إننا نعشق التجارب المرة ونملك من اللامنطق ما يكفينا أن نرخي مشاعرنا، ونهمل خواطرنا، ونبذر دقائقنا، ونعزز كسلنا، لنسطو به على مبادئنا الشفافة يوما ما.
إننا نشكو من سبات الضمير ولكننا نسبح مع تياره، دائما ما نفكر في التشييد والتغيير ولكننا نساهم بطريقة ما في انهياره، ونعارض أسسَ التدمير، وفي الخلوة كلٌ يخفي أسراره، ثم تأتينا صحوة لا منتظرة، وما أبدع سخفنا وما أسخف إبداعنا، عمداً، نقف فيها متضامنين بشدة مع أنفسنا ضد أنفسنا ذاتها، نشعر بالضعف قبل أن نقوى ونزيد شراسة حين يتعقل الناس بيننا، ونضجر حين يرهبنا السكون ولكننا نشتاق إليه حين تجتاحنا الضوضاء، لا نكاد نقاوم جزءا منا، هو مكرنا، فنلين راضيين به لنجعل ذلك يبدو وكأننا أصبحنا جزءا منه، نشتهي عبودية شهواتنا، فنقتنع بلامنطقنا أن الزمن سيغيرنا، إنها فرصتنا لنكون ضحيته قبل أن يكون ضحيتنا. ينفدُ رضوخنا حين نجالس الأنا ونتصفح بعضا من الذكريات التي نملها، فننزعج من حادثة شعرنا بالإنزعاج فيها، فنشرع في تغييرها كما نفضلها ونبتغيها، فهل ترانا نخون ماضينا أم حان الوقت لنطعن الزمن ببراءة، إننا نستميت في بؤسنا، ونُلح فيما يضرنا، ونشتد لألا ينصهر معدننا ثم نلين مرة ومرات أخرى، عسى أن نسيطر باحترام على أنانيتنا، هي عاداتنا التي نخشى أن نرفع الستار عنها، وبحذر نأبى الإفصاح عنها، فهل هي نفايات أسرارنا أو رفاة كينونتنا أم أننا نخفي ضعفنا فنبدي لمنطق بيئتنا بأنه مخالف لمنطقنا، ونتظاهر بذلك متيقنين بشكوكنا بدل الانسحاب من ظلمتها.
إننا نشبه حرف الهاء "هـ" في شكله، نلف بتأنٍ لنستوطأ إلى نقطة منطلقنا، نصنع العقد، ثم نسأل عن البساطة ونتحرش بذلك على غيرنا، ننتقد بلا منطق ومن دون استلطاف قواعد محيطنا، نُشرّح تعابير الوجود، نجيد الاستيضاح فيما لا يعنينا، ذاك شكل ذاتنا نختزله في حرف من حروف لغتنا، لا نهتم بما نملكه ونتعطش لامتلاك ما لا يلزمنا، طبعا، كيف لا ونحن نعشق التجارب المرة.