اخبار الساعة - د.طارق الحروي
- والرامية إلى احتواء وتقويض ومن ثم حرف وتشويه هذه المسيرة باتجاه إيقافها عن بلوغ مراميها المنشودة على مراحل متباعدة إلى يومنا هذا (وهذا أمر قد تم مناقشة الكثير من مؤشراته الرئيسة في مقالاتنا المنشورة)، على خلفية ما أصاب عناصر التيار التقليدي وشركائه من عجز مزمن في إمكانية استئصالها من المشهد الداخلي وصولا إلى القضاء عليها بشكل نهائي؛ جراء ما أحدثه دخول المتغير العراقي بقوة في أتون اللعبة السياسية إلى جانب التيار التحديثي التحرري.
- والتي أبتدات أول خطواتها الرئيسة بهذا الشأن بالرمي بكل ثقلها في اتجاه تجميد وتقويض ومن ثم إيقاف خطوات استكمال مرتكزات مشروع تأسيس وإرساء مداميك نواة أهم مشروع عسكري وطني (وحدات العمالقة)، باعتباره أول وأهم حلقة في مشروع حركة التغيير الوطني، والذي كان باعتقادي يتم التعامل معه- أيضا- من قبل عناصر حركة التغيير (تخطيطا وإعدادا وتنفيذا،...) كمحور ارتكاز أساسي في مشروع بناء وإرساء مداميك المؤسسة الدفاعية والأمنية الجديدة المنشودة وليس أقل من ذلك.
- باعتباره كان ومازال المدخل الأمثل الواجب الأخذ به شكلا ومضمونا عند بدء مهمة إعادة هيكلة الجيش والأمن على أسس وطنية ومهنية في المرحلة الثانية وما بعدها، في ضوء ما لليمن من خصوصية بهذا الشأن، والتي جاءت باعتقادي- تبعا- للأهمية المحورية الأكثر إلحاحا المعطاة للمكون العسكري مقارنة بالمكونات الأخرى، والتي يتوقع أن تكون قد قطعت شوطا مهما في تحديد الجزء الأكبر والمهم من ملامحها الرئيسة لا بل وانفذت جزء منها ضمن إطار حيثيات خارطة الطريق الجديدة في خطوطها الأولية المعنية بنقل اليمن إلى مصاف الدولة المدنية الحديثة المنشودة.
- سيما في حال تم النظر إلى هذا الأمر من ناحية السعي وراء محاولة ضمان تحقيق الاستفادة القصوى من عامل الوقت والسرعة والكلفة- وفقا- لطبيعة حيثيات التجربة التي ولجتها في تأسيس وحدات العمالقة، بما يضمن لليمن مراعاة جوانب مهما جدا من خصوصيتها، عند استحضار الكثير من حيثيات التجارب في بناء الجيوش، والتي من خلالها سوف يتم إعادة مراجعة نقاط القوة والضعف في هذه التجربة؛ بما يحسن من جودة المنتج كما أشرنا إلى الكثير من مضامينها وأبعادها الرئيسة مسبقا ضمن إطار هذه السلسلة.
- وفي نفس الوقت مراعاة أن هذا الأمر سوف يستغرق وقتا طويلا من عمر بناء الدولة، في ضوء ما يتسم به الواقع الداخلي والخارجي من معطيات ظرفية مناهضة وطاردة إلى حد كبير، وبالتالي حاجة اليمن الماسة لمؤسسة عسكرية نوعية لحماية مسيرتها وتعطي النموذج الحي بشقها المادي والمعنوي في طبيعة ومستوى ومن ثم حجم الانجاز والطموح.
- وانتهت في أحد أهم جوانبها الرئيسة بما استطاعت عناصر وقوى التيار التقليدي وشركائه أن تحققه من نجاحات كبيرة في الالتفاف بقوة على معظم السياسات والإجراءات المعلنة وغير المعلنة المتخذة باتجاه البدء بخطوات إعادة هيكلة الجيش والأمن وتفريغها من محتواها ومضامينها الوطنية، سيما في ضوء وقوع معظم موارد وإمكانات الجيش والأمن تحت هيمنتها شبة المطلقة.
- ومما لا شك فيه بهذا الشأن أن مصير هذه العملية برمتها لم يكن لها أن تبلغ مداها ومراميها المنشودة بما حققته من نتائج مهمة جدا في المدى القريب والمتوسط والبعيد، إلا بالسعي إلى حد كبير وراء ضمان من وجود أية احتمالية لإمكانية حدوث أية انفلات داخل الأوساط العسكرية والأمنية- بوجه خاص- قد يقلب حساباتها رأسا على عقب، جراء طبيعة ومستوى ومن ثم حجم العناصر المستهدفة.
- لدرجة يصعب بموجبها احتوائه ومن ثم فقدانها زمام الأمور كلها من أياديها عند الشروع بها، سيما في حال ظلت قوات العمالقة خارج سيطرتها جراء وجود الرئيس وأخيه وثلة من رفاقهم، على خلفية وجود مؤشرات قوية تفيد أن هذه القوات في الآونة الأخيرة كانت قد أطلقت من خلال قائدها تحذيرات لها شأنها بجعل العاصمة صنعاء ساحة دامية لعملياتها العسكرية المقبلة في حال تجرأت أية جهة كانت المساس برموزها الوطنية ومكتسباتها، وهذا ما عزز من وجود احتمالية كبيرة لإحباط حلقات المؤامرة كلها من جذورها.
- لذلك لم يكن أمام عناصر التيار التقليدي وشركائه إلا خيار واحد؛ تعتمد عليه العملية برمتها ألا وهو الشروع بتبني سيناريو التصفية الجسدية السريعة لمؤسس مشروع حركة التغيير الوطني الرئيس ألحمدي وقائد مشروع المؤسسة الدفاعية الجديدة (العمالقة) الرائد عبدالله ألحمدي والبعض من رفاقهم في السلك العسكري والأمني ضمن نطاق حدود الدائرة الضيقة المحيطة بالرئيس الأكثر تأثيرا في النظام الوطني، ضمن إطار حيثيات الحلقة الأولى من السيناريو ألأممي المشار إليه في عشرات المقالات السابقة المنشورة.
- مع أبدته من حرص شديد على توريط أهم عناصر حركة التغيير الوطني فيها حضورا، بالاستناد إلى مؤشرات اختيار المناسبة الخاصة بالاحتفاء بعودة رئيس الوزراء والاطمئنان على سلامته وتوديعا للرئيس وبعض أهم رجال دولته الذي كان على وشك السفر إلى عدن، ووضعهم أمام الأمر الواقع، ثم أمام مسئوليتها الوطنية والتاريخية لاحتواء ومن ثم تجاوز ما جرى حفاظا على وحدة الصف الوطني والمصالح الوطنية العليا، فضاعت دماء خيرة أبناء اليمن ومن ورائهم مستقبلها ليس هذا فحسب لا بل وأسهم في استمرار حلقات المؤامرة كما كان مخططا لها.
- ومن هذا المنطلق بالتحديد فإن طبيعة المؤامرة التي تم حياكة خيوطها بهذا الشكل إن كانت مجمل إرهاصاتها الرئيسة تدور في حقيقة الأمر كغاية وهدف ذي طابع مرحلي واستراتيجي باتجاه النيل إلى حد كبير من أهم مرتكزات مشروع حركة التغيير الوطني ووحدات العمالقة منه- بوجه خاص- باعتبارها كانت محور الارتكاز الأساسي للمشروع برمته، فإنها لم تكن لتصل إلى ما وصلت إليه من نتائج مهمة جدا إلا من خلال استهداف شخص الرئيس وقائد وحدات العمالقة ليس باعتباره وسيلة ذات طابع مرحلي فحسب، لا بل وهدف ذي طابع مرحلي واستراتيجي.
- بمعنى أخر أكثر دقة فإن حقيقة الانتكاسة الحادة التي تم إلحاقها بحركة التغيير الوطني كانت بالدرجة الأساس تدور إرهاصاتها الرئيسة في تبني التيار التقليدي وشركائه لخيار يقوم في البدء على أهمية لا بل وضرورة إخراج الرئيس وأخيه دينامو حركة التغيير الوطني (والبعض من رفاقهم) بشكل نهائي من أتون اللعبة السياسية كلها في توابيت خشبية ضمن إطار حيثيات سيناريو التصفيات الجسدية المعد في أعلى المستويات القيادية في العالم.
- باعتباره الضمانة الحقيقية لإمكانية تقويض وإزالة أهم نقاط القوة المادية والمعنوية التي تمتلكها حركة التغيير الوطني بضربة حاسمة واحدة وبما يؤمن لها مرونة وانسيابية في حركة أهم الحلقات الرئيسة لهذا السيناريو في اتجاه النيل من معظم عناصر حركة التغيير الوطني وجزء مهم جدا من العناصر القريبة منها داخل أجهزة الدولة وخارجها المؤثرة في النظام الوطني من خلال ثلاثة مراحل متتابعة أشرنا إليها في مقالات سابقة.
- سيما في ضوء ما ترتب عنه من تغييرات كثيرة حالت إلى حد كبير دون وجود أية احتمالية لحدوث أية مواجهات طاحنة مباشرة بين مكونات عناصر التيار التحديثي والتقليدي- أولا- وبين وحدات العمالقة وبعض وحدات الجيش التي تخضع لهيمنة عناصر التيار التقليدي وشركائه- ثانيا.
- باعتباره كان أمر مستبعدا إلى حد كبير جراء تعارضه مع مصالح الأطراف الداخلية والخارجية التي تقف وراء كل ما جرى- وفقا- لطبيعة المعطيات الظرفية السائدة في البيئتين الداخلية والخارجية آنذاك، وهذا ما بدأ واضحا في ضوء ما جرى لمشروع حركة التغيير الوطني نظاما وشعبا وأرضا بعد نجاح عملية اغتيال رئيسها وقائد أقوى وحدة عسكرية في الجيش اليمني، بالاستناد إلى حيثيات (لعبة الدومينو) الأكثر رواجا بهذا الشأن.
وللحديث في هذا الأمر بقية,,,,,
والله ولي التوفيق وبه نستعين
([1]) باحث في العلاقات الدولية والشئون الاستراتيجية وكاتب ومحلل سياسي.
المصدر : الكاتب