بالاستناد إلى كل ما أوردنا في المحاور السابقة المنشورة في مقالاتنا ومن اجل أن تقبض اليمن بكلتا يديها على هذه الفرصة التاريخية الاستثنائية وكي لا تبقى رؤيتنا شكلية وقاصرة جدا يغلب عليها رد الفعل أكثر منه الفعل نفسه، بحكم أن الأمر برمته مرهون بنية وإرادة ومن ثم استعداد اليمن نظاما وشعبا وليس بغيرهم من الأطراف الدولية والإقليمية المعنية على الرغم من أهميتهم وأدوارهم بهذا الشأن التي لا يمكن تجاوزها أو تجاهلها لكن باعتقادي هم في نفس الوقت سوف يتجاوبون إلى حد كبير معنا ما دامت مصالحهم سوف يتم مراعاتها إلى حد كبير، بمعنى أخر أن اليمن هي التي يجب وليس ينبغي أن تقرر ماذا تريد على وجه التحديد هل تريد أن تشق طريقها الجديد بهذا الشأن أم لا ؟
- سيما أن اللحظة التاريخية في حد ذاتها التي تقف أمامها لم ولن تتكرر بالمطلق إلا بعد زمن طويل، يصبح من الأهمية لا بل والضرورة التفكير بجدية تامة وتفاؤل كبير حول نطاق حدود هذه الفرصة بكل معانيها ودلالاتها ذات الطابع الاستراتيجي وما تتيحه من إمكانات متعاظمة وفرص ذهبية تراعي إلى حد كبير عامل الوقت والسرعة والكلفة؛ في اتجاه البحث الدقيق في الكيفية اللازمة لتوسيعها، في محاولة للاستفادة منها إلى أقصى حد ممكن.
- فبدلا من الاكتفاء بالقفز خطوة واحدة في اتجاه ضمان الانتقال الأمن لليمن إلى مصاف الدولة المدنية الحديثة المنشودة دولة النظام والقانون، باعتبارها ضرورة حيوية ملحة اقتضتها اعتبارات عديدة لها علاقة وثيقة الصلة بطبيعة ومستوى ومن ثم حجم المصالح الوطنية ومصالح الأطراف الدولية والإقليمية المعنية صاحبة المصلحة الحيوية المشتركة (سوف نوردها في محاور أخرى من هذه السلسلة).
- نضيف إليها خطوة أخرى تزيدها عمقا وأثرا وتأثيرا بالسعي وراء تحويل اليمن إلى دولة بحرية مدنية حديثة لها شأنها ومكانتها المرموقة في المنطقة والعالم كما أشرنا إليها آنفا في المحاور السابقة؛ باعتبارها من وجهة نظري الخطوة الأكثر أهمية وقدرة على تحقيق الاستفادة القصوى من المكاسب المتوقعة والمنشودة من أهمية بروز متغيري الحدود البحرية والموقع الاستراتيجي؛ بما تتضمنه من مزايا إستراتيجية متعاظمة، من خلال تعظيم طبيعة ومستوى ومن ثم حجم الاستفادة مما وفرته هذه اللحظة التاريخية من فرص حقيقية غير مطروقة بهذا الشأن، سيما أنها سوف تقدم لليمن حلولا ناجعة ومثلى لكل مشاكلها بدون استثناء وعلى طبق من ذهب ليس هذا فحسب، لا بل وسوف تؤسس لليمن على أرض صلبة بيئة داخلية وخارجية حاضنة ومحفزة دائمة لطبيعة ومستوى ومن ثم حجم الدور الذي تطمح لأدائه وممارسته.
- بصورة تفضي إلى أن يصبح البحر محور ارتكاز أساسي في اهتمام اليمن دولة وشعبا القادمة كبوابة عملاقة لولوج مرحلة التنمية الشاملة والمستدامة من أوسع أبوابها- من جهة- ولصياغة وبلورة طبيعة ومستوى ومن ثم حجم أدوارها التي تطمح لأدائها في المحيط الإقليمي بأبعاده الدولية – من جهة ثانية- وكي ننقل هذا الأمر من نطاق حدود الأقوال إلى الأفعال يجب علينا تجسيد طبيعة ومستوى ومن ثم حجم النية والقدرة بهذا الشأن؛ من خلال وثيقة وطنية طموحة جدا تغطي الجزء الأكبر والمهم من المصالح الوطنية العليا على المدى القريب والمتوسط والبعيد يتم إقرارها في هذا المرحلة (الانتقالية)؛ تكون بمثابة خارطة طريق جديدة (برامج تنفيذية مزمنة) لبناء مداميك الدولة البحرية المدنية الحديثة المنشودة في الأربعين عاما القادمة وما بعدها.
- وهو ما يمكن إعادة بلورة بعض أهم معالمه الرئيسة في ثلاثة اتجاهات أساسية متلازمة تسير في خطوط متوازية ومتقاربة نحو غاية واحدة إقامة الدولة البحرية المدنية الحديثة المنشودة.
- يسعى الأول وراء تأسيس النواة الأولى لنموذج الدولة المدنية الحديثة بكل مرافقها الحيوية وبنيتها التحتية (تخطيطا وإعدادا وتنفيذا....) على طول الشريط الساحلي كنقاط ارتكاز محورية وأساسية، ثم تتوسع تدريجيا كي تغطي الأجزاء المحددة لها على الشريط الساحلي ثم نحو الداخل وهكذا، في حين يهتم الاتجاه الثاني بإرساء نموذج الدولة المدنية الحديثة المنشودة التي يجب أن تكون بمثابة مناطق حضرية للصهر عالية الجودة؛ تتولي مهام رفع وعي وسلوك ساكنيها وجاهزيتهم (حيث يتوزع السكان بين 73% ريف و27% حضر).
- كي تسير إلى حد كبير في خط متواز مع ما سوف يتم قطعه من تقدم في مجال الأعمار للتجمعات السكانية الحضرية، والقائمة على تطبيق النظام والقانون....، المنشود فيها والمجسد لكافة قيم ومبادئ العدالة والمساواة.....، والمعززة لكافة قيم الانتماء والولاء... لليمن دولة وشعبا وتاريخا وطموحا، التي يصعب إقامتها في الأجزاء الأخرى من البلاد التي تتركز عليها غالبية السكان (المرتفعات الجبلية الغربية بنحو 85 % نسمة من سكان اليمن).
- أما الاتجاه الثالث فإنه أكثر تركيزا واهتماما بتلك المهام الرئيسة التي يغلب عليها الطابع الرسمي والمتعلقة بإعادة حشد وتوجيه وتوزيع الجهود الرسمية القادمة في شكلها العسكري الأكثر انضباطا وغير الرسمية في شكلها المدني بطابعها الاستثماري الوطني والعربي والأجنبي باتجاه ولوج اليمن طور جديد من الصناعات والاستثمارات في مجال (التصنيع البحري المدني والعسكري).
- في مجال تلبية احتياجاتها ومتطلباتها البحرية الأولية وفي مجال تلبية الاحتياجات وتقديم الخدمات للسفن التجارية والحربية وطواقمها العابرة لمياهها والراسية في شواطئها....، التصنيع البحري في مجال الغذاء، الاستثمار السياحي بكل مرافقه الحيوية، الاستثمار الصناعي في مجال النقل والمواصلات البحرية والبرية،..، والموارد المعدنية والنفطية استكشافا وتكريرا وإنتاجا أو عبورا ضمن إطار (سياسة الأنابيب العابرة لأراضيه) تصديرا واستيرادا،....الخ).
والله ولي التوفيق وبه نستعين
([1]) باحث في العلاقات الدولية والشئون الاستراتيجية وكاتب ومحلل سياسي.