مذكرات ليست شخصية ( 17 )
ألنكبة : رؤيا لكشف خيوط المؤامرة
عباس عواد موسى
كلامٌ قرّر أن يُباح
أبلغني السيد مفيد شرف ( إبن مدينة نوى وشاعر الثوار ) , أنه غادر مدينة الرمثا الأردنية المحاذية لمدينة درعا السورية , بعد أن أحسّ بمتابعة نظام بشار له . فحال قدوم إبن
شقيقه منير ( إياد ) من الكويت للأردن بهدف الزواج وتجديد جواز سفره في السفارة السورية بعمان , فوجيء باحتجازه فيها , ومحقق علوي يسأله عن عمه مفيد الذي كان قد تحدث لقناة تلفزيونية سورية مؤيدة لانتفاضة الشعب على النظام الفاسد وأعوانه العملاء الجبناء . روساً كانوا أو صرباً أو عجماً أو عرباً ( شرقيين أو غربيين ) . وأخبرني عن الفرس المجرمين الذين شاركوا الغزاة في عدوانهم على أفغانستان والعراق ورقصوا معهم برفقة أنصار نظام التوازن الإستراتيجي الكاذب , فهم يقتلون الأبرياء العُزّل نهاراً جهاراً , وأظهروا حقدهم الدفين على الأمة جمعاء . وقام النظام بفصل زوجته من عملها في المركز الصحي ب ( نوى ) , فاضطرت للهرب إلى الأردن للّحاق بزوجها , لأن الفصل يتبعه القتل .
منذ عشرة أيام , أصبح منتسبوا كتيبة النووي , يدافعون عن شعبهم الأعزل بإمرة الجيش السوري الحرّ , وغدوا جنوداً في صفوفه , لتعزيز صفّ المعارضة . وقائد الكتيبة ( غازي أبو السلّ ) غيّر هو الآخر مكان إقامته , وغادر مدينة الرمثا أيضاً .
أللاجئون الفلسطينيون في سوريا , يشهدون موجة نزوح جديدة , وهذه المرّة , مع الشعب السوري , يتذكرون أيام النكبة الأولى عام 1948 . وهكذا , لم يعد من شكّ في أن الفلسطينيين هم ضحايا أنظمة حكمت شعوبها بقوة السلاح والإرهاب , وسمحت للكيان الصهيوني أن يفرض سلامه إرهاباً . وفيما تسمعهم , يحدثونك عن نكباتهم , فإنك لا تجد فرقاً بين مجازر الهاغانا ومجازر شبيحة بشار الفارسي ومجوسه التابعين القادمين لتأمين نظامه من الإنهيار . فقد أعانهم على مواجهة قادسية صدام , وشارك الأمريكيين في مؤامرتهم على العراق لتسليمه لإيران , لخلق حلفٍ لا يزال يسعى لتحقيقه . كلّ ذلك , بسبب التردي الذي أصاب مصر الكنانة بعد أن قادها المفسدون في الأرض , فأتوا بالزنادقة على رأس الأزهر لصياغة مؤامراتهم القذرة واشتروا بآيات الله ثمناً قليلا .
دور القذافي في اغتيال الشهيد فتحي الشقاقي
في أواسط شهر آب عام 1989 , إضطررت لتبديل غرفتي في قرية جنزور السياحية بطرابلس الغرب لينام فيها الإعلامي العراقي ( طالب عبدالأمير ) الذي رافقني في نفس الطائرة بصحبة عميل الموساد ( عبدالقادر صالح ) , ألذي اغتال الشهيد (فتحي الشقاقي ) في مالطا حسب إفادته للأمن السوري لاحقاً . و طالب عبد الأمير كان قد نجا من محاولة اغتيال بالسمّ في بلغراد , بتدبير من عميل الموساد ( إبراهيم خليل الأيوبي ) ألذي كان يخترق الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين , وإبن خالته ( أمجد يوسف إبراهيم البرش ) الذي كان يخترق الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين . والعميل الأيوبي شريك للعميل ( أشرف قمصية ) في جريمة قتل ( وليد قمحاوي ) التي تمت في مدينة ( نوفِةْ ساد ) عاصمة إقليم فويفودينا . وقد اعترف العميل قمصية بفعلته للسجناء في المعتقلات الصهيونية , حيث تم غرسه في صفوفهم , ولكنهم اكتشفوه . واعترف كذلك عن كل مجريات الدورات الأمنية التي ابتعثته فيها الجبهة الشعبية إلى ألمانيا الشرقية التي كانت أجهزتها الأمنية تؤرق الموساد الإسرائيلي . وكان الجاسوس عبدالقادر قد حدّثني بمحاولة اغتيال طالب أثناء رحلة الطائرة , وحسب رؤيته فإن الموساد هدِفَ منها إذكاء الفتنة بين اليساريين الذين كان ينتمي إليهم العراقي طالب عبد الأمير والبعثيين .
كان نظام المقبور القذافي , يمنح الجاسوس عبدالقادر جوازاً ديبلوماسيّاً , ويغدق عليه بالأموال , وطلب منه أن يؤسس الإتحاد العام للطلبة العرب في أوروبا بعدما أوكل إليه إدارة تحرير مجلة الجديد في بلغراد . ولما عارضت المطلب وأفشلته أطلق عليّ أنصار المقبور القذافي صفة ( بلعوط ) .
ألأمن الفلسطيني , وضعه تحت المراقبة , فهو الوحيد الذي كان يعرف برحلة الشهيد الشقاقي أمين عام حركة الحهاد الفلسطيني إلى مالطا . وأمسك بحقيبته المليئة بالشيفرات ليعلن الأمن السوري إلقاء القبض عليه على الحدود بينما كان متوجهاً إلى لبنان , ليعترف بأنه جليس مقرب من بيريز .
ألموساد يخترق الفصائل والأنظمة
كنت أجلس وحيداً على طاولة في مطعم الشمس المقابل لسكن الطلبة ( غوتسِةْ ديلتشيف ) , في العاصمة المقدونية بعد عودتي من ليبيا , لأتناول طعام العشاء . عندما قدمت فتاة شقراء قدمت لي نفسها باللغة العربية الضعيفة على أنها مقدونية وإسمها ( ماريا كوكوبيسكا ) . ولما سألتها عن معرفتها المتواضعة بالعربية أجابتني بأنها زوجة الفلسطيني علي كويك الحامل للجنسية البريطانية . وعرضت عليّ الدخول في ديانتها الجديدة التي تسمح للمرأة بالزنا مرتين .
على الطاولة الثانية كان يجلس خمسة فلسطينيين , أحدهم هو المرحوم بإذن الله بسام أبوستة الذي استشهد جراء التعذيب في السجون الصهيونية , للإقرار بما أوردته وشاية إبن عمه عنه والذي كان يجلس إلى جواره وكلاهما من حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح , فقد كان غسان جاسوساً للموساد يخترق الحركة .
ألشهيد بسام , كان في السنة الرابعة بكلية الهندسة المعمارية , وحضر إليّ في وقت متأخر من نفس الليلة , ليحذرني من اليهودية الشقراء التي تسعى للقاء بأسماء محددة من الشبان الفلسطينيين , كان أولهم , سمير الطوباسي رئيس الإتحاد العام لطلبة فلسطين . وأن من تدّعي أنه زوجها ( علي كويك ) فقد أتى لمقر الإتحاد برفقتها , ليفتح إليها طريق العبور للإختراق الأمني .
هي لم تكن تعرفني من قبل , عندما قالت لي أنت مثقف جداً , ولسانك فصيح , وتستطيع تفسير آيات القرآن كيفما تشاء ديانتنا , فتشطب منه الآيات المزورة تماماً مثلما فعل زملائنا المسيحيون في الإنجيل واليهود في التوراة , فاستطعنا بذلك أن نُكَوّن كتابنا المقدس وهو الصحيح بالطبع , ومنه انطلق حوار الأديان .
تخطيط في الظلام
لم تحدث ضجة , للمفاوضات الصهيونية الفلسطينية التي كانت تستضيفها بلغراد . فعلى طاولة في مكان ما منها كان يجلس الصهاينة وأوليائهم لا يتحاورون بل يُخططون لإجهاض النضال الوطني . وقد أجاب الطيب عبد الرحيم على استفسار طالب فلسطيني : ماذا لو امتدت الإنتفاضة الفلسطينية لأراضي 1948 ؟ سأجيبك في المقهى بعد أن نشرب زجاجتين من البيرة .
شهدنا مناطق الداخل الفلسطيني الأخضر تشتعل غضباً على العدوان الصهيوني على غزة , وشهدناها هذه الأيام تنتفض لذكرى النكبة . وأما الضفة الغربية حيث تتواجد السلطة الزائفة فالسجن والتعذيب والملاحقة والمطاردة هو مصير كل فلسطيني تسوّل له نفسه بمقاومة الإحتلال , والذين قضوا في سجون سلطة كازينو أريحا يفوق عدد الذين قتلهم تعذيب الإحتلال , فالعميل للعدوّ أخطر منه .
وثيقة المحامي الخريشا
قبل سنوات خلت , نشرت أسبوعية ( ألأردن ) التي يملكها الأستاذ موسى زيد الكيلاني , قضية امتلاك الصهاينة لأراضٍ أردنية . بحسب وثائق شارونية . لكن الأستاذ المحامي راكان رفيفان الخريشا , أعطاني مشكوراً قضية كانت بين يديه , مُلخصها , أن مورث المدّعين المقبور ريتشارد هافز يملك في محافظة السلط قطع الأراضي رقم ( 1 ) حوض رقم ( 135 ) ورقم ( 1 ) حوض رقم ( 136 ) وحوض أم قطفة ورقم ( 1و 2) حوض حمرة
وحوض رقم ( 137 ) أم قطفة والتي يبلغ مجموع مساحاتها ثلاثة عشر ألف دونم وثلاثمائة وتسعة وثمانين متراً مربعاً بموجب شهادة صادرة عن مدير تسجيل أراضي السلط وقد آلت ملكيتها للمدعين . لكن رئيس الوزراء أصدر أمر دفاع رقم 27 لسنة 1960 بمقتضى المادة ( 2 ) من نظام الدفاع رقم ( 2 ) لسنة 1939 أنه وبناءاً على ما اقتضته المصلحة العامة من إقامة منشآت للقيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية فقد تم الإستيلاء على قطع الأراضي التي يملكها المدعون بموجب نظام الدفاع المشار إليه , وتم نشر ذلك في الجريدة الرسمية في عددها رقم ( 3270 ) . بيد أن المُدّعون الذين لم تتم مفاوضتهم , وعلى اعتبار أنهم غائبون حيث تمت مخاطبة مساعد التفويضات وحارس أملاك العدو كون القطع المستملكة موضوعة تأميناً لدين الدائن يعقوب طون صهيون وهو من رعايا العدو لقاء مبلغ وقدره ( 13333 ) دينار و ( 326 ) فلساً بموجب سند التأمين رقم 110 سنة 1943 في الأول من حزيران من نفس السنة . وقد تخلّى نجل المجاهد رفيفان الخريشا عن القضية التي كان سيتقاضى مقابلها مبلغ مليونا دينار وستمائة ألف دينار , لكن الحكومة اضطرت لتسويتها ودفعت للصهاينة مبلغ ستة وثلاثين مليوناً ونصف المليون دينار . قال لي وأنا أهُمّ بالخروج من مكتبه في جبل اللويبدة توفي أبي وهو يوصيني بالثأر من المجرمين الصهاينة , ولا زلت أنتظر لحظة إعلان الجهاد ليسبقني صغاري هناك ووعدني بنسخة من مذكرات أبيه .
أللاجئون المنكوبون بين الروابدة والبطيخي
شكّل عبدالرؤوف الروابدة أولى حكومات العهد الجديد , وكان على غير انسجام مع سميح البطيخي مدير المخابرات وقتئذٍ . وذات موعدِ قرره لمؤتمر صحفي أعلن البطيخي هو الآخر نفس الموعد لمؤتمرٍ صحفي آخر له على غير المألوف عندنا من مدير للدائرة الأمنية ليقول فيه إن الأردن ينتظر التعويضات عن قضية اللاجئين . في ذلك الوقت كان اليهود يطرحون مطالباتهم بتعويضات عن أملاكهم في المغرب واليمن وليبيا وسوريا ومصر وتونس والعراق وغيرها من بلداننا , وكانوا يقولون أملاكنا أكبر من تعويضاتكم .
ألربيع العربي والمسار الأمني
أللاجئون الفلسطينيون , ينتظرون انتصار الشعوب العربية على الأنظمة الإستبدادية , وكشف كل خيوط المؤامرة التي لحقت بهم . ولا زالت تجرهم من نكبة إلى أخرى . كان يسيراً على الموساد أن يعبث بأمن البلدان العربية المُنصاعة لأوامره , ولكنه أخذ يفقد هذه السطوة في ظلّ انتفاضات الشعوب العربية التي استقت من وعي التجارب ما يؤهلها للإمساك بزمام الأمور , وإنهاء الإحتلال وتحرير كل فلسطين .
مذكرات ليست شخصية ( 17 )
اخبار الساعة - عباس عواد موسى
المصدر : عباس عواد موسى