اخبار الساعة

صحيفة تكشف عن صيدليات تفاقم ظاهرة تعاطي المخدرات في اليمن

اخبار الساعة - متابعة بتاريخ: 20-07-2015 | 9 سنوات مضت القراءات : (4658) قراءة
رحلة إدمانه بدأت مع القات، ثم قادته إلى الأدوية المخدرة، التي كان يتزود بها بسهولة، من صيدليات في عدن بدون وصفة طبية، ما أدى إلى أن يخسر هشام صحّته وقدراته الذهنية قبل أن تنبذه عائلته. على غرار هشام (29 عاما)، ينحرف آلاف الشباب نحو "تعاطي" أدوية مخدرة، توفّرها صيدليات مرخصة بربح مضاعف في مخالفة لشروط ترخيصها وفق قانون الصحة اليمني.
 
 
 
تشكّل هذه الأدوية المقنّنة بديلا سهل المنال عن صنوف المخدرات المحظورة. في عدن، لم يعد الحصول على العقاقير المخدرة بدون وصفة طبية أمرا صعبا. ذلك أن خُمس الصيدليات المرخصة لا تمانع في صرف مثل هذه الأدوية ذات التأثير التخديري الإدماني، حسبما توصلت معدّة التحقيق بعد سنة من التقصي.
 
 
 
في جولة ميدانية شملت 25 صيدلية موزعة على أربع مناطق، أقنعت معدّة التحقيق خمس صيدليات ببيعها أقراص "الرستل والفاليوم والديزبام" -الأكثر رواجا بين المتعاطين- بدون وصفة طبية، وسط ضعف رقابة مكتبي الصحة بالمحافظة والمديريات، وتعطيل سن قانون لتنظيم هذا القطاع وتضارب في الصلاحيات بين الهيئات التنظيمية والرقابية الرسمية.
 
 
 
نصف الصيدليات التي جالت عليها معدة التحقيق، أحجمت عن بيع مهدئات بدون وصفة، وسبع أخرى أكدت أنها لا تتعامل بهذه المهدئات منذ تعرضت لاعتداءات مدمنين كانت قد رفضت بيعهم إياها بدون وصفة طبية.
 
 
 
عينة من 25 صيدلية
 
عبر جولة ميدانية، شملت 25 صيدلية ذهبت اليها معدة التحقيق، وثقت "العربي الجديد"، امتناع 13 صيدليه عن البيع بدون وصفة طبية في حين وافقت 5 صيدليات على البيع بدون وصفه طبيه في حين كان رد 7 صيدليات أنها لا تزود محتواها بهذه الأنواع من العقاقير.
 
 
 
على أن هذه الصيدليات التي اقتنعت بأن معدة التحقيق ضمن فئة الشباب الذين يتعاطون هذا النوع من المخدرات ويطلق عليهم مصطلح "المحببين" فرضت على "العميلة الجديدة" زيادة في السعر تصل إلى ضعف السعر الحقيقي، إذ بلغ سعر شريط الرستل المكون من 10 أقراص 3000 آلاف ريال يمني وهو ما يعادل 14 دولارا، بينما سعره الحقيقي 7 دولار وبلغ سعر شريط الفاليوم Valium المكون من 10 أقراص3200 ريال يمني أي ما يعادل 11 دولارا، في حين أن سعره الحقيقي 7.5 دولار، وبلغ سعر شريط الديازبام Diazepam المكون من 10 أقراص 860 ريال يمني أي ما يعادل 4 دولارات بينما سعره الحقيقي 1.5 دولار.
 
 
 
عجز في الرقابة
 
لا يعمل سوى أربعة موظفين في مكتبي الصحة في المحافظة والمديرية، مكلفين بمراقبة 400 صيدلية مسجلة، وفق مدير مكتب الصحة والسكان بعدن الدكتور الخضر لصور. يضاف إلى ذلك، غياب قانون ناظم لعملية بيع الأدوية وترخيص الصيدليات.
 
