اخبار الساعة

موظفو حماس، بين القِلّة وغياب العقل !

اخبار الساعة - د. عادل محمد عايش الأسطل بتاريخ: 06-06-2014 | 10 سنوات مضت القراءات : (2981) قراءة

يغيب العقل حين يجوع البطن، - قيل قديماً- عندما لا يجد الإنسان ما يسد عوزه أو ما يقضي به حوائجه. وهذا ما انطبق تماماً على موظفي حكومة حماس في القطاع، عندما دفعوا بالمصالحة الوطنية بين حركتهم وحركة فتح إلى الأمام، أملاً في انقضاء مدة التقشف التي عصفت بهم بشدة وعانوها لحظة بلحظة، نتيجة الحصار المفروض، والذي بدا على درجةٍ أشد منذ إحباط نظام حكم الإخوان المسلمين في مصر أوائل يوليو/تموز العام الفائت، وطمعاً في عيش حياة أفضل لهم ولأُسرِهم من خلال قبضهم لرواتب عادلة ومستقرة ومتواصلة، من خلال حكومة التوافق التي تم تشكيلها مؤخراً بناءً على بنود المصالحة الوطنية. لكن كما يبدو وبعد انتظارهم لأن تفتح البنوك أبوابها، فقد فوجئوا بأن حساباتهم لا زالت غير مدرجة لدى كشوفات البنوك كأمثالهم من موظفي السلطة في رام الله، الأمر الذي جعلهم في حيص وبيص وانقلبوا على وجوههم تائهين، وتصرفوا بجنون، حتى لا يدرون ماذا أخرجت أفواههم أو ماذا صنعت أيديهم. علاوة على قيامهم بمنع أحد من تلقي راتبه، والإيعاز بعدم فتح البنوك لأبوابها، معتبرين بأن هناك تمييز قد حصل منذ الآن برغم الحكومة التي وعدت بإنهاء معاناة القطاع سواء بسواء. ما اعتبرت السلطة هذه التصرفات بمثابة مؤشرات خطيرة على أجواء المصالحة، وطالبت بشيءٍ من الغضب بضرورة أن تعتذر حماس عنها.

لم تكن الأمور على ما يرام تماماً كي يغلب العقل واللّب على النفس والقلب، عندما دفِع الجانبين – (السلطة _ فتح/ حماس)- بالمصالحة إلى الجانب الأقصى في سبيل استمرار الخروقات بينهما حتى بدت الأمور وكأن لم تكن مصالحة ولا يحزنون، وخاصة في شأن العودة المتعجّلة إلى السيرة الأولى للتراشقات الإعلاميّة التي أثارتها قضايا عدٍة، وعلى رأسها انتهاج سياسة الاعتقالات التي تعتبرها كل منهما اعتقالات سياسية.

الأمر الذي حدا بالكثيرين من الفلسطينيين الشغوفين بالمصالحة وإنهاء الانقسام، بالعودة إلى اليأس الكبير الذين عايشوه على مدار سبع سنين فائتة، لا سيما بعد تجدد التأكيد على أن لا ثقة معقولة تربط بين الطرفين، تُمكّن من الاحتفاظ بأيّة مصداقية، ترتيباً على الأحداث الماضيةـ أو على الأفكار الآتية.

