صلاة السلام الجامعة !
خلال زيارته للأراضي المقدسة، وفي ضوء انهيار العملية السياسية بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وتوقفت المحاولات الأمريكية عن تحريك التفاوض السياسي من جديد، جعلتهما يسارعان إلى العمل بمفردهما، وتنفيذ خياراتهما المتبادلة، الفلسطينيون إلى الأمم المتحدة، والإسرائيليون إلى اعتماد إجراءات انتقامية وخلق وقائع جديدة على الأرض، وبعد تقديمه خطوة هنا وأخرى هناك، وجد البابا "فرانشيسكو" أن لا بدّ من ابتداع وسيلة ذات قيمة تكون صادّة لمزيد من التدهور ورادعة لأخطار أخرى مقبلة، وفي ذات الوقت تكون مفتاحاً لأجل إعادة الطرفين إلى قاعة المفاوضات والتزام أدب الجوار، فقام إلى تشريع مبادرة تاريخية ونادرة وغير مسبوقة، بدعوته كل من رئيس السلطة الفلسطينية "محمود عباس" والرئيس الإسرائيلي "شمعون بيريس" إلى الفاتيكان لأداء صلاة من أجل السلام. وهي صلاةً خاصة من إبداعاته، أسماها صلاة السلام.
كان أكّد البابا الذي ينظر بواقعية إلى التوتر الكبير الحاصل بين الفلسطينيين والاسرائيليين، بأن هذه الخطوة – الصلاة- ليست وساطة على الاطلاق، وأنها ستبقى بعيدة عن السياسة، معتبراً أن القيام بإلحاقها بما يمكن تسميته بالمبادرة السياسية سيكون ضرباً من الجنون، بسبب أن الوقت ليس جديراً بإسقاط مبادرة جديدة تُجنّد فيها الدبلوماسية الدينية لحل الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، كما كان يرغب "أبومازن" في أن يقوم البابا بجلب مبادرة سياسية تعيد الهدوء وتبعث على الأمل. فعلاوة على ضعف الكنيسة في طرح مبادرات سياسية أو التأثير بها، فإنه لن يحتمل البابا والفاتيكان بعمومه، رفض الفلسطينيين لها أو إبداء ملاحظاتهم عليها، والأهم أن القادة في إسرائيل وخاصةً القابضين على الحكومة، لا يحتملون سماع أيّة مبادرات أو أيّة دعوات إلى مؤتمرات دولية بشأن السلام، بمبرر أنهم يؤمنون فقط بالمفاوضات المباشرة وإن كانت لا تفضي إلى شيء.
من مميزات هذه الصلاة، أنها ليست سماوية تستوجب العقاب لتركها والثواب في المحافظة عليها، وهي ليست تقليدية مرتبطة بوضوء أو بتكبيرة إحرام، وهي صلاةُ كفاية لا صلاةِ عين، باعتبارها صلاة دعاء وتضرع واستجلاب، كما ليس مطلوب أن تقام في أماكن مقدّسة كالمساجد الإسلامية والكُنسِ اليهودية والكنائس المسيحية أو أيّة معابد أخرى، وإنما في الهواء الطلق داخل الحدائق وبين الزهر والريحان وتغريد الأطيار، كما لها مزايا خاصة بالخصماء خاصة، لاشتمالها على الجلوس معاً واستحضار الروحانيات المقدسة بعيداً عن الآلام والمتاعب السفلى.
الصلاة سهلة وميسّرة ومريحة، وبها شيء من الفنطزيةّ (الفنتازيا)، بحيث تشجع على قيامها لدى المتأملين والمؤمنين بها على مدار الوقت، فقد أدى القادة الثلاثة ومن معهم الصلاة على أركانها، فكما قرر البابا، اختيار اليوم للصلاة، وهو اليوم الذي يحتفي فيه الكاثوليك بالروح القدس، فقد شرع أولاً، الولوج إلى الحديقة الموجودة داخل دولته الدينية ومن ثم البدء بالصلاة بمرافقة مقطوعات موسيقية خاصة بالصلوات الروحية، والتي جرت باللغات العبرية والإنجليزية والإيطالية والعربية، واستمرّت لفترة زمنية محددة تخلّلتها ثلاث مسائل محددة أيضاً وهي الخليقة التي تجعلهم جميعاً إخوة. والثانية: طلب الصفح والغفران، والثالثة: وهي التضرع من أجل السلام، وإبداء رغبة حقيقية داعمة باتجاه اتخاذ قرارات حاسمة مشتركة، تضع قواعد لتسوية. وللمصلّين جميعهم الحق في اختيار نصوصهم الدينية التي يرونها مناسبة، وختاماً وهو الركن الأخير، القيام بزراعة شجرة الزيتون التي تشكل رمزاً للسلام.
هذا الحدث يهدف بالدرجة الأولى، لرغبة البابا بأن يؤدِّ جهده الديني إلى نتائج ما، عجزت عنه الجهود السياسية والدبلوماسية الدولية، ومن ناحيةٍ أخرى لقناعته بأن الصلاة المطروحة بشأن السلام، إذا لم تنفع ، فإنها ستعمل على تذكير المجتمع الدولي بأن البحث عن السلام ضرورة دينية واجتماعية واجبة. وعلى الرغم من أن هذه الصلاة الجامعة لا سابقة لها في الفاتيكان وفي مكانٍ واحدٍ، حيث شهِد العام 2000، وخلال احتفالات الألفية الثانية، أداء المسلمون واليهود الصلاة في الحاضرة، في مكانين منفصلين، وقام البابا السابق "بنديكتوس 16" بمشاركة روحية فقط، إلاّ أنه لا يمكننا التيقّن بأن تكون هناك شفافية مطلقة حول أداء هذه الصلاة الجامعة أو أن تنزلق مفاجآت أو نتائج عمليّة ذات قيمة، لا سيما والكل يعلم بأن الطوايا الإسرائيلية هي سوداء مظلمة، لن تُجدِ معها نفعاً صلوات البابا، ولا حتى تساهلات الرئيس "عباس".
خانيونس/فلسطين