أخبار الساعة » كتابات ومنوعات » اقلام وكتابات

في ذكرى وليمة الغدر هل عجزت نساء اليمن ان تلد مثل الشهيد ابراهيم الحمدي؟

- عمرو محمد ناجي الرياشي

نعيش هذه الايام الذكرى الخامسة والثلاثون تلك الذكرى الأليمة لجميع اليمنيين بضياع مشروع اليمن التحديثي الذي تم إجهاضه عبر وليمة الغدر التي اغتيل فيها الشهيد / ابراهيم الحمدي ... كانت جريمة وليمة الغدر مفتاحا تم به اغلاق وتعطيل مشروع قيام دولة النظام والقانون في اليمن الذي أسسه الشهيد الحمدي وبداءه فعليا في السير وتنفيذ خطواته عمليا .
لن أكون مبالغا إن قلت ان الشعب اليمني جنوبه وشماله شرقة وغربه ما زال يدفع ثمن وليمة الغدر حتى يومنا هذا فمنذ إغتيال الشهيد ابراهيم الحمدي إغتيلت معه كرامة وحلم اليمنيين .
كان عصر الشهيد الحمدي لليمنين يمثل لوحة يمنية حميلة بداءت ترسم واقعا حقيقيا بأقلام يمنية وطنية تنهل الوانها من مباديء ثورة سبتمبر1962م التي انتزعت حرية وكرامة اليمنيين من مخالب أئمة الظلم والظلام الذين نشروا الجهل والظلم والتخلف طوال فترة حكمهم السوداء ودأبوا على نشر القتل والإقتتال بين بين القبائل وتأليب بعضها على بعض .
نجح الشهيد الحمدي في اعادة التوازن لثورة سبتمر 1962م من خلال ثورة 13 يونيو التصحيحية 1974م بالاطاحة بحكم القاضي الارياني الذي قدم لحكم اليمن بتأمر القوى الملكية والمناصرة لها في 5 نوفمبر 1967م .

حين قام المقدم / ابراهيم محمد صالح الحمدي بتلك الثورة التصحيحة وكان عمره لم يتجاوز 31 عاماً لم يكن طريق الشهيد الحمدي معبدا بالزهور بل مليء بالشوك والموروث الثقافي الذي مازال حاضرا لثقافة الاستعلاء الطبقي من استعلاء المشائخ وبعض رموز التخلف الذين كانوا من اهم العثرات التي وقفت في وجه أي مشروع نهضوي لليمن عبر صفحات التاريخ اليمني .
وبالرغم من الارث الثقيل لنظام الجمهورية الوليدة في ذاك التاريخ والمثقل بجراح الماضي وترسبات حقبة الإمامية الا ان ذلك لم يمنع الشهيد الحمدي من مواصلته مشروعه الوطني لبناء اليمن انسانا وأرضا .

وهذا ما تم بالفعل والشواهد كان عديدة ولا تحصى فبداء بتخفيض المصروفات التي كانت تستنزف خزينة الدولة باسم الجيش قام بإنزال الرتب العسكرية وبداء بنفسه وأتجهت الدولة في ذلك الوقت الى الاهتمام بالتعليم وغرس مباديء الوطنية والعدالة الاجتماعية وغرست الاشجار والحدائق بعد ان تحولت كثير من الممتلكات العامة الى ممتلكات خاصة ومشاريع نهب وسلب وجعلها محلات تجارية .

بل ان الامن والسلم الاجتماعي وصل في تلك المرحلة مبلغا اصبح يضرب به في ذلك الوقت حتى بعد 35 سنة فألقى اليمنيين سلاحهم طواعية ودون اكراه . وكان يقول الشهيد الحمدي وهو يخاطب المسلحين في حينها ضعوا اسلحتكم في بيوتكم وخذوا (المفارس) وازرعوا ارضكم .

بالرغم من قصر فترة حكم الشهيد الحمدي الا ان حركة 13 يونيو حملت إنجازاً كبيراً في بناء الدولة الحديثة وفي عهده صنع الحمدي نهضة تنموية وإقتصادية وسياسية نجحت في ايجاد تنظيم سياسي وطني بحت استمد قوته من القاعدة الجماهيرية والشعبية .

جاهد الرئيس الحمدي بحشد كل الإمكانيات البشرية الوطنية والاستفادة من تجارب الماضي في اظهار مشروع اليمن الحديث ووضع برنامج شاملاً مستعرضأ لكل تجارب الماضي بسلبياتها وإيجابياتها من أجل الوصول الى مفهوم الدولة اليمنية الحديثة القادرة على صناعة التقدم والإزدهار والكرامة لجميع فئات الشعب اليمني.

لكن مفهوم الدولة الحديثة للشعب اليمن لا يمكن الوصول اليه الا عبر مؤسسات الدولة القوية وهذا ما عمل الحمدي على ايجاده على ارض الواقع واخراجه عمليا فجمد ثم حل مجلس الشورى وقام بإجراء انتخابات نيابية ديمقراطية بحيث يكون البديل لمجلس الشورى المعين وتم إجراء التعداد السكاني لأول مرة في تاريخ البلاد و تم إصدار قانون انتخابات مجلس الشورى وتشكيل اللجنة العليا للإنتخابات وكانت الانتخابات مدخلال لإنهاء مراكز القوى والنفوذ من سلطة المشائخ الذين كانوا يقفون ضد قيام دولة يمنية حديثة.
لكن لماذا قتل الحمدي ؟

لم يكن نجاح الحمدي في الجوانب التنموية وتأسيسه لكثير من القوانيين وفرض هيبة الدولة التي تكفل قيام دولة قوية سببا وحيداً في اغتيال الحمدي ولكن هناك خطوط حمراء تجاوزها الشهيد الحمدي وهي التي لا ينبغي لأي رئيس يمني ان يتجاوزها حتى لا يخرج باليمن خارج حدود التبعيه والولاء المرسوم لها من قبل بعض قوى الهيمنة لابقاء اليمن مزرعة خاصة بلا اسوار تحميه ليتم العبث فيها في أي وقت وتظل تحت عباءة الخنوع .

وعليه يمكن تلخيص الامر في محوريين رئيسين كان لهما دورا في تعجيمل عملية اغتيال الشهيد الحمدي وهما :

اولا : محاولة الحمدي في تحويل اليمن من دولة مشائخ وتجار الى دولة مواطنيين كان لها اثر مرعب لدى الكثيريين من الذين يتخوفون من عواقب ذلك عليهم مستقبلا حيث ان طبقة ما يمسى بالمشائخ كانت حلقة الوصلو و التحكم بالرموت الخارجي لإبقاء اليمن تحت الوصاية ...وكان عهد الشهيد/ الحمدي اخطر مرحلة بالنسبة لدوائر الهيمنة والسيطرة على اليمن منذ قيام ثورة سبتمبر واكتوبر حتى الأن . لأنه حتى بعد نجاح ثورة سبتمر والاطاحة بحكم الأئمة الا ان مفاتيح اليمن والدولة مازالت خارج ارادة الشعب اليمني وبيد دوائر الهيمنة والنفوذ التابعة لما وراء الحدود لذا كان يجب اغتيال المقدم / ابراهيم الحمدي ومشروعه التحديثي الذي كان يسير عكس ارادة بعض القوى الخارجية واذرعتها في اليمن وعلى رأسهم المشائخ وتوابعهم من التجار و البقايا من المرتزقة .

ثانيا : كان حلم الشهيد الحمدي بجانب مشروع بناء الدولة اليمنية الحديثية هو اعادة تحقيق حلم الوحدة اليمنيــة وبالفعل مثلت سنوات حكم الحمدي مناخ وبيئية ملائمة لإعادة تحقيق الوحدة اليمنية وترجم ذلك من خلال الخطوات الميدانية التي قام بها كل من رئيس شمال القلب اليمني المقدم/ إبراهيم الحمدي ورئيس جنوب القلب اليمني الشهيد / سالم ربيع علي وأجريت أول مباحثات في ديسمبر 1974م وتم تشكيل المجلس اليمني الأعلى وذلك بناء على نتائج جلسة المباحثات التي تم عقدها بين الحمدي وسالمين في قعطبة ، وفي مارس 1977 انعقد بمدينــة تعز المؤتمر الرباعي لأمن البحر الأحمر وبحث الرئيسان تفعيل العمل لإعادة حلم تحقيق الوحدة اليمنية ووصــل الترجمة لهذا الأمر و جرت اتصالات على مستوى عالي وفي 26 سبتمبر 77م تم الإتفاق على خطوات وحدويــة على ان يتم الاعلان عنها اثناء زيارة الحمدي لمدينة عدن والتي تم تحديد موعـــدها في 13 اكتوبــر 77م ومنهـا توحيد السلك الدبلوماســي والنشيد الوطني والعلم الجمهوري ومنهج التعليم في البلدين .. ولكن للأسف الزيــارة التي لم تتم !!!

