاتفاق هو اتفاق (مرحلي) لستّة أشهر فقط، وأن هناك متسع من الوقت، لقلب الأمور على الناحية التي يراها مناسبة، وفي أدناها المحاولة مرة أخرى لجمع العالم ضد إيران من خلال التحريض وتصيّد المواقف في هذا الصدد، وفي أقصاها لجوئه في نهاية المطاف إلى تنفيذ ما في رأسه من خلال الإقدام على تنفيذ أحد السيناريوهات العسكرية التي طالما عكفت مؤسسته العسكرية التدريبات عليها منذ الأمد، بهدف توريط الكل وإلى أجلٍ غير مسمى. لا سيما وأنه حذّر منذ البداية من أن تُقدِم إسرائيل إلى العمل العسكري بمفردها، وأوشك على إصدار أمر بذلك، منذ اعتقاده بأن الضغط الذي تمارسه واشنطن على طهران قد انخفض إلى مستويات مخيفة، والخطوات الأوروبية ضد إيران بدأت في الانحسار.
الاتفاق الذي تم التوصّل إليه، هو خطة عمل، كما أعلنت مفوضة العلاقات الأوروبية "كاثرين آشتون"، وكما وصفه الرئيس الأميركي "باراك أوباما" بأنه يمثل خطوة أولى مهمة، وفي الوقت ذاته إلى استمرار وجود صعوبات هائلة ستظهر لاحقاً. وهي أمور ساهمت في زيادة العصبية والتوتر لدى "نتانياهو" بسبب أنه مرّ بنفس التجربة، حينما أعلن عن تجميد الاستيطان في الأراضي الفلسطينية عشرة أشهر أواخر عام 2009، بينما هو في واقع الحال لم يتوقف لحظة.
وبالنظر إلى الاتفاق فإنه وبالتأكيد يقف على قراءتين مختلفتين تعطيان -على الأقل- المساحة الكافية للشياطين على اختلافها كي تقوم بدورها المنوط بها على أيّة حال.
فبينما ذكرت الأوساط الأمريكية بأن الاتفاق - المرحلي- ينص على تجميد المخزونات الإيرانية (من الوقود النووي) المخصب بنسبة 20%" والقيام بعمليات تفتيش دقيقة وصارمة للمنشآت النووية الايرانية، من شأنها إيقاف تقدّم برنامجها النووي، ولا يعترف في ذات الوقت بحق إيران في عملية التخصيب. حيث أكّد وزير الخارجية الأمريكي "جون كيري" بأن هذه الخطوة لا تنص على حق إيران في التخصيب، أيّا كانت التفسيرات التي تم إعطاؤها. وأن إيران ملتزمة بوقف توسيع برنامجها التخصيبي وعدم مضيّها قدماً في تطوير مفاعل (آراك) أو برنامج البلوتونيوم المتصل بذلك، ومن ناحيةٍ أخرى– كما يقول- فإن الاتفاق سيجعل العالم أكثر أمناً وبقية شركاءنا في المنطقة. لكن أعلنت إيران من جهتها عن أنها هي التي حققت مكاسب مهمّة، وخاصة بشأن إقرار الغرب وخاصةً الولايات المتحدة بحقها الكامل في التخصيب وعلى أراضيها. حين أوضح وزير الخارجية الإيرانية "محمد جواد ظريف" بأن الاتفاق يتضمن إشارة واضحة إلى أن التخصيب سيستمر. ناهيكم عن المكاسب الأخرى التي ربما تفوق حزمة الحوافز الغربية المقدمة لإيران منذ العام 2007، في حال التوصل إلى اتفاق بشأن برنامجها النووي.