 
 
ويفترض بمشروع القانون المعطل في أدراج البرلمان اليمني منذ زمن، أن "يساهم في الحد من انتشار الأدوية المخدرة وتهريبها وتنظيم عملية بيع الأدوية وفتح الصيدليات وفق معايير تجعل من تداول الأدوية تحت الرقابة والمساءلة القانونية". كما ينظّم "إجراءات الحصول على ترخيص فتح صيدلية تتضمن أن لا تقل المسافة بين الصيدلية وأقرب مستشفى عن 250 متر من خارج سور المستشفى وأن يشرف على عملية بيع الأدوية طبيب صيدلي"، حسبما يشرح لصور.
 
 
 
تهديد في الشارع
 
الصيدليات لا تعد مصدرا وحيدا للحبوب المخدرة بدون وصفات طبية، إذ ينتشر عديد من المروجين في شوارع المدينة التي يقدّر عدد سكانها بـ 866 ألف نسمه، نصفهم من الشباب. تتبعت معدّة التحقيق أحد "المروجين" من بين أربعة دلّها عليهم شاب مدمن.
 
 
 
وتمكنت بعد إلحاح من إقناعه بتزويدها بشريط "رستل" وآخر "ترامدول" بأربعة أضعاف سعرها المحدد في الصيدليات (6000 ريال مقابل شريط الرستل 6000 تناظر 28 دولارا و 3100 ريال مقابل شريط ترامدول، ما يعادل 14.5 دولار. لكن ليس قبل أن يهدّدها بـ"التصفية" في حال بلّغت عنه الأمن: "إذا بلّغتي عني بيكون آخر يوم في عمرك وبعرف كيف أوصلك".
 
 
 
الشاب العشريني (أ.س) - أحد مروجي الحبوب المخدرة- يقول: "يوجد في كل منطقة بعدن مثل الشيخ عثمان والمنصورة وغيرها بين أربعة وستة أشخاص يبيعون الحبوب المخدرة للمتعاطين دون الحاجة لزيارة الصيدليات".
 
 
 
أحد المدمنين يقول هو الآخر إنه يتناول يوميا "حبة وحبتين. وتزداد الكمية بعد فترة لتصل لدى البعض إلى 20 حبة، ما يعادل شريطين كاملين". وفي هذه الحال "لا يستطيع التوقف عن التعاطي ولو ليوم واحد، وإن حدث وتوقف تظهر عليه تصرفات غير منطقيه كأن تصيبه نوبة عصبية شديدة".
 
 
 
هذه الجرعة تشكّل خطرا محتملا على حياة متعاطيها، وفق الخبيرة الصيدلانية منيرة السقاف "لكنها ليست مميتة على المدى القريب، ولكنها تجعل الجسم في حال تخدير دائم وتؤثر على المدى المتوسط على الجهاز العصبي للمتعاطي".
 
 
 
ويعتبر Morphine أهم العقاقير المخدرة والمؤثرات النفسية والتي تتطلب وصفه طبيه والذي لا يباع في الصيدليات ولكنه يصرف للمستشفيات لتخفيف الآلام الحادة المصاحبة لعمليات جراحية. وتكرار استخدامها قد يؤدي إلى الإدمان، ومن الأنواع الشائعة الاستخدام أيضا والمشهورة بين المدمنين، اقراص الترامدول Tramadol والذي يستخدم لتخفيف الآلام المتوسطة والقوية، وأيضا عقار الديازبام Diazepam والذي يستخدم لأعراض للقلق والاضطرابات النفسية ومنوم ومن المفترض أن يستخدم لمرحلة قصيرة تجنبا للإدمان، وعقار الكودائين Codeine وهو أحد مشتقات Morphine ويمثل ربع فعاليته وهو مسكن للآلام ويعمل على الاسترخاء والنوم ويدخل في أدوية الكحة والسعال.
 
 
 
ويأتي البرازمول Alprazolam من الأنواع الشائعة الاستخدام وهو من مجموعة Diazepam وفائدته الطبية أنه مزيل للقلق ومنوم لكنه ويسبب إدمانا نفسيا وجسديا، وكذلك عقار الرستل Restyle وهو عقار مقاوم للقلق والاضطرابات النفسية ومنوم ومن المفترض أن يستخدم لوقت قصير تجنبا للإدمان عليه، وعقار الفاليوم Valium وهو مقاوم للقلق ومهدئ أعصاب ويعمل على الجهاز العصبي المركزي ويوصل إشارات لجميع أجزاء الجسم، أيضاً عقار البثدين Pethidine وهو من مشتقات Morphine وفعاليته قصيرة جدا لا تدوم لأكثر من ثلاث ساعات ويستخدم كمثبط للآلام المصاحبة للتداخلات الطبية والأنيميا المنجلية.
 
 
 
رحلة هشام مع الإدمان
 
لم تكن أسرة هشام تدرك وهي تمدّه بالمال لشراء القات وتعاطيه بأن بكرها يتجه نحو إدمان الحبوب المخدرة. مأساة هذا الشاب الباحث عن العمل بدأت حين تعرّف إلى مجموعة من الأصدقاء كانوا يتعاطون القات ويسهرون حتى ساعات الليل المتأخرة.
 
 
 
بعيون حزينة وصوت متهدج، تستذكر أم هشام كيف وفرّوا له القات في البدء، ثم امتنعوا بعد ذلك، لتبدأ حاله بالتغير شيئا فشيئا؛ فأخذ يصرخ ويغضب ويلح على طلب المال، ما جعل الأسرة "تمنحه المال مرة وترفض مرات".
 
 
 
غير أن هذا الأمر دفع هشام (29 عاما) "لسرقة ذهب والدته وأخواته، واستدانة المال باسم والده الذي علم بالأمر، فتشاجر معه وطرده من المنزل". حينها جرفه تيار الأصدقاء إلى هاوية المخدرات، ولم يعد يرجع إلى المنزل إلا وهو "في حال يرثى لها" إذ أصبح نحيل الجسد، ذا رائحة نتنه، متسخ الثياب بعينين غائرتين.
 
 
 
وتضيف الأم الحزينة: "حينها رق قلبي عليه واستعطفت والده بأن يسمح له بدخول المنزل، غير أنه غدا شخصا مختلفا، فلسانه ثقيل، كلامه غير مفهوم، يكثر السهر ومزاجه متقلب". شكوك أم هشام تحولت إلى حقيقة عندما وجدت بحوزته شريط فارغ من أقراص "الرستل" المخدرة التي أكدت لها الصيدلية المجاورة أنها تعد من فصيلة "المخدرات".
 
 
 
إدراك الأسرة لإدمان هشام جاء بعد تفاقم حالته ودخولها مرحلة الخطر. "في إحدى الليالي عاد ابني متأخراً وهو في حال غريبة. وبعد نحو ساعة استيقظت الأسرة على صراخ أخته الصغرى هدى (15عاما) وهي تستغيث بعد أن مزّق معظم ملابسها محاولا اغتصابها"، بحسرة تستذكر أم هشام الدرك الذي وصل إليه ابنها في رحلة التعاطي.
 
 
 
والد هشام ضربه "بقطعة حديد على رأسه حتى أغمي عليه وكسرت ساقه ويده، وحينها أسعف إلى المستشفى، ولم نعد نعلم عنه شيئاً، لأن والده يرفض عودته للمنزل".
 
 
 
الرقابة غائبة
 
يمنع مكتب صحة عدن الصيدليات بيع أي دواء -خاصة المهدئات- بدون وصفة طبية رسمية تحمل بصمة الطبيب المختص وعنوان عيادته، وتحدد نوعية وعيار الدواء الذي يحتاجه المريض، بموجب تعليمات الوزارة.
 
 
 
على أن معدّة التحقيق توصلت إلى أن رقابة المكتب شبه معدومة إذ يكتفي المكتب بإرسال ثلاثة إلى أربعة موظفين "مرة واحدة كل شهرين في حملات موسمية غير مؤثرة" لتفقد عينة عشوائية محدودة بين 400 صيدلية مرخصة. أو أنه يتحرك في حال تلقّى بلاغا عن صيدلية تبيع مثل هذه الأدوية دون وصفة.
 
 
 
الطرف الآخر
 
غير أن صيدليات في المدينة يؤكدون ضعف الرقابة. إذ يقول الصيدلي عفان - 30 عام - في مديرية خور مكسر: "لا أذكر متى كانت آخر مرة زارني فيها مفتشو مكتب الصحة للبحث عن أدوية مزورة أو مهربة".
 
 
 
ووفق رصد معدة التحقيق، فإن آلية الجولات والتفتيش في المديريات وفق اللوائح المنظمة لعمل هذه اللجان تعتمد على عنصر المفاجأة لعينة من الصيدليات، وفق اللوائح القانونية لتنظيم عمل الصيدليات.
 
 
 
وفي حال لم تلتزم هذه الصيدليات بشروط الترخيص تواجه مخالفة الإغلاق. إذ تتدرج عقوبة الإغلاق من أسبوع إلى شهر وبعد ذلك تغلق نهائيا حسب تكرار الصيدلية لمخالفة شروط البيع بدون وصفات. لكن مكتب الصحة لم يتخذ أي قرار إغلاق منذ العام 2008، ما يؤكد ضعف الرقابة رغم المخالفات التي كشفتها "العربي الجديد".
 
 
 
سوق مفتوحة
 
يؤكد أخصائي الأمراض النفسية د.عبدالله الشبيحي أن مرضاه "المحببين" يحصلون على مبتغاهم من صيدليات ومن مروجين في الشارع على حد سواء: "تدبير هذه العقاقير ليس بالأمر الصعب".
 
 
 
ثلاثة متعاطين وافقوا على التحدث مع معدة التحقيق يؤكدون أن حصولهم على الحبوب المخدرة "أمر سهل"، ولكنهم يواجهون صعوبة في توفير قيمتها التي تتفاوت بين 1000 ريال تناظر 5 دولارات، 5000 ريال تناظر 25 دولارا بحسب الكمية والنوعية المدمن عليها.
 
 
 
بداية المشكلة
 
ظاهرة تعاطي الشباب بدأت بالانتشار منذ 2007، مع اشتعال اضطرابات سياسية ضد نظام السلطة المركزية بصنعاء. لكنّها طفت على السطح منذ أربع سنوات مع مجاهرة شباب بالتعاطي دون خوف بسبب غياب الرقابة والانفلات الأمني، حسبما يشرح متعاطون لمعدة التحقيق.
 
 
 
تختلف أسباب ودوافع الشباب المتعاطي، فلكل منهم هدفه من ابتلاع هذا المخدر. أحدهم يتعاطاه "لتعديل المزاج والشعور بنشوة" شبيهة بتعاطي القات، ثانيهم "لمحاولة النوم الذي هجر جفني" وثالثهم "للهروب من واقع مرير أو لظروف اجتماعية سيئة". يضاف لذلك، طلبة يلجؤون إلى تعاطيه لمنحهم تركيزاً إضافيا، في وقت الاختبارات، بحسب د. الشبيحي.
 
 
 
قانون الدواء في الأدراج
 
غياب قانون ناظم لبيع الدواء يفاقم ظاهرة بيع الأدوية المهدئة بدون وصفة طبية. مسودة مشروع القانون أرسلت إلى مجلس النواب عام 2010 وهي من 93 مادة موزعة على سبعة أبواب، وفق تصريح نشر لوزير الصحة السابق أحمد قاسم العنسي.
 
 
 
لدى مواجهته، يقر مدير مكتب الصحة في عدن الدكتور الخضر لصور بأن "مشكلة العقاقير المخدرة أصبحت أكبر من قدرة المكتب، وأن الجزء الأكبر من المشكلة يتمثل بعدم وجود مراكز مؤهلة لعلاج المدمنين".
 
 
 
ويؤكد لصور أن المراقبين يشرفون على صيدليات غير مخالفة "فيها سجلات تسجل الدواء الوارد والخارج". ولكن حين جالت معدة التحقيق في صيدليات، نفى عاملون فيها موضوع هذه السجلات. وحين أبلغته مجددا بنفي أصحاب صيدليات لهذا الإجراء، اكتفى لصور برفع كتفيه كرد فعل تعجبي وتهرب من الإجابة.
 