ففي يوم 11/أكتوبر/1977م وفي الساعة الحادية عشرة والنصف مساءً نقلت إذاعة صنعاء وفاة المقدم/ إبراهيم الحمدي رئيس الجمهورية ومجموعة من رفاقه في حادثة إغتيال جبان و دنيئ وقتل معه اخوه/ عبدالله الحمدي قائد قوات العملاقة انذاك في عملية مدبّرة نفذها المقدم احمد الغشمي بعد دعوة الغداء الى منزله الذي يقع في منطقة الصافية في العاصمة صنعاء ... فبعد الانتهاء من طعام الغداء بقي الحمدي لمعرفة الأمر الهام الذس استدعاه من اجله الغشمي الذي لم يكن سوى تنفيذ حكم الإعدام طرفها الغشمي وآخرين مازال البعض منهم احياء حتى الان .
كانت هناك تحذيرات للحمدي من وجود مخطط لاغتياله وتم تحذيره من الغشمي فلم يأبه الحمدي حتى ان هناك وزيرين قدما استقالتهما بسبب عدم اخذ الحمدي الجدية في الامر وهذا ما كان يعيب الحمدي اغفاله لخصومه وايضا عدم اخذه احتياطات امنية لحمايته مما جعلته هدفا سهلا .

لنرجع الى وليمة الغدر ... بعد ما شاهد ابراهيم الحمدي بان أخيه عبد الله الضابط الشرس قائد قوات العمالقة مقتولا باحد الغرفة المجاورة لمنزل الغشمي ، لم يحمل الشهيد ابراهيم الحمدي حينها سوى نظرة سريعة منه نحو الغشمي حملت معنى واحد لقد حذروني منك ولكني تجاهلتهم فقال الحمدي (الى هنا وكفى تريدون السلطة خذوها واكملوا مابدأناه هذا الشعب أمانة في أعناقكم ، انا مستعد للتنازل اذا قبلتم ببقائي في اليمن كان بها ، واذا أردتم ان اخرج فسأخرج، تذكر يا أبو صادق (مخاطبا الغشمي) اننا ودعنا القاضي الارياني من تعز معززا مكرما ، أردنا ان تكون حركتنا تصحيحية بيضاء نقية لم نبدأها بالدم ) راق الامر للغشمي وكان سيوافق لكن الدوائر التي تقف وراء الغشمي رفضت العرض جملة وتفصيلا وامرته بإتمام المهمة لأن بقائه حيا سيسقط اوراق التوت وتنكشف بعض الاقنعة المزيفة وتظهر على حقيقتها للعامة من الناس .... دارت اخر كلمات بين الشهيد الحمدي والغشمي وكانت نبرة الحمدي قد تغيرت واصبحت عالية وحاول الحمدي ان يخرج مسدسه لكن هوجم من الخلف بخنجر وبعدها تم اطلاق الرصاص عليه بشكل كثيف على جسده الطاهر .

المعلومات التفصيلية كثيرة عن كيفية مقتل الحمدي ولكن الامر يحتاج له وقت وسرد اطول مثل كيف تم استدراج قائد/ العمالقة عبدالله الحمدي خصوصا انه كان يقول لو يحدث شيء لاخي سوف يحرق صنعاء في اشارة الى بعض المشائخ وبعض القيادات العسكرية التي هي في الاساس من فصيل المشائخ مثل الغشمي وتحذير قائد المظلات/ عبدالله عبدالعالم للحمدي الذي كان لا يستصيغ الغشمي ولا يتسع الحديث هنا ولكن نستطيع ان نلخص اهداف واسباب حادثة وليمة الغدر في عدة نقاط رئيسية :

- ما حدث للشهيد الحمدي وقفت ورائه مراكز القوى والنفوذ في اليمن ومن جملتها المشائخ وبعض التجار وما اقصد منه المشائخ هنا اصحاب الولاءات الخارجية قد يغضب البعض من كلامي ولكن سأشير الى مقولة احد المشائخ الكبار الذي مازال على قيد الحياة ( .. إن استمرار حكم الحمدي عدة شهور "كان سيفضحنا وسط قبائلنا" ) ولذلك مشروع الحمدي كان معتمدا على تقليص و تقويض سلطة المشائخ واستبدالها بسلطة الدولة . وهذا لم يكن مناسبا للمفسدين فعبارته الشهيد الحمدي الشهيرة للفاسدين "إنتهى شهر العسل" أرجعت لخزينة الشعب اليمني مليارات الريالات لتستخدم في بناء بلدهم وتعميرها لم تعجب المتنفذين .

- عملية إعادة اتمام الوحدة في ذلك الوقت كان سيجعل اليمن قوة ضاربة اقليمية على جميع الاصعدة السياسية والاقتصادية والعسكرية خصوصا ان افضل وأنزه شخصيتين (الحمدي و سالمين) حكمتا شطري القلب اليمني كانتا في ذلك الوقت لكن مع الأسف تم اغتيالهما بتأمر خارجي وبتنفيذ أيادي يمنيه من الداخل . ولا ننسى ان الشهيد علي سالم ربيع علي عندما اقسم فوق جثة الحمدي وهو ينزل الشهيد الى القبر بأنه سينتقم من قتلته وهذا ما يعكس حقيقة الترابط الذي كان سيجعل من الوحدة في عهدهما مشروع استراتيجي ضاربا في المنطقة بحجم القيادتين رحمهما الله.

- بالرغم من قصر فترة حكم الرئيس الحمدي والتي قاربت الـ 41 شهراً من يونيو 74 إلى أكتوبر 77م إلا أنها تعد من أكثر السنوات رسوخا في وجدان الشعب اليمني والأقرب من عموم الشعب ومازالت تتناقله الاجيال اليمنية جيل بعد جيل حتى الأن . خصوصا أن حلقات الاستبداد والتخلف والفساد مازالت تهاب الشهيد الحمدي حتى بعد موته فحاولت اخفاء سيرته وطمس معالمه اعلاميا وحاربت سيرته لكن يبقى المؤمنيين حاضرين بأعمالهم ويخشاهم الظالمون . فعدم وجود إحتفاء رسمي بهذه الحركة والإصلاحات التي قام بها هذا الرجل يعكس عن حقيقة هي واضحه حتى الغموض وغامضة حتى الوضوح.لكن يبقى الحق ويزول الانسان .

- نستنتج من وليمة الغدر ان أي عملية اصلاح او تغيير في اليمن ستكون معرضة لأن تصتدم بقوى نافذة داخل المجتمع اليمني لأن مصالحها الخاصة ونفوذها سيتقلص أمام أي مشروع ينهض باليمن وعليه لن يخلو أي مشروع وطني تنموي في اليمن حاضرا ومستقبلا من المؤامرات والدسائس بهدف إعاقته غير مهتمه بمستقبل الأجيال القادمة.

أخيرا... يظل كثيرا من المغتربيين خارج الوطن وداخله يحنون لعودة زمن يماثل عهد الشهيد الحمدي ويحلموا بعزة وإباء حقيقيين والكل يعلم ويعرف مقولة (هذا راتبي اعجبك او راجع الحمدي ) نعم يتوق اليمني ببساطة جنوبا وشمالا إلى اليوم الذي نرى فيه في بلادنا اليمن من المهره الى الحديده قد حضر فيها من يؤّثر في الناس و يستأثر باحترامهم عملا لا قولاً صدقا لا كذبا .... فمتى نمسي ونصبح حين نشاهد اليمنيين قد طرحوا جوازات سفرهم ونسيوا تأشيرات دخول وخروج وتأشيرة للإقامة وتأشيرة للعودة وبلاعودة… انه حلم مشروع لجميع اليمنيين في زمن غاب عنه المناضلين السياسيين لكرامة اليمنيين وحريتهم وملئه "السافك" من السياسيين لحقوقهم ومصالحهم  وأصبحت مشاريعهم الوطنية مثل البضائع المشروطة يجب أن تمر على المراكز الجمركية لفحصها .

لذا فالسير بقطار اليمن نحو طريق المجد يجب ان يرافقه إزالة مراكز قوى الفساد التي كانت حجر عثرة في طريق تقدم اليمن وتطوره عبر امتهانها التكسب السياسي الرخيص وتسليم مفاتيح اليمن للغير .

ونسأل انفسنا هل عجزت إلى الان ارحام نساء اليمن ان تلد مثل ابراهيم محمد صالح الحمدي؟

Total time: 0.0525