كل الأحاديث الواردة من الولايات المتحدة بشأن تهدئة إسرائيل، سواء التي سبقت الاتفاق أو التي أعقبته، لم تكن لها أيّة منجزات على النفس الإسرائيلية بشكل عام، بالرغم من اتصالات أمريكية مسؤولة ورئاسية مكثفة مع إسرائيل، وبشكلٍ خاص مع "نتانياهو" بشأن اطلاعه على تفاصيل الاتفاق والتأكيد على الموقف الأمريكي الثابت بحماية إسرائيل، والتعهّد الذي قطعه "أوباما" على نفسه بمنع إيران من امتلاك السلاح النووي. بل وكانت هناك ردود فعل إسرائيلية أقل ما توصف بأنها مجنونة ومتسرّعة، توضحت في الكثير من المواقف الصادرة عن قادة إسرائيل ومسؤوليها السياسيين والعسكريين على حدٍ سواء، وأبرزها الصادرة عن رئيس الدولة "شمعون بيريس"، الذي كان يُفضّل الحلول الدبلوماسيّة على أيّة حلولٍ أخرى، حيث أعلن بأن هذا الاتفاق ليس ناجحاً، وأن البدائل ستكون أسوأ بكثير، ما يعني إمكانية وقوع هجوم عسكري إسرائيلي. ووفقاً لما صدر عن مكتب "نتانياهو" فقد تم وصف الاتفاق بـالنصر التاريخي للدبلوماسية الإيرانية، كونها حققت من خلاله كافة شروطها، كما ومنحها الاستمرار في تخصيب اليورانيوم، ما سيسمح لها بالاستمرار في برنامجها النووي وصولاً إلى امتلاك السلاح النووي، خاصة أن هذا الاتفاق لا يتضمن تفكيك لمفاعلات نووية إيرانية. وأعلن "نتانياهو" بأن إسرائيل غير ملزمة بهذا الاتفاق، ولن تسمح لإيران بتطوير قدراتها النووية. ووعد بأن إسرائيل ستدافع عن نفسها. وبدوره سارع وزير المالية الاسرائيلي "يائير لابيد" لمهاجمة هذا الاتفاق معتبراً أنه يخدم مصالح إيران، واصفاً الاتفاقية بالسيئة. ومن جهته رفض وزير الدفاع "موشيه يعالون" الصفقة واعتبرها إنجازاً مهمّاً لإيران التي تجاهد لكسب الوقت للوصول إلى القوة النووية، ومن ثمّ التهديد بها والوصول إلى مكاسب. كذلك وزير الإسكان "أوري أرائيل" هاجم الاتفاقية، واعتبر أن إيران أصبحت اليوم دولة نووية بموافقة دوليّة، وبأن على إسرائيل أن تدافع عن وجودها ومصالحها لوحدها ولا تنتظر أحداً للدفاع عنها. أيضاً رئيس الموساد السابق "مائير داغان" عبّر عن أسفه، وأعلن بأن إسرائيل لم تحصل على ما كانت تريد.
وإن كان هذا الاتفاق لا يزال في موضع الاختبار فإنه وكما يبدو سواء على مدى تطور النشاط النووي لإيران في السنوات القليلة الماضية ومدى تمسكها به، أو على مدى إلحاح الدول الغربية في تحقيقه أو على مدى الردود الإسرائيلية الرافضة له، فإن من غير المرجح أن يحقق أهدفاً محورية وذات قيمة، حيث أخفق اتفاق فاشل مماثل في العام 2009، والخاص بشأن خفض مخزون إيران من اليورانيوم المنخفض التخصيب إلى ما دون الكميّات اللازمة لصنع قنبلة إذا خُصّبت لدرجة أعلى.
لكن، وبالرغم من كل ذلك، فإنه يحق لكل طرف من الأطراف الداخلة فيه، بادعاء الانتصار وتحقيق أهدافه، فكما تعتبره الولايات المتحدة بأنه نصراً دبلوماسياً –تاريخياً- لإدارتها، نحو تحقيق فرصة لإنهاء أعقد الملفات التي واجهتها خلال عقود فائتة، بدون اللجوء إلى الحلول العسكرية، فقد تسابقت الأطراف المشاركة (5+1) إلى وصف الاتفاق بالجيد. ومن جهتها اعتبرت إيران الاتفاق بالإنجاز المهمّ الذي لا يلبي المطالب الإيرانية في الشأن النووي وحسب، بل وهو – الأهم- أن الاتفاق سيسمح لها بالدخول وبقوة في أسرة المجتمع الدولي، كقوّة موجودة بتسليم دولي غير منقوص، وعلى حساب مختلف القوى الغربية بما فيها الولايات المتحدة.
خانيونس/فلسطين