السياسة تقسم الأسر اليمنيّة
لم تقتصر الآثار الناجمة عن حالة الاستقطاب الشديد التي سببتها الخلافات والصراعات السياسية في اليمن على إحداث قطيعة بين المكونات السياسيّة وحسب، فآثارها السلبيّة تمتدّ أيضاً لتطال العلاقات الاجتماعيّة بين الجيران والأصدقاء وحتى بين أفراد الأسرة الواحدة.
وراحت تظهر سلبيات الخلافات السياسية جلياً مع بداية اندلاع ثورة التغيير الشبابية في أوائل عام 2011، وقد رأى مراقبون أن ذلك العام كان أحد أسوأ الأعوام لجهة التفكك الأسري على خلفيّة سياسيّة. أما في الآونة الأخيرة، فقد تسبّبت الأحداث الناجمة عن الخلافات والمواجهات المسلحة بين جماعة أنصار الله (الحوثيون) وبين القبائل وشخصيات مؤيدة لحزبَي المؤتمر الشعبي العام (الحاكم حتى 2011) والتجمّع اليمني للإصلاح (إخوان مسلمون)، في إعادة الانقسام إلى الشارع لكن بشكل أقل حدّة مما كانت عليه الأمور في خلال أحداث 2011.
فتجد مثلاً شباباً يؤيدون جماعة أنصار الله، بينما يرفض آخرون من الأسرة نفسها سيطرة الحوثيّين على مؤسسات الدولة، باعتبارهم حركة مسلحة تمكّنت من السلطة بقوة السلاح. ويبرّر هنا عبد الله الذماري تأييد ابنه الكبير للحركة الحوثيّة، بامتلاكها "إعلاماً قوياً استطاع التأثير على عدد كبير من الشباب العاطلين عن العمل في ظل استشراء فساد واسع في مختلف مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية". هو لا يمنع ابنه من تأييد الحركة، شريطة عدم الانضمام إليها والقتال معها. ويقول إن "هذه المرحلة ستمرّ كمثيلاتها السابقة، وإن العلاقات الأسرية أقوى بكثير من أن تؤثر فيها الخلافات السياسية".
لكن تبقى المخاوف من أن تؤثّر هذه الظاهرة على نسيج الأسرة على المدى الطويل. ففي العاصمة صنعاء، مثال آخر. كان عصام الخولاني أحد المشاركين في ثورة التغيير الشبابية اليمنية، وكان أخوه الأكبر - وهو شيخ قبيلة - يؤيد نظام الرئيس الأسبق علي عبد الله صالح الذي نادى الثوار برحيله. هذا التباين في المواقف دفع بالأخ إلى دعم مخيمات الاعتصام التي طالبت ببقاء صالح في الحكم. يقول الخولاني: "كنا على خلاف شديد. فأنا كنت أذهب صباحاً إلى ساحة التغيير أمام جامعتي، أما هو فكان يحمل الطعام كل يوم ليقدمه إلى المعتصمين الذين يؤيدون صالح في ميدان التحرير في صنعاء".
ويشير الخولاني إلى أن الخصومة بينه وبين أخيه ازدادت حدّة وقاطعه لأشهر عدّة. لكن الأمر لم يستمر. فقد عادت علاقة عصام بأخيه كسابق عهدها.
إلى ذلك، كان الجندي علي محمد قائد مجنداً في الفرقة الأولى مدرع، التي أعلن قائدها الانشقاق عن الجيش اليمني الموالي لنظام صالح والانضمام إلى ثورة التغيير. يقول: "عشت أسوأ أيام حياتي. كنا في حالة تعبئة مستمرة استعداداً لمواجهات محتملة مع الألوية والكتائب العسكرية والأمنية الموالية للرئيس السابق، في حين أن أحد إخوتي واثنَين من أبناء عمومتي كانوا جنوداً في الحرس الجمهوري والأمن المركزي المؤيد لصالح".
يضيف قائد: "اشتبكنا مع بعضنا بعضاً في خلال بعض المواجهات المسلحة، مثل الاشتباكات التي حدثت في جولة كنتاكي في العاصمة في نهاية سبتمبر/أيلول 2011". ويشير إلى أنه كان على تواصل دائم معهم ليعرف إن كانوا "من ضمن الفرق العسكرية التي تنفذ عمليات ضد توسع ساحات الاعتصام أم لا. فنحن كنا معنيّين بحماية المعتصمين من أي اعتداء عليهم".
تجدر الإشارة هنا إلى أن بعض الأسر الكبيرة خصوصاً تلك التي تُعدّ صاحبة مصالح وأعمال تجارية ومقاولات، كانت تعمد إلى تقسيم ولاءاتها بين الفرقاء السياسيين. فكنت تجد أحد الأبناء مؤيداً لحزب المؤتمر الشعبي العام، وآخر ينتمي إلى حزب الإصلاح المعارض والثالث إلى حزب أو مكوّن آخر. أما الهدف في ذلك التوزيع فهو حماية مصالحهم في أثناء الأزمات. فإذا نجح أحد الأحزاب في المعركة السياسية وسيطر على القرار السياسي والإداري، فإن الأسرة تضمن عدم تأثر مصالحها وتجاراتها أو مكانتها الاجتماعية.
ولا تقلل المتخصصة في العلوم الاجتماعية هند ناصر من تأثير التعبئة السياسية والطائفية على نسيج الأسرة وعلاقات الصداقة. لكنها في الوقت ذاته تعدّ هذه التأثيرات السلبية على الأسرة الواحدة مؤقتة ولا تدوم طويلاً. وتشير إلى أن "اليمني متسامح بطبعه بالمقارنة مع غيره من الشعوب. لكن التعبئة المستمرة من قبل وسائل الإعلام المختلفة والتابعة لمكونات سياسية أو دينية، تعمل على توسيع الخلافات وتحويلها من خلافات بين الأحزاب إلى ضغائن في ما بين الأسر والأصدقاء والجيران".