تساؤلات المفكر علي عزت بيجوفيتش حول الصيام وآثاره
الرئيس البوسني الراحل علي عزت بيجوفيتش ــ رحمه الله ــ فضلا عن كونه القائد السياسي والروحي للبوسنة المسلمة فهو مفكر إسلامي كبير صاحب اجتهادات فكرية دافع فيها عن الإسلام في الغرب ووضح فيها جوانب عظمة الإسلام في مؤلفات عديدة وكتابات رائعة وفي مقام كهذا سنقتطف مما كتبه الراحل حول صيام شهر رمضان وكيف نظر هذا المفكر الكبيرة لهذه الشعيرة العظيمة وفلسفة الصيام وآثاره في الأمة .
يقول علي عزت بيجوفيتش وهو يتحدث عن أركان الإسلام وعن فريضة صيام شهر رمضان في كتابه " الإسلام بين الشرق والغرب " : ( اعتبر المسلمون الصوم خلال شهر رمضان مظهرا لروح الجماعة ولذلك فإنهم حساسون لأي انتهاك علني لهذا الواجب ، فالصيام ليس مجرد مسألة إيمان .. ليس مجرد مسألة شخصية تخص الفرد وحده ، وإنما هو التزام اجتماعي ، هذا التفسير للصيام كشعيرة دينية غير مفهوم عند الأديان .. إن الصيام الإسلامي وحدة تجمع بين التنسك والسعادة بل حتى المتعة في حالات معينة .. إنه أكثر الوسائل التعليمية ــ طبيعية وقوة ــ التي وضعت موضع الممارسة الإنسانية إلى يومنا هذا .
الصوم يمارس في قصور الملوك وفي أكواخ الفلاحين على السواء في بيت الفيلسوف وفي بيت العامل وأعظم ميزة فيه أنه يمارس ممارسة حقيقية ..
· الصيام في سجن فوتشا الرهيب
ويمضي بيجوفيتش في سرده الرائع لمعاني الصيام وأسراره وأثاره الإيجابية التي يجب أن تنعكس في واقع الفرد والجماعة حيث يقول متحدثا عن تجربته الشخصية عن الصوم : (عندما قضيت في سجن فوتشا ذي الجدران العالية والقضبان الفولاذية ما يقارب ستة أعوام من ( 1983م ـ 1988م ) كنت في لحظات الاكتئاب التي تحيق بالإنسان في مثل هذه الأوضاع أشعر بأن حالتي تسوء عندما أتغذى جيداً .
الجوع كان يساعدني ويرفع معنوياتي دائماً وبشكل أفضل من أي أمر آخر ، لأن الفراغ في الروح وامتلاء المعدة هي من أسوأ الاختلاطات لماذا الأمر هكذا ؟ التفكير بهذا يمكن أن يؤدي إلى أن تعرف حقيقة الصيام الذي يمكننا أن نعرفه بقدرة إنسانية سامية فالإنسان والحيوان يأكلان ويتغذيان لكن الإنسان وحده يستطيع الصيام ، فإذا كان الغذاء يتم بموجبه الاحتياج لبعض قوانين الطبيعة فالصيام أعلى تعبير عن الإرادة أي فعل الحرية من وجهة نظري فليس السبب الطبي هو المعنى الكبير للصيام .
· محاولة لسيطرة الروح على الجسد
لقد خلصت إلى قناعة بأننا يمكن أن نعرف الصيام أيضاً بأنه أوضح محاولة لسيطرة الروح على الجسد وهو الذي يحافظ على هذا النصر ويحميه ثم إننا يمكن أن نبحث في الصوم عن أسرار عظيمة ومعانٍ جليلة وفوائد جمة أخرى ولكنها تبدو مرتبة بشكل ظاهر ، العلاقة بين الجسد والروح وسمو الروح هذا السمو يبقى من أول وأهم معاني الصيام.
· تساؤلات تبحث عن إجابة :
ولا يكتفي بيجوفيتش بسرد معاني وأسرار الصيام بل يطرح أسئلة هامة جدا عن غياب الآثار المرجوة للصوم فيقول : لقد كنت خلال السجن وبعد خروجي وأثناء رئاستي للجمهورية ( البوسنة والهرسك ) أتساءل : لماذا لا تكون شعوبنا الإسلامية التي تقوم صلاتها على النظافة وترتبط بالمراجعة الدقيقة للوقت مثالاً للدقة والنظافة ؟!
ولماذا لا تصبح شعوبنا الإسلامية التي تصوم رمضان وتمتنع عن الطعام والشراب لمدة ثلاثين يوماً في العام مثالاً للمبدئية ؟؟
لماذا لم تحولهم التجربة الصعبة والقاسية ( صوم رمضان ) خلال أربعة عشر قرناً من النظافة والدقة والمبدئية إلى طبيعة أخرى أو حتى إلى ذهنية دائمة ؟! وبوضوح أكثر لماذا لم يتحول التزامنا بالنظافة والتوقيت الدقيق للصلاة والصبر على الجوع شهراً كل عام إلى التزام جماعي بالنظافة واحترام الوقت وإدراك أهمية الصبر في مختلف مجالات حياتنا ؟!
من يقدم لي جواباً مقنعاً عن هذه الأسئلة يستحق جائزة نوبل !!
فمن يجيب على تساؤلات بيجوفيتش ؟!!