أخبار الساعة » دراسات ومتابعات » دراسات وتقارير

قراءة في البعد الاستراتيجي حول حقيقة أبعاد الموقف السعودي- الخليجي في الأزمة اليمنية في ضوء إرهاصات المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية المزمنة !!!

- د.طارق الحروي
 مما تجدر الإشارة إليه بهذا الشأن قبل الخوض في خضم هذا الأمر إن وجهة نظرنا التي سوف استعرض بعض أهم ملامحها الرئيسة تأتي باعتباري متخصص في الشئون الاستراتيجية الذي يعد الملف الخليجي واليمني- السعودي منه خاصة واحدا من الملفات الأساسية التي تقع ضمن دائرة اهتماماتي والتي مازلت أحث الخطى باتجاه التعمق أكثر فيها واستيعاب حيثياته وهذا ما حاولت تناوله في عشرات المقالات المنشورة لنا بهذا الشأن يأتي في مقدمتها مقالاتي المنشورة في مجلة مدارات الصادرة عن مركز سبأ للدراسات الإستراتيجية، صنعاء، ع (6)، نوفمبر/ ديسمبر 2010م بعنوان (تكتيك آني أم رهان إستراتيجي: مُسألة طموحات اليمن الخليجية) أو من على صدر الصحافة المحلية الالكترونية وصحيفة الوسط بعنوان (حركة التغيير  شبه الصامتة في اليمن: محطات بارزة نحو ولوج مرحلة دولة النظام والقانون المنشودة)، و(العلاقات السعودية- اليمنية: لمحات بارزة نحو ولوج المرحلة الذهبية المنشودة...) و(إرهاصات حركة التغيير في اليمن: حقيقة الموقف  السعودي...)...الخ.
  • من نافلة القول أن طبيعة حقيقة أبعاد الموقف السعودي- الخليجي الذي جسدت أبرز مؤشراته الرئيسة في المضمون نص المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية المزمنة، وفي الشكل إرهاصات الدور المحوري الذي لعبته ابتداء من الإعلان عنها وما بذلته من جهود حثيثة في متابعة كافة تفاصيلها مع كافة الأطراف الداخلية والخارجية، ومرورا بمراسيم الإشهار الرسمي لها سواء من ناحية الحضور النوعي الملفت للنظر لكل أعمدة الأسرة السعودية الحاكمة والنظام السعودي في سابقة لا مثيل لها في تاريخ العلاقات اليمنية- السعودية والخليجية قاطبة أو من ناحية الحضور النوعي للأطراف المحلية والإقليمية والدولية المعنية، وانتهاء بما قدمته من تعهدات رسمية وغير رسمية في إنفاذها على أرض الواقع في تطور جذري ينبئ عن تحولات مهمة جدا في واقع العلاقات الإقليمية ومن ثم الداخلية لدول شبه الجزيرة العربية...الخ.
  • قد فرضت علينا ضرورة التعمق أكثر في حيثيات المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية المزمنة، ضمن سلسلة أوسع كنت قد بدأتها منذ فترة ليست بالقصيرة أخذت عنوان (قراءة في أبجديات خارطة الطريق الجديدة لإرساء مداميك الدولة المدنية البحرية الحديثة)، في محاولة للحصول على بعض الإجابات المفسرة لذلك التساؤل المحوري الأكثر إثارة لدي الكثيرين من قطاعات الرأي العام والمهتمين والمختصين منهم- بوجه خاص- والذي من خلالها سوف يتسنى لهم الإحاطة بواحدة من أهم الحقائق الدامغة المجسدة لطبيعة حقيقة أبعاد هذا الموقف، بصورة سوف يتمكنوا من خلالها من الخروج الأمن من حمى التفسيرات السطحية المثيرة للجدل للعام التي ما أنزل الله بها من سلطان !!!
  • والذي مفاده هل الموقف السعودي- الخليجي من الأزمة اليمنية مجرد حدث عرضي يغلب عليه الطابع المرحلي- التكتيكي يدخل ضمن أوراق اللعب المتعارف عليها فيما بينها يجسد مواقف ومن ثم مصالح الأنظمة القائمة أو تيارات نافذة بعينها وصولا إلى قوى دولية وإقليمية بعينها أكثر منه المصالح الوطنية العليا ؟ أم هو موقف مبدي موضوعي تقف ورائه اعتبارات عديدة يغلب عليها الطابع الاستراتيجي- المصيري يجسد أولويات المصالح الوطنية العليا لدولها ويراعي مصالح الأطراف الدولية والإقليمية المعنية إلى حد كبير، فرضته المعطيات الظرفية السائدة في البيئتين الداخلية والخارجية ؟
  • نرد على ذلك بالقول إن تتبع مجريات الأحداث الرئيسة بهذا الشأن تدلل بما لا يدع مجالا للشك أننا نقف بالفعل أمام موقف مبدي تقف ورائه اعتبارات عديدة ذاتية وموضوعية يغلب عليها الطابع الاستراتيجي فرضته المعطيات الظرفية السائدة في البيئتين الداخلية والخارجية منذ مطلع القرن الحالي لكن لم يتسنى له تحقيق هذه الانعطافة النوعية إلا منذ النصف الأول من العام الماضي ناقشنا أبرز مؤشراته في مقالاتنا المشار إليها آنفا.
  • وبمعنى أخر أكثر دقة فإنه طبيعة حقيقة أبعاد هذا الموقف تتمحور بالدرجة الأساس حول طبيعة حقيقة المصلحة الحيوية لا بل والمصيرية المرجوة للسعودية ودول الخليج العربي ومن ثم للمجتمع الدولي في ما أبدته من حرص شديد ليس على أهمية تجنيب اليمن الدخول في سيناريو الانفلات الأمني ومن ثم الاحتراب الأهلي فحسب، بل وأيضا وتحمل مسئولياتها كاملة كلا بحسب دوره ومصالحه...، من خلال السعي الجاد وراء المساهمة بفاعلية في ضرورة الانتقال الأمن لليمن إلى مرحلة دولة النظام والقانون والتنمية الشاملة والمستدامة ناقشنا أهم مؤشراته في مقالنا المشار إليه آنفا بعنوان (إرهاصات حركة التغيير في اليمن.....).
  • ومن هذا المنطلق يسعنا إلى حد كبير تلمس الجزء الأكبر والمهم من حقيقة الموقف السعودي- الخليجي ومن ثم الدولي من طموحات اليمن المشروعة في دولة مدنية بحرية حديثة، في ضوء ما أصبح يمثله هذا الأمر برمته من ضرورة قصوى للاستقرار والأمن الخليجي- السعودي ومن ثم الدولي، سيما في ضوء ما توصلت إليه دوائر صنع القرار السعودي والأمريكي- الغربي من قناعات راسخة مهمة جدا حول أهم الطرق الأكثر كفاءة لمعالجة استمرار تنامي ظاهرة التطرف التي أصبحت عليه قطاعات شبه واسعة من فئات الشعب اليمني وظاهرة تفشي التنظيمات الإرهابية والجماعات الخارجة عن النظام والقانون في اليمن منها- بوجه خاص- الأكثر خطرا على مصالحها، والتي أصبح من الصعب احتوائها ومواجهتها في اتجاه التقليل من آثارها وتداعياتها ومن ثم تقليصها وإيقافها، إلا من خلال إستراتيجية وطنية تقوم على فرض النظام والقانون وولوج مرحلة التنمية الشاملة والمستدامة من أوسع أبوابها تحظى بشتى أشكال الدعم الداخلي والخارجي.
  • تتمحور أبرز معالمها الرئيسة في الحيلولة دون انفراط عقد البلاد والسعي الجاد وراء تأمين ولوج اليمن بقوة إلى أتون مرحلة النظام والقانون والتنمية الشاملة والمستدامة المنشودة سواء أكان ذلك منبعه اعتبارات لها علاقة وثيقة الصلة بأولويات المصلحة الحيوية للدول المعنية، على خلفية طبيعة ومستوى ومن ثم حجم التحديات المصيرية التي تواجه كلا من السعودية واليمن، ومن ثم البيئة الإقليمية لدول الخليج العربية برمتها أم اعتبارات لها علاقة وثيقة الصلة بما لليمن من استحقاقات عليها حصلت عليها بجدارة واقتدار؛ جراء ما بذلته من جهود حثيثة ومضنية في معاودة التكيف مع محيطها الخارجي، في ضوء ما أبدته من استعدادات ومن ثم ما قدمته من تنازلات لرأب الصدع واحتواء وإنهاء كافة بؤر التوتر بدون أية شروط مسبقة أو الاثنين معا- هذا من جانب.
  •  وما سوف يمثله دخول المتغير اليمني للبيئة الخليجية من أوسع أبوابها بالاستناد على مبدأي الشراكة الحقيقية والمصير الواحد والتي أصبحت دول الخليج نفسها بأمس الحاجة إليه أكثر من أية وقت مضى، من تطور نوعي في واقع المنظومة الداخلية والإقليمية لدولها التي تأن تحت وطأة منظومة شبه متكاملة من الاختلالات الحادة في كافة مناحي الحياة، بصورة جعلتها عرضة لأشد الأخطار المحدقة بها من كل حدب وصوب- من جانب أخر ليس هذا فحسب.
  • لا بل وما أصبحت تفرضه طبيعة ومستوى ومن ثم حجم المصالح الحيوية للقوى الإقليمية والدولية صاحبة المصلحة المشتركة بهذا الشأن، التي أصبح من المهم بالنسبة لها وجود دولة يمنية لها كيان بحري يعتد به، تمتلك مصادر القوة والقدرة على فرض هيمنتها على الشريط الساحلي وما يتبعه من مضايق وخلجان وجزر، في ضوء استمرار تنامي حالات التدهور الأمنية الحادة في نطاق حدود البيئة الإقليمية الجنوبية للبحر الأحمر وما يجاورها، على خلفية استمرار تنامي حدة المخاطر وضخامة التحديات الداخلية والخارجية المحيطة بها من كل حدب وصوب، التي يأتي على رأسها (الجرائم المنظمة وغير المنظمة كـ" التهريب، السلاح، المخدرات، غسيل الأموال، الاصطياد غير المشروع، تدمير منظم للبيئة البحرية، انتهاك للمياه الإقليمية،....."، اللاجئون الأفارقة، الجماعات الإرهابية والجماعات الخارجة عن النظام والقانون، القرصنة البحرية،....).
  • نظرا لما يمثله هذا الأمر من أهمية متنامية لها في اتجاه ضمان تأمين مصالحها الحيوية بأقل الجهود والتكاليف الممكنة، سيما في ضوء ما يعنيه ذلك من ضمان توفر لمعظم البني التحتية البحرية الضخمة بكافة مستلزماتها اللازمة لأساطيلها البحرية التجارية والحربية العابرة والقاطنة بالقرب في مياهها الإقليمية، والتي أصبحت بحاجة ماسة لها أكثر من أية وقت مضى، على خلفية ما يمثله متغير التواجد العسكري والأمني الأجنبي المباشر على الأراضي اليمنية من مخاطر منظورة وغير منظورة على المصالح الأمريكية- الغربية كما أشرنا إلى بعض أهم مؤشراته في أحد أبرز مقالاتنا المنشورة تحت عنوان (قراءة في البعد الاستراتيجي: اليمن وإمكانية التحول إلى دولة بحرية عظيمة) .        