فعلاوةً على عدم تمكن الجانبين من إنهاء ملف المعتقلين السياسيين لديهما مع الأخذ بالاعتبار الخطوة الهامة التي أقدمت عليها حكومة "أسماعيل هنية" من إطلاق سراح بعض المعتقلين لديها لإظهار حسن نويا، فإن الأيام السابقة، شهدت مواصلة الأجهزة الأمنية سياسة المضايقات ضد أنصار الطرف الثاني من استدعاءات ومسائلات واعتقالات، حيث قامت أجهزة الأمن الفلسطينية بالضفة باعتقال عدد من أنصار حماس واستدعت آخرين، كما وجهت استدعاءات مماثلة لعدد كبير ممن شاركوا في فعاليات وطنية ونشاطات أخرى، تقول أجهزة الأمن بأن المقبوض عليهم هم من المسلحين والناشطين والخارجين عن القانون العام، وفي ذات الوقت ألقت باللائمة على أكتاف حركة حماس باعتبارها مسؤولة عن إجراءات غير ذات جدوى وهي للتكدير والتغبير فقط، كونها في الضفة الغربية تقوم بالدعوة منفردة إلى خلق الفعاليات المختلفة دون التنسيق مع القوى الوطنية والمسؤولين في إطار القانون والنظام العام، في الوقت الذي تحترم فيه السلطة هناك توجهات القوى الوطنية في النشاطات التي يقومون بها في إطار العمل الوطني الموحد.

أكّدت حماس بالمقابل، بأن تصرفات أجهزة فتح ضد أبنائها لا مبرر لها في أجواء تتميز بالانفراج والاستقرار والخروج من عنق الزجاجة، على أن اتفاق المصالحة لا يعني بالمطلق الصمت باتجاه ممارسات فتح ضد المجاهدين والمقاومين الفلسطينيين، ومن ناحيةٍ أخرى لا يعني بالمطلق أن نغض الطرف إذا تم التفريط بذرة تراب من فلسطين، في إشارة واضحة بعدم الاعتراف بالمفاوضات مع الإسرائيليين وبالتنازلات الفلسطينية خلالها. ثم قامت أجهزتها التابعة لها باعتقال واستدعاء عدد من كوادر فتح – ربما تكون متعمّدة أو ضرورية  أو من قبيل المعاملة بالمثل- إلى جانب قام قياديين من حماس باتهام السلطة الفلسطينية بالتلكؤ بتنفيذ اتفاق المصالحة وبالتالي إثارة النعرات العدائية السابقة، الأمر الذي جعل حركة فتح تبادر إلى اعتبار ما نضح عن قيادات حماس من اتهامات وتصريحات بمثابة استمرارهم على عقلية الانقلاب، على الرغم من علمهم بأنهم سبب الانقسام وتآكل جملة القضايا الوطنية الفلسطينية.

على أيّة حال، فإن الطرفين –أصحاب المصالحة- والمناصرين لهما يعلمون جيداً كم من الأطراف المحلية والخارجية وإسرائيل على رأسهم، يرفضون المصالحة وينتظرون بفارغ الصبر أن تسقط من عُلو، وهم يباركون أيّة سيّئة وإن كانت فاشلة ويزيدون عليها، لا سيما وأنهم يراهنون على فسادها أو كسادها إلى مدة أطول على الأقل، وكان الأولى أن لا تُعطى أيّة فرصة لتخريب العمار أو تفتيت اللحمة من جديد، على الرغم من صعوبة أن يغض أي طرف عينه عن الآخر في فاشلة أو دونها، وإن كانا يُعلنان ذلك.

كان الأفضل لتفادي أية مشكلة – ونحن بصدد الرواتب، موضوع المقال- إثارة السؤال بشأنها أولاً بسبب أن الأمور والتطورات غير طبيعية ولا تسير كما يرام، وانتظار الرد عليه، وبالمقابل كان المفيد، التنبيه على أن إشكاليتها ستُحل وإعطاء مهلة مناسبة، والتوضيح أيضاً فيما إذا كانت الإشكالية قد تواجدت لنقصٍ في الأموال كما هو حاصل لكثيرٍ من موظفي السلطة (تفريغات 2005، مثالاً)، أو أن إسرائيل لها ضلعٌ في عرقلة إتمام المصالحة، لا سيما وهي تُمانع في صرف رواتب معتقلين وأسرى فلسطينيين، ويتوجب إيجاد آلية عمل جديدة.

خانيونس/فلسطين

اقرأ ايضا: