أخبار الساعة » الرياضية » عربية ودولية

هل حققت أندية الخليج أهدافها من استقدام نجوم الكرة العالميين؟

هل نجحت أندية الخليج في تحقيق أهدافها من جلب نجوم العالم؟
- ديدا ميلود

عملت الأندية الخليجية - خاصة السعودية والقطرية والإماراتية منها- في العقد الأخير على استقدام أفضل وأشهر نجوم الكرة في العالم من جنسيات مختلفة.

وضعت هذه الأندية استراتيجيات لجلب أكبر عدد ممكن من النجوم، مستغلة اللوائح التشريعية التي تسمح بذلك، استراتيجيات رصدت لها ميزانيات مالية ضخمة، فاقت مئات الملايين من الدولارات لإتمام هذه الصفقات، التي خطفت أنظار المتتبعين من جمهور وإعلام ونقاد فنيين.

وقد نجحت الأندية في التعاقد مع لاعبين كبار، تركوا بصمات واضحة في أوروبا وأميركا الجنوبية، قبل قدومهم إلى الخليج، وناولوا بطولات وألقاب محلية وقارية وعالمية إلى درجة التخمة، حيث لعب في الخليج أبطال العالم وأبطال القارات والمتوّجون بالكرات الذهبية وجوائز الفيفا، وأصبح هؤلاء النجوم يصنعون الحدث في الدوريات الخليجية الرئيسة.

تفاقمت هذه الظاهرة إلى درجة بروز منافسة شديدة بين الأندية الخليجية لانتداب اللاعبين النجوم، لدرجة إن بعض الأندية أصبحت تطالب اتحاداتها برفع عدد الإجازات الممنوحة للاعبين الأجانب، حتى يتاح لها استقدام عدد أكبر منهم، مما انعكس على رواتبهم التي ارتفعت بشكل خيالي.

الحقيقة التي يجب أن يعلمها الجميع هي تلك الرغبة الصادقة التي كانت تحذو الأندية الخليجية والمسؤولين عنها في هذه المسألة، فانتداب مثل هؤلاء النجوم لم يكن الهدف من ورائه تزيين الملاعب والصحف الخليجية بأسمائهم، بل كانت ترغب في تحقيق جملة من الأهداف الموضوعية، بعضها مشترك عند كل الأندية المعنية، وأخرى تخصّ أندية دون الأخرى، والتي تدخل في إطار تطوير كرة القدم في البلدان الخليجية واستغلال الموارد المالية لهذا الغرض.

يأتي على رأس هذه الأهداف جلب الجماهير إلى الملاعب، لأنه لا يعقل أن تبنى ملاعب كبيرة وحديثة، قلما نجدها حتى في أوروبا، لتبقى مدرجاتها شبه فارغة في معظم أوقات الموسم الكروي، والاعتقاد الذي كان عند الواقفين وراء استقدام هؤلاء النجوم، هو أن شهرتهم كفيلة بالتأثير في المحبين، لتدفعهم إلى حضور الملعب لمشاهدتهم عن قرب، بعدما ظلوا يتابعونهم من وراء شاشة التلفاز.

أما الهدف الثاني فهو الحصول على الزعامة الكروية المحلية والخليجية والعربية وأكثر من ذلك الزعامة القارية، من خلال التتويج بمختلف الألقاب والبطولات الوطنية والخارجية، وعلى رأسها دوري أبطال آسيا.

أما الهدف الثالث فيتعلق برفع المستوى الفني للاعب الخليجي، من خلال احتكاكه المباشر باللعب الأجنبي النجم لأطول فترة ممكنة من مشواره الرياضي، مما ينعكس إيجابًا على أدائه ومهارته التقنية، وينعكس بالإيجاب أيضًا على المنتخبات الوطنية الخليجية ويحسن من نتائجها في مختلف المسابقات الدولية، وكذلك المساهمة في إدخال الاحتراف في ذهنية اللاعب العربي، وتخليصه من فكر الهواية.

وحتى الآن، جاء إلى الخليج عشرات اللاعبين، أسماؤهم أشهر من نار على علم، فلعب في الدوري القطري نجما منتخب إسبانيا وناديي ريال مدريد وبرشلونة جوزيب  غوارديولا وفرناندو هيرو، ونجم الأرجنتين وهدافها غابرييل باتيستوتا، ونجم بايرن ميونيخ ومنتخب ألمانيا ستيفان ايفنبرغ، ونجم منتخب فرنسا بطل العالم المدافع مارسيل دوسايي، ومن البرازيل كان هناك روماريو وجونينهو، ولعب في الدوري السعودي نجم نادي ميلان ومنتخب إيطاليا لسنوات الثمانينات والتسعينات روبرتو دونادوني والبرازيلي دينيلسون والمكسيكي بورغيتي، ولعب الأسطورة الأرجنتيني دييغو مارادونا لنادي الأهلي.

ولعب في الدوري الإماراتي نجم هولندا فيليب كوكو، ونجم إيطاليا بطل العالم 2006 المدافع فابيو كانافارو، والهداف الأجنبي التاريخي لنادي جوفنتوس الفرنسي دافيد تريزيغي، ونجوم آخرون، بعضهم أتم الموسم، والبعض الآخر فسخ عقده وسرح، وحتى الأندية الكويتية والعمانية والبحرينية عملت في هذا الاتجاه، ولو أنها تعاقدت مع لاعبين أجانب أقل شهرة.

الآن وبعد التجارب الكثيرة للأندية الخليجية مع اللاعب الأجنبي النجم، لا بد من طرح السؤال، وهو هل تحققت الأهداف، أم إن الأخيرة بقيت مجرد أحلام، تحتاج سياسات أخرى لتجسيدها.

الواقع الحالي للأندية الخليجية يؤكد أنها كانت الطرف الخاسر في تلك الصفقات المادية التي استفاد منها الطرف الثاني، وأن الأموال الطائلة التي صرفت على النجوم، ذهبت هباء منثورًا، من دون أن يوازيها مردود فني من قبل اللاعبين، الذين لم يفيدوا بالقدر نفسه الذي استفادوا به، باستثناء الأقلية منهم.

فالمدرجات لا تزال شبه شاغرة، ولتعميرها لجأت الأندية الخليجية إلى الاستعانة بنجوم عرب، لعلهم يجلبون مواطنيهم من الجاليات العربية، ذلك أن اللاعب الأجنبي النجم ومهما علا اسمه، لم يقدم ما كان منتظرًا منه، وفنيًا كان صفقة فاشلة، ولأن الأندية لم تراعي المعايير الفنية المطلوبة في مثل هذه الحالات، فقد انتدبت لاعبين مستهلكين ومتقدمين في الأعمار، لم يعد لديهم أصلاً ما يقدمونه، وبعضهم جاء إلى الخليج وهو يعاني إصابات خطرة، وطوال الموسم لم يلعبوا سوى مباريات نادرة، وهو ما زاد من نفور الجماهير من حضور المباريات، وقليل منهم من بقي دوليًا بعد مجيئه إلى الخليج.

أما على صعيد النتائج فإنها لا تزال متواضعة، فمسابقة دوري أبطال العرب، وعلى مدار نسخها الست، احتكرت من قبل أندية شمال إفريقيا، التي فازت بهذه البطولة خمس مرات، وتركت واحدة لنادي اتحاد جدة السعودي، وفي دوري أبطال آسيا، فإن مجموع ما فازت به الأندية الخليجية مجتمعة من بطولات هو ستة فقط، منها أربعة للسعودية، وواحدة لكل من قطر والإمارات منذ إنشاء المسابقة عام 1967. 

أما بنظامها الجديد فقد فاز بها الخليجيون في ثلاث مناسبات فقط، ولا يزال القطريون صائمين عن التتويج بها منذ إنجاز السد عام 1988، والإماراتيون منذ إنجاز العين عام 2003، والسعودية منذ ازدواجية اتحاد جدة 2004 و2005، في وقت تسيطر عليها أندية شرق آسيا، خاصة الكورية، بفضل لاعبين مغمورين، لا أحد يسمع عنهم، بدليل أن الأندية الكورية وحدها توّجت بهذه المنافسة تسع مرات، واحتلت مركز الوصافة أربع مرات، وتليها الأندية اليابانية بخمس مرات.

بل و يمكن القول إن الخيبات الخليجية في هذه المسابقة القارية تزامنت مع الوجود المكثف للاعبين الأجانب النجوم، الذين أصبحوا عبئًا على أنديتهم. وحتى المسابقة الآسيوية الثانية كأس الاتحاد بقيت خارج حسابات الفرق الخليجية، التي لم تفز بها سوى مرتين، بفضل الكويت الكويتي عام 2008، والمحرق البحريني عام 2009، وراحت بقية الكؤوس إلى الأندية الأردنية والسورية، رغم أن هذه المنافسة لا تشارك فيها أندية الشرق القوية.

حتى على الصعيد المحلي، فإن البطولات بقيت حكرًا على الفرق نفسها، التي كانت تسيطر عليها في الثمانينات والسبعينات من القرن الماضي بلاعبين محليين.

أما بالنسبة إلى اللاعب الخليجي فإنه مثل ناديه، خرج الخاسر الأكبر من وجود هؤلاء النجوم، وأصبح غريبًا في أرضه وبين جماهيره، حيث فقد مكانته الأساسية، وتحول إلى لاعب درجة ثانية، سواء فنيًا أو ماديًا وحتى إعلاميًا ومعنويًا، وكانت لذلك انعكاسات سلبية على مردوه وأدائه مع المنتخب الوطني، خاصة في بعض المراكز المحتكرة في الأندية من قبل الأجانب، على غرار الخط الهجومي، ومعها بات مدرب المنتخب يجد صعوبات كبيرة في اختيار تشكيلته، وهو ما كان أحد أسباب لجوء بعض المنتخبات إلى تجنيس بعض اللاعبين لتعويض النقص الفادح في اللاعبين المواطنين.

وفي الوقت، الذي كان الجمهور ينتظر رؤية اللاعب الخليجي يحترف في أوروبا، فإذا به يصاب بخيبة أمل، وغدا ذلك حلمًا بعيد المنال.

حتى من الناحية المالية، فإن الأندية الخليجية خسرت الكثير من الأموال من دون أن تسترجع ولو نسبة منها، فهي تتعاقد مع الأجانب من دون أن تضع شروطًا جزائية تحمي مصالحها، في حال فسخت عقدوهم، مثلما هو معمول به في كل أنحاء العالم، مما شجع الكثير من اللاعبين على الرحيل، قبل انقضاء تلك العقود، والبعض الآخر رحلوا إلى أندية أخرى، وبعضهم عاد إلى أوروبا مجانًا، بل العكس هو الذي حدث، إذ إن اللاعب هو الذي يملي شروطه على النادي، حيث يشترط عقدًا عاجلاً، لا يتجاوز الموسم الرياضي الواحد، مستغلين تلك الرغبة الجامحة للأندية في التعاقد معهم، وكأنه لا يوجد غيرهم.

ومما يؤكد فشل تلك الاستراتيجيات التي اعتمدتها الأندية في الخليج هو التغيير الكبير الذي طرأ عليها في المواسم الأخيرة، حيث قلّ عدد النجوم في الملاعب الخليجية، وأصبحت الأندية تركز أكثر على اللاعبين اليافعين الأقل نجومية، مثلما تقوم به الأندية الكورية أو اليابانية، أو انتداب اللاعبين العرب، الذين يقدمون مستويات أفضل وأسعارهم أقل.

وما يقال على اللاعبين يمكن أن ينطبق أيضًا على المدربين، فالخليج أصبح بمثابة المحطة الأولى أو الأخيرة، فتجدهم إما مغمورين يخوضون أولى تجاربهم مع أحد الأندية الخليجية ليتم اكتشافهم أو مستهلكين عاطلين عن العمل يأتون إلى الخليج لأخذ مرتبًا مريحًا.

أمام هذه الحقائق الميدانية فإن المطلوب من الفرق الخليجية مراجعة حساباتها الفنية والسير على منوال أندية شرق القارة، التي إلى وقت قريب، كانت تفتقر أدنى المقومات فإذا بها غدت تسيطر بالطول والعرض على المسابقات القارية للأندية وللمنتخبات.

المصدر : ايلاف

Total time: 0.0844