يقول الإقتصاديون " ليس التحوّل الى الإقتصاد الأخضر مجرد خيار للمنطقة العربية، بل هو التزام ضروري لتأمين مسار صحيح نحو تنمية مستدامة ". و"الاقتصاد الأخضر" كما جاء في تعريف برنامج الأمم المتحدة للبيئة، بأنّه نظام أنشطة اقتصادية تتعلق بإنتاج وتوزيع واستهلاك البضائع والخدمات ويفضي في الأمد البعيد إلى تحسّن رفاه البشر، ولا يعرّض في الوقت نفسه الأجيال المقبلة إلى مخاطر بيئية أو حالات ندرة إيكولوجية كبيرة.
وينطوي الاقتصاد الأخضر على الفصل بين استخدام الموارد والتأثيرات البيئية وبين النمو الاقتصادي. وهو يتسم بزيادة كبيرة في الاستثمارات في القطاعات الخضراء، تدعمه في ذلك إصلاحات تمكينية على مستوى السياسات. وتتيح هذه الاستثمارات، العمومية منها والخاصة، الآلية اللازمة لإعادة رسم ملامح الأعمال التجارية والبنى التحتية والمؤسسات، وهي تفسح المجال لاعتماد عمليات استهلاك وإنتاج مستدامة. وسوف تفضي عملية إعادة رسم الملامح هذه إلى زيادة نصيب القطاعات الخضراء من الاقتصاد، وارتفاع عدد الوظائف الخضراء واللائقة، وانخفاض كميات الطاقة والمواد في عمليات الإنتاج، وتقلص النفايات والتلوث، وانحسار كبير في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. لكن .. ما واقع الاقتصاد الأخضر وآفاقه في العالم العربي ؟ هذا السئوال أجاب عنه التقرير السنوي الذي أصدره المنتدى العربي للبيئة والتنمية بمناسبة انعقاد مؤتمره السنوي في العاصمة اللبنانية يومي السابع والعشرين والثامن والعشرين من شهر أكتوبر عام 2011. وصدر التقرير بعنوان : "الاقتصاد الأخضر في عالم متغير. " يقول التقرير في أحد الاستنتاجات الأساسية له " لاتصل مساهمة البلدان العربية في منظومة الاقتصاد الأخضر حتى واحدا بالمائة اليوم .وبالرغم من أن هذه البلدان قد انتهجت أحيانا نماذج جريئة للنمو الاقتصادي فإن سياساتها العامة فشلت في تطعيم أبعاد الاقتصاد الأخضر الثلاثة أي الاعتبارات الاقتصادية والعدالة الاجتماعية والحفاظ على الموارد الطبيعية بهدف استغلالها استغلالا مستداما " .
ويتضح من خلال المعطيات التي جمعها واضعو التقرير الذي ورد في مائتين وثمانين صفحة عن أداء البلدان العربية المتصل بأبعاد الاقتصاد الأخضر الثلاثة أن هناك قصورا كبيرا فيه لأسباب كثيرة منها عدم التخطيط المحكم في مجال السياسيات التنموية . فالفقر لايزال مثلا يطال قرابة سبعين مليون نسمة في العالم العربي . وظاهرة البطالة متفشية لدى شرائح كثيرة في مقدمتها شريحة الشباب . ويزال أكثر من خمسة وأربعين مليون عربي يفتقرون إلى الخدمات الصحية الدنيا وإلى المياه النظيفة. بل إن كلفة التدهور البيئي في البلدان العربية تبلغ كل سنة خمسة وتسعين مليار دولار أي ما يعادل خمسة بالمائة من مجموع ناتجها المحلي الإجمالي عام ألفين وعشرة.
وبالرغم من أن العالم العربي يشكو اليوم من ندرة المياه ،فإنه يستمر في هدر منسوب المياه العذبة القليلة التي لديه . ويحتل العالم العربي المراتب الأخيرة في كفاءة استخدام المياه العذبة ومصادر الطاقة والاستثمار في منظمة الاقتصاد الأخضر وتقنياته وإدارته.
مؤخراً وتحديداً في الأسبوع الأخير من فبراير المنصرم 2013م أوصى مؤتمر دولي بتكثيف الاهتمام بالاقتصاد الأخضر في الدول العربية ، حيث حظيت الاجتماعات السنوية للمجلس الحاكم لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة بأهمية خاصة هذا العام إذ ركزت على ضرورة الانتقال من مرحلة القرارات التي اتخذت في مؤتمر ريو للتنمية المستدامة إلى التنفيذ. ولاشك أن الدول العربية لها أهمية بسبب موقعها الجغرافي ، فعندنا نقص مياه في تسع دول هي من أشد البلدان الأفقر في المياه ، والتغيّر المناخي أو الإحتباس الحراري سوف يؤثر أكثر ما يؤثر على منطقة دول حوض المتوسط والخليج العربي وذلك بسبب طبيعته الجغرافية ،وهناك مشاكل تتعلق بالتنمية الإقتصادية حيث نعرف أن مائة بالمائة من دول الخليج العربي مثلاً تقع مدنها على المناطق الساحلية وبالتالي سواحلها مهدّدة بالتآكل ومهدّدة بالتحديات البيئية ، المنطقة تزداد جفافاً ،والفيضانات في هذه المنطقة تزداد حدة والأمطار تقل نسبتها وتغيّر من منظومتها ، وهناك خوف من غرق المناطق الشاطئية وبالأخص شمال أفريقيا مثلاً ، شواطئ كالأسكندرية والشواطئ الليبية وغيرها ،وبالتالي كل هذه التحديات هي تحديات حقيقية . وإذا نظرنا إلى الماضي القريب جداً ، السنوات القليلة الماضية نرى كم إعصار ضرب منطقة الخليج ، نرى كم من مرة تعرضت مدن للغرق الشتاء الماضي ، فهناك تحديات شديدة يجب على هذه البلدان أن تعمل ليس فقط على إيقافها ، ولكن التعامل معها والتكيّف معها أيضا، ولذلك يجب على الدول العربية دمج الإهتمام البيئي بالإهتمام الإقتصادي والإجتماعي ، والأخذ بمبدأ الإقصاد الأخضر وأن تكمل الدول العربية عملية التنمية الإقتصادية في الوطن العربي لا أن نقف عائقاً أمامها بسبب الأحوال البيئية السيئة لإنتاج النفط مثلاً والنقل والأعمال الصناعية وغيرها ، بل بالعكس ينبغي على الدول العربية أن تضع سياسات تجعل هذه المشروعات الإقتصادية خضراء غير ظارة بالبيئة ، ومنها مثلاً الإتجاه إلى استخدام الطاقات البديلة أو الطاقات المتجدّدة ، فيجب أن نستغل ثروة عربية موجودة وهي مثلاً طاقة الشمس ، فالمنطقة العربية تتمتع بأكثر من 330 يوم سطوع شمسي في العام الواحد بخلاف أي منطقة أخرى في أي دولة في العالم ، فلدى المنطقة العربية بترول أسود وبترول شمسي متجدّد مجاناً على الدول العربية استخدامه ، وبالفعل هناك بعض الدول العربية التي بدأت بوضع خطط وتنفيذها على واقع الأرض مثل دولة الإمارات الآن لديها خطة لتغطية 20 بالمائة من احتياجاتها من الطاقة الشمسية ،كذلك السعودية سوف تغطي تقريباً من الآن حتى العام 2050 مائة بالمائة من احتياجاتها المحلية من الطاقات البديلة ، وفي مصر ينتج الآن 10 بالمائة من الطاقة من طاقة الرياح لبعض القرى ، وفي الأردن قرى كاملة تغذى بالطاقة الشمسية ، والآن تم وضع سياسات وطنية تسمح للمواطن نفسه بإنتاج الطاقة من الطاقة الشمسية وتغذية منزله وبيع الفائض إلى الخط الناقل الوطني .. إذاً هناك عملية انتقالية نحو الطاقة الخضراء ،التي توفّر عملية اقتصادية مستمرة ، أيضاً خضراء لا تؤثر على البيئة . وبالطبع يتعدى الإقتصاد الأخضر كونه فقط مجال الطاقة ، فالإقتصاد الأخضر يعني أيضاً وظائف خضراء جديدة حيث من المتوقع أن تزيد الوظائف 10 بالمائة إذا أنتقل العرب نحو التفكير الأخضر والإقتصاد الأخضر ، ومن المتوقع أيضا أن تزيد الإستثمارات بمقدار مأئة مليار دولار سنوياً