 
 
مع اندلاع الحرب الأخيرة مطلع 2015، عادت معدة التحقيق في يوليو/ تموز إلى ذات صيدليات كانت زارتها سابقا لطلب حبوب مخدرة بدون وصفة طبية، لتجد بالمجمل أنّ الصيدليات التي باعتها الحبوب دون وصفة طبية قبل الحرب وافقت على بيعها مرة أخرى وبدون وصفة. أما تلك التي رفضت بيعها قبل الحرب فاستمرت في الرفض.
 
 
 
مرجعيات عليا
 
يشتكي الدكتور لصور من تدخلات في عمل مكتب الصحة: "تسبب لنا بإشكاليات. فحين قررنا إغلاق صيدلية في العام 2010 بسبب بيعها أدوية مخدرة بدون وصفة، تلقينا توجيهات عليا من جهات "لم يسمها" ولم ينفذ هذا القرار بالإغلاق".
 
 
 
مدير إدارة مكافحة المخدرات السابق العقيد خالد النجار يتحدث أيضا عن محاولات سابقة لم تنجح للجم ظاهرة بيع المهدئات بدون وصفات. في عام 2005، شكّلت لجنة من المحافظة والصحة وإدارة المكافحة وإدارة الأمن لتفقد ومراقبة الصيدليات المخالفة ولكنها توقفت عام 2012.
 
 
 
النجار ولصور يرجعان توقف اللجنة إلى "قلة الإمكانيات". يؤكد النجار فشل المطالبات لمجلس النواب منذ أغسطس/ آب 2010 بتعديل القوانين وإدراج المهدئات ضمن "قوائم المخدرات وبأن تكون لها عقوبات سواء الترويج أو التعاطي بشكل غير مرخص".
 
 
 
تداخل الصلاحيات
 
مدير مكافحة المخدرات العقيد فضل صائل يؤكد أن اللجنة استأنفت عملها عام 2013، لكنها توقفت "والسبب هذه المرة ضعف النوايا الحسنة". ذلك أن اللجنة جالت في شركات الأدوية وطالبتها بلائحة الأدوية المهدئة والمخدرة التي تستوردها وتبيعها للصيدليات ولكنها لم تمد اللجنة بأي لائحة.
 
 
 
لا يوجد أي نص قانوني يمنح هذه اللجنة الحق بمراقبة الشركات، إذ أن الجهة المخولة لمتابعتها هي الهيئة العليا للأدوية، وفق مدير عام الهيئة العليا للأدوية والرقابة الدوائية الحكومية بعدن الدكتور عبدالقادر البكري.
 
 
 
الدكتور البكري يقول إن هذه اللجنة غير قانونية، معتبرا أن الجهات التي تشارك فيها ليست مخولة بهذه المهمة، المناطة بمكتب الصحة والهيئة، وليس لإدارة الأمن أو مكافحة المخدرات أي علاقة بهذا العمل.
 
 
 
عندما طلبت معدة التحقيق تفسيرا عن مصدر حصول الشباب على المخدرات، يرد البكري: "إذا وجد انتشار لها أو متعاطين فالشركات المستوردة لهذه الحبوب ليست المسؤولة، بل البيع غير الشرعي لهذه الحبوب هو مصدرها". ويرى أنها "تدخل البلاد تهريب سواء عبر المنافذ الحدودية أو من المحافظات الأخرى إلى عدن".
 
 
 
معدة التحقيق واجهت الدكتور البكري بأنها حصلت بالفعل على هذه الحبوب من صيدليات، فأجاب بأن الرقابة على الصيدليات ليست من اختصاص الهيئة بل من مسؤوليات مكتب الصحة.
 
 
 
غير أن الدكتور البكري يعود للتأكيد على أن المشكلة تكمن في عدم وجود قوانين تخضع لها تعاطي المهدئات. فتعاطي الحبوب المهدئة لا تندرج ضمن قانون المخدرات مع أن منظمة الصحة العالمية صنفت تلك العقاقير ضمن سلسلة المخدرات، واليمن وقعت على اتفاقية مكافحة المخدرات عام 1992.
البكري يؤكد أن الهيئة تطالب "بقانون الدواء منذ العام 1992، والذي لو أصدر سينظم هذه الثغرات". تنحصر مهمة هيئة مراقبة الأدوية في مراقبة الشركات والمؤسسات المستوردة للأدوية بما فيها المخدرة والمهدئة. بعد الموافقة على الاستيراد من بلد المنشأ "يمنع المستورد من بيعها إلا للصيدليات والمستشفيات. وإذا خالف نتخذ الإجراءات ضده ونمنعه من الاستيراد. ولكن حتى الآن لم نستلم أي بلاغ بهذا الخصوص"، حسبما يقول.
 
 
 
ضبط ومخالفات
 
الإحصائية الأحدث، والتي صدرت في عام 2014، عن إدارة مكافحة المخدرات بعدن بالقضايا المحولة إلى النيابة، تتضمن "27 قضية ضبط، منها خمس قضايا لحبوب مخدرة و22 قضية ضبط حشيش وكوكايين بإجمالي (33.61 كيلو حشيش و52 جرام كوكايين) و(300 قرص ديازبام و267 قرص برازول و178 قرص رستل).
 
 
 
في عدن 400 صيدلية مرخصة و130 مخزن أدوية، وفق بيانات مكتب الصحة حتى نهاية 2012. وفي مديرية الشيخ عثمان توجد 105 صيدليات، وفي المنصورة أكثر من 150 صيدلية. أما في كريتر فتزيد على 35 صيدلية، فيما تتوزع سائر الصيدليات ومخازن الأدوية على بقية المديريات الخمس التابعة للمحافظة. لكن العدد الحقيقي يفوق ذلك لوجود صيدليات غير مرخصة في عدن، بحسب مصدر طبي قدر عددها بـ 800 صيدلية.
 
 
 
ويقسم أخصائي الأمراض النفسية، الدكتور عبد الله سالم الشبيحي، "العقاقير المؤثرة على الحالة النفسية إلى نوعين أساسيين: الأول يغيّر المزاج والحال العامة للوعي، ويعمل بشكل مباشر على الخلايا العصبية للمخ. وهذه الفئة تنقسم إلى ثلاثة أفرع تبعاً للتغير الذي تحدثه في الجهاز العصبي؛ المنشطات، المنومات والمهلوسات".
 
 
 
أما النوع الثاني فيؤثر، وفق الشبيحي "على الحال المرضية النفسية، ومعظمها يعمل بطريقة غير مباشرة، رغم تأثيرها الفوري على خلايا المخ. ولا تظهر تأثيراتها العلاجية بوضوح إلا بعد بضعة أسابيع، وبعد تكيف الخلايا العصبية على تأثيراتها، وهو ما يسمى بـ "التعديل العصبي" ومن هذا النوع مضادات الاكتئاب، الذهان والقلق".
 
 
 
فقدان الثقة
 
المحامي والناشط فيصل الدقم يؤكد من جانبه إن "المواطن فقد الثقة بالجهات الرسمية في حل هذه القضية ومواجهتها، بل حتى نحن كناشطين وحقوقيين فقدنا الثقة بهم كذلك".
 
 
 
يستذكر الدقم: "في عام 2012 قبضنا على مروجين لهذه الحبوب ووقعوا تعهد بعدم العودة لمزاولة نشاطهم وقمنا بتسليمهم للأجهزة الأمنية ولكننا تفاجأنا بالإفراج عنهم بعد ساعات".
 
 
 
من جانبه يقول العقيد خالد النجار مدير إدارة مكافحة المخدرات السابق في عدن إن مثل هذه العمليات "غير مجدية ولا تخدم القضية". ويستدرك: "لو نسّق مع مكتب المكافحة لكتب لها النجاح وحققت الهدف منها، إذ أفشلها غياب عنصر التلبس الذي ينص عليه القانون بوضوح، غير أنهم جهة غير مخولة بإلقاء القبض".
 
 
 
في الأثناء يتجول "المحببون" بحرّية في أحياء عدن، حيث يتزودون بالأدوية المهدئة من صيدليات توافق على مخالفة التعليمات مقابل مضاعفة ربحها، وسط ضعف الرقابة الرسمية تضارب المسؤوليات بين الهيئات الرسمية.
 
 
 
*تم إعداد التحقيق بدعم من شبكة (أريج) "إعلاميون من أجل صحافة استقصائية عربية"
اقرأ ايضا: