اخبار الساعة

اليمن: الحوثيون غيّروا موازين القوى وقلبوا الطاولة على الجميع إثر سيطرتهم على العاصمة صنعاء

اخبار الساعة - القدس العبي - خالد الحمادي بتاريخ: 05-10-2014 | 10 سنوات مضت القراءات : (4095) قراءة
خلقت عملية سقوط العاصمة اليمنية صنعاء في أيدي المسلحين الحوثيين منتصف الشهر الماضي حالة من الصدمة لكافة القوى السياسية التقليدية، بما فيها الأحزاب الكبيرة، وغيّرت كل موازين القوى السياسية بفعل الواقع الجديد الذي فرضته قوات جماعة الحوثي المسلحة وسيطرتها على مفاصل الدولة.
وأصبحت العاصمة صنعاء تشهد غيابا كاملا لقوات الدولة ولأجهزتها الأمنية، حيث اصبح المسلحون الحوثيون هم المسيطرون على كل شيء بما فيه تنظيم حركة السير وضبط الأمن وحماية المنشآت الحكومية والعامة وهم الحاضر الوحيد.
الأحزاب والقوى السياسية غائبة كذلك مع غياب الحكومة، فلم يعد لها وجود سوى في وسائل التواصل الاجتماعي، حيث غابت حتى في وسائل الإعلام التي أسكتت مع دخول المسلحين الحوثيين للعاصمة صنعاء، والتي تحوثت بالكامل، رهبة أو رغبة، فيما اضطر الكثير من السياسيين والصحافيين البارزين الى ترك العاصمة صنعاء ومغادرتها الى أماكن آمنة بعيدا عنها.
وبقدر ما غيّرت المظاهر الحوثية المسلحة وجه العاصمة صنعاء، تغيرت موازين القوى السياسية بالكامل، بما فيه قوى الدولة، حيث أصبح زعيم جماعة الحوثي عبدالملك الحوثي هو الحاكم الفعلي لليمن، فيما احتفظ الرئيس عبدربه منصور هادي بمنصبه الرئاسي نظريا، دون القدرة على اتخاذ القرارات منفردا. 
وعلمت «القدس العربي» من مصدر دبلوماسي رفيع ان «جماعة الحوثي أصبحت تنازع الرئيس هادي سلطاته السيادية بشكل غير مباشــر، بدليل أنه لم يتمكن حتى الآن تكليف أي شخص تشكيل الحكومة الجديدة منذ 21 من الشهر الماضـــي، إثر الاعتراض الحوثي على كل الأسماء المقترحة أو المرشحة لمنصب رئيس الحكومة». 
وذكر أنه «زاد من ضعف الرئيس هادي، النفوذ الحوثي الكبير الذي أصبح هو الفاعل والمؤثر والمسيّر لكل الأمور في الحياة الساسية والعامة في صنعاء، والتي تلاشت معه كل مظاهر النفوذ الأخرى، بما في ذلك نفوذ الدولة».
ولم يعد غريبا أن ترى في شوارع صنعاء سيارة مدرعة حكومية أو عربة عسكرية رئاسية بالسلاح الثقيل يقودها مسلحون حوثيون أو يقفون بها في مداخل البنك المركزي، أو أي وزارة سيادية، كما يتحكمون بحركة المطار الجوي والمنافذ البرية للعاصمة صنعاء، فالدولة الفعلية هم جماعة الحوثي، والمسيطرون الفعليون هم المسلحون الحوثيون.
غاب دور السلطة الشرعية برئاسة هادي وانتهت سلطات الحكومة مع استقالة رئيسها محمد سالم باسندوة، مع السقوط العسكري في أيدي الحوثيين والذي التهم الأخضر واليابس، وأصبح الفتية المسلحون البدو القادمون من أقاصي محافظة صعدة هم الساسة الفعليين على أرض الواقع.
حزب المؤتمر الشعبي العام الذي يرأسه الرئيس السابق علي عبدالله صالح ويحتل موقعه القيادي الثاني الرئيس هادي، والذي يعتبر الحزب السياسي الأقوى في البلاد وصاحب النفوذ الواسع، في اليمن بحكم احتفاظ رئيسه برئاسة البلاد لأكثر من 3 عقود، توارى عن الأنظار مع اجتياح المسلحين الحوثيين للعاصمة صنعاء، كما توارى زعيمه صالح عن أي مواقف مضادة أو مستنكرة لما حصل لعاصمة البلاد، ربما خشية من بطش الحوثيين الذي لم يرحم أحدا، وتفاديا لأي ردة فعل منهم، خاصة مع التهديدات الصريحة والضمنية التي طالت صالح والعديد من المطلوبين من قياداته حزبه. 
أما حزب التجمع اليمني للإصلاح، ذو التوجه الإسلامي والرصيد الشعبي الواسع، فكان الهدف الأكبر للمسلحين الحوثيين أثناء اقتحامهم لصنعاء وفقا لقيادات حوثية وإصلاحية، نظرا للحالة العدائية بين الطرفين والتي وصلت الى حد المواجهات المسلحة في عمران، وكان الحوثيون يرغبون في تكرار هذه المواجهة مع عناصر حزب الاصلاح، غير أن الاصلاحيين أدركوا المؤامرة التي حيكت ضدهم فقرروا عدم خوض أي مواجهة مع الحوثيين، طالما أن القوات الحكومية تعرضت للخيانة من قيادتها التي وجهت لها أوامر عسكرية بالانسحاب وتسليم المعسكرات والمقار العسكرية للمسلحين الحوثيين دون مواجهة.
وقال الناطق الرسمي باسم حزب الاصلاح سعيد شمسان لـ»القدس العربي» ان «حزب الاصلاح ومقراته وقياداته بالفعل كان الهدف الأكبر للمسلحين الحوثيين الذي دخلوا بعقلية انتقامية من الاصلاح والاصلاحيين، وأسفر دخولهم عن اقتحام العديد من مقرات حزب الاصلاح وبيوت قيادييه في صنعاء، عقب اجتياحها عسكريا الشهر الماضي».
وأوضح أن هناك خيانات عسكرية ومؤامرات سياسية استهدفت حزب الاصلاح والدولة برمتها، ووجه اتهامات واضحة وصريحة ضد وزير الدفاع اللواء محمد ناصر أحمد بتزعم المؤامرة للانقضاض على حزب الاصلاح وعلى الدولة، واتهمه بالتواطؤ مع جماعة الحوثيين المسلحة وتسليمهم معسكرات الجيش والمواقع العسكرية في العاصمة صنعاء، بشكل مخل بالضوابط العسكرية. وأكد «ان وزير الدفاع وجه معسكرات الجيش اليمني بالتسليم وعدم مقاومة المسلحين الحوثيين».
وطالب شمسان الرئيس هادي بـ»محاسبة وزير الدفاع ومحاكمته محاكمة شفافة ومعلنة للرأي العام تكشف الأسباب التي أدت إلى سقوط العاصمة صنعاء بيد المسلحين الحوثيين».
وأوضح ان قادة عسكريين شاركوا في الخيانة التي أدت إلى السقوط المريع للعاصمة صنعاء وقال «حدثت عملية تسليم ممنهجة لمؤسسات ومقرات عسكرية وحكومية، ليد جماعة الحوثي».
أما بقية الأحزاب السياسية فقد غاب دورها بالكامل خلال عملية الاقتحام الحوثي المسلح للعاصمة صنعاء وكان أغلب قادتها قد استبقوا مغادرة المدينة قبل سقوطها، وأصيبوا صدمة كبيرة لم يتمكنوا حينها حتى من إعلان موقف سياسي واضح يستنكر الوضع الذي وصلت إليه البلاد، ماعدا الحزب الوحدوي الناصري الذي سجل موقفا صريحا برفضه التوقيع على الاتفاقية حتى يوقع الحوثيون على الملحق الأمني والعسكري الذي يلزمهم بإخراج المسلحين من العاصمة صنعاء ومحيطها وكذا إعادة الأسلحة الحكومية الثقيلة المنهوبة من المعسكرات في صنعاء وعمران والجوف.
إلى ذلك فضّلت فصائل الحراك الجنوبي الصمت جراء ما يحدث في الشمال من قبل المسلحين الحوثيين، معتبرة ذلك شأنا شماليا لا يخصها، واستهبلت بعض الفصائل الجنوبية ما حصل لصنعاء بتجديد مطالبتها بانفصال الجنوب عن الشمال، والعودة الى ما قبل الوحدة اليمنية التي اقيمت عام 1990، غير أن هذا الصوت أصبح خافتا في ظل الاستيعاب السياسي الكامل لفصائل الحراك الجنوبي من قبل الرئيس هادي، الذي ينتمي للمحافظات الجنوبية والذي أزال المبررات التي كانوا يتذرعون بها لرفع مطالبهم وفي مقدمتها التهميش السياسي، في حين أصبح الجنوبيون حاليا أكثر المسيطرين على أهم المرافق الحكومية المدنية والعسكرية.
وأصبحت الخارطة السياسية في اليمن غير واضحة المعالم، وفي انتظار أن يرسمها الزعيم الحوثي عبدالملك، والتي قد تحدث تغييرا شاملا للقوى السياسية بعد انهيار القوى القبلية والاجتماعية التاريخية في المناطق القبلية التقليدية في البلاد، وخلق واقع جديد فيها لم يعهده اليمن من قبل. 
وتوقع العديد من المحللين السياسيين انهيار قوى سياسية أيضا وظهور قوى وأحزاب سياسية شابة برؤى جديدة قادرة على التعاطي مع الوضع الجديد، وذلك على خلفية انهيار الأحزاب والقوى السياسية التقليدية التي أصبحت لم تعد قادرة على مواجهة الوضع الراهن بسبب تكالب الأعداء عليها.
اقرأ ايضا: