أخبار الساعة » دراسات ومتابعات » دراسات وتقارير

هل نتعلم دروس الحد من مخاطر الكوارث من الصين؟

- ايرين

يقول الخبراء أن الصين، التي تواجه سنوياً جميع الكوارث المحتملة تقريباً - بما في ذلك الزلازل والفيضانات والأعاصير والانزلاقات الأرضية – تسير بالاتجاه الصحيح في مجال الحد من مخاطر الكوارث.

وقالت الممثلة الخاصة لأمين عام الأمم المتحدة المعنية بالحد من مخاطر الكوارث مارغريتا والستروم لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) في 29 أبريل: "لقد تعلمت الصين من خبرة سنوات عديدة مليئة بالخسائر البشرية والاقتصادية الفادحة مدى أهمية وضع سقف للخسائر السنوية المقبولة، إذا قُدر لها أن تنجح في حماية تنميتها الاقتصادية والاجتماعية. فهي تهدف الآن إلى عدم زيادة الخسائر الناجمة عن الكوارث عن 1.5 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي. إنها أول حكومة في العالم تعلن عن مثل هذه الخطوة ونأمل أن يحذو الآخرون حذوها".

وفي السياق نفسه، أضافت كارين بون، منسقة عمليات وحدة إدارة الكوارث التابعة للاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، أن "الحكومة الصينية تدرك أهمية الحد من مخاطر الكوارث والاستجابة لها، وتبذل جهداً كبيراً في هذا المجال".

ففي عام 2012، عانت أكثر دول العالم اكتظاظاً بالسكان، وهي موطن لأكثر من 1.3 مليار نسمة، من 23 كارثة طبيعية، بمعدل حوالي كارثتين كل شهر، حسبما ذكر مركز بحوث أوبئة الكوارث (CRED)، وتشير الإحصاءات إلى انخفاض عدد القتلى خلال العقد الماضي.

وفي عام 2012، لقي 771 شخصاً حتفهم جراء الكوارث الطبيعية، مقارنة بمتوسط يبلغ 1,046 حالة وفاة خلال الفترة من 2002 إلى 2011، كما انخفض أيضاً متوسط عدد الأشخاص المتضررين من الكوارث، كما أفاد المركز.

التنسيق

وتتركز الكثير من الجهود التي تبذلها الصين في اللجنة الوطنية للحد من الكوارث (NCDR)، التي تنسق أعمال 34 هيئة، من بينها الوزارات والإدارات والصليب الأحمر الصيني. ثم يتم نسخ هذه الشبكة المركزية على مستوى الحكومات المحلية.

واللجنة الوطنية للحد من الكوارث هي المسؤولة عن كافة جوانب الحد من الكوارث والإغاثة، من الإنذار المبكر إلى إعادة التعمير بعد الكوارث. وهي تسترشد بآراء مجلس يضم أكثر من 100 خبير في مجال الكوارث، وتعمل بشكل وثيق مع المركز الوطني للحد من الكوارث في الصين (NDRCC)، وهي وكالة توفر المعلومات والدعم التقني، بما في ذلك قاعدة بيانات وطنية للكوارث تستخدمها إدارات الشؤون المدنية المحلية لإدخال تفاصيل حول كل كارثة.

وينصب التركيز على التعاون والتنسيق، خاصة في الاستجابة لحالات الطوارئ، التي يقودها مكتب الأمن العام والشرطة والجيش، بدعم من الصليب الأحمر والمجموعات التطوعية الأخرى.

وتعتقد بون أن الطبيعة التنسيقية للجنة الوطنية للحد من الكوارث وضمها للصليب الأحمر عنصر أساسي لنجاح الحد من مخاطر الكوارث في الصين.

وأضافت أن "التنسيق هو أبرز العناصر عندما تقع كارثة - من يفعل ماذا على أرض الواقع".

اتجاه واضح

تستند استراتيجية الحد من مخاطر الكوارث في الصين إلى الخطة الوطنية الشاملة لمنع الكوارث والحد منها (2011-2015)، التي تحدد المبادئ التوجيهية للتنمية، والمهام الرئيسية، والمشاريع الصينية الكبرى في مجال الحد من مخاطر الكوارث لمدة خمس سنوات.

الصورة: كيفن شيا/الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر
التنسيق يلعب دوراً رئيسياً


وتتضمن الخطة تحديد أهداف قابلة للقياس، وإدراج الحد من مخاطر الكوارث ضمن خطط التنمية الأوسع نطاقاً التي تعدها الحكومة، ويتفق خبراء الاستراتيجيات على أن هذا ضروري لنجاح الحد من مخاطر الكوارث.

وأوضح جيري فيلاسكيز، كبير المنسقين الإقليميين في مكتب الأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث (UNISDR) في آسيا والمحيط الهادئ، أنه “من خلال تحديد نتائج قابلة للقياس تأمل الحكومة في تحقيقها، يصبح تحديد حجم الموارد والمزيج من الاستثمارات اللازمة لتحقيق هذه النتائج أسهل”.

كما تركز الخطة أيضاً على الإنذار المبكر، حيث تقوم العديد من الإدارات التي تعمل في إطار اللجنة الوطنية للحد من الكوارث بأداء وظيفة الإنذار المبكر، وتطوير الرصد ثلاثي الأبعاد عبر الأقمار الصناعية. ومن المخطط إنشاء نظام إنذار وطني لرصد الزلازل في السنوات الخمس المقبلة.

تحويل الاستراتيجية إلى عمل

ويعمل نظام استجابة يتكون من 4 مستويات، مع تحديد المستوى وفقاً لحجم الكارثة من قبل مجلس الدولة بالتشاور مع الوزارات الحكومية، استناداً إلى البيانات والتقارير الواردة من المنطقة المتضررة.

وقد أطلق زلزال قوته 7.0 درجات على مقياس ريختر في مقاطعة سيشوان بجنوب غرب الصين يوم 20 أبريل المستوى 1، وهو أعلى مستويات الاستجابة، وأدى إلى تعبئة فرق الإنقاذ والدعم الوطنية والإقليمية.

ووفقاً لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، لقي 207 أشخاص مصرعهم، وأصيب 11,500 آخرون، وتضرر أكثر من 1.5 مليون شخص في 69 مقاطعة.


 

نبذة عن الكوارث في الصين: 2002-2011 مقابل 2012 
  2001-2011 average/year  2012
 مرات الحدوث 27 23
 الوفيات 10,457 771
 المتأثرون 142,125,727 43,114,219
المصدر: مركز بحوث أوبئة الكوارث

وعلى الرغم من أنه من المبكر جداً إجراء تقييم كامل، فإن التقارير الأولية التي أعدها مركز بحوث أوبئة الكوارث تشير إلى أن الاستجابة كانت سريعة وأن مواد الإغاثة وصلت في غضون ساعات قليلة وأن 136 فريقاً طبياً كانوا جاهزين للعمل في صباح اليوم التالي، بدعم من أكثر من 18,000 من أفراد الجيش والشرطة.

وقد وقع أكبر زلزال ضرب الصين في السنوات الأخيرة في 12 مايو 2008. وكان أيضاً في سيشوان، وأسفر عن مقتل أكثر من 80