  • ومن هنا تتضح أمامنا بجلاء حقيقة طبيعة ومستوى ومن ثم حجم الدور الذي لعبته السعودية ومن خلفها المجتمع الإقليمي- الخليجي والدولي في إرهاصات المشهد اليمني منذ نهاية الشهر الثالث من العام 2011م، التي أعلن فيها الشعب اليمني موقفه المبدئي الواضح وضوح الشمس في كبد السماء مع الشرعية الدستورية وطموحاته وخياراته المشروعة؛ من خلال الدور المحوري الذي لعبه التيار الوطني المعتدل بقيادة الملك عبدالله بن عبد العزيز الذي استطاع اغتنام هذه الفرصة التاريخية لا بل والذهبية، بما يتفق والمصلحة الحيوية الوطنية العليا للشعب السعودي والخليجي قبل وبعد كل شيء.
  •  كي يفرض أجندته بقوة على خط سير الأحداث الرئيسة في السعودية واليمن منذ تلك اللحظة، والتي وفرتها لحظة استعادة التيار الوطني المعتدل بقيادة الرئيس علي الصالح توازنه الكلي المفقود منذ انتهاء حرب صيف عام 1994م، في أعقاب ميل الكفة على أرض الواقع والشعب منه خاصة لصالحه بصورة شبه كليه، سيما في ضوء النجاحات الساحقة التي حققها بالتعاون والتنسيق مع نظيره اليمني ليس في إيقاف سيناريو إسقاط النظام السياسي وانفراط عقد البلاد فحسب، بل- وأيضا- توفير الضمانة الأكيدة واللازمة لإمكانية ولوج اليمن مرحلة الدولة المدنية الحديثة المنشودة.
  •  في ضوء استمرار تنامي حالات التغيير الجذرية في مدركات دوائر صنع القرار السعودي ومن ثم سياساتها المتبعة إزاء اليمن التي تؤسس لقيام شراكة حقيقة بل ومصيرية ضمن منظومة متكاملة من الرؤى والتوجهات المستقبلية سوف تبرز ملامحها الرئيسة واضحة وجلية مع مرور الوقت، وفي نفس الوقت تتويج مهم لهذا المسار الذي بدأت أول ملامحه الرئيسة في الظهور منذ نهاية عقد التسعينيات.
  •  سيما أنها- في نهاية المطاف- سوف تشكل إمتداد مهم جدا لمسار السياسات الإجرائية في المرحلة الحالية التي برزت في بعض أهم معالمها الرئيسة، ابتداء من التخلي عن سياساتها التقليدية ومن ثم حلفائها المحليين والسعي وراء إقامة علاقات رسمية مسئولة وشفافة مع كيان الدولة اليمنية الحديثة، ومرورا بالتكفل بتوفير كافة مستلزمات إنجاح حفل التوقيع على المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية المزمنة والحضور النوعي لأركان السلطة السعودية في بادرة غير مسبوقة في تاريخ العلاقات بين البلدين، وانتهاء بالتعهد أمام العالم بتحمل كافة تبعات المسئولية التاريخية في إنفاذ المبادرة على أرض الواقع، والحفاظ على أمن واستقرار ومن ثم وحدة التراب اليمني.
  • ومن هذا المنطلق في الختام وضمن هذا السياق وفي هذا التوقيت تحديدا برز الموقف الخليجي- السعودي بأبعاده الدولية وبكل هذا الوضوح والشفافية ومن ثم الاستعداد غير المطروق مسبقا لتحمل تبعات كامل المسئولية إزاء إخراج اليمن من محنتها، والمساهمة الفاعلة في ضمان الانتقال الأمن لليمن دولة وشعبا وتاريخا وطموحا إلى مصاف الدولة المدنية الحديثة بكل ما تحمله هذه العبارة من معاني ودلالات، واتضحت بموجبه حقيقة طبيعة ومستوى ومن ثم حجم الاهتمام الخليجي- الدولي بما يجري في اليمن.

                                                                                   والله ولي التوفيق وبه نستعين

 



([1]) باحث في العلاقات الدولية والشئون الاستراتيجية وكاتب ومحلل سياسي.

 

المصدر : الكاتب

Total time: 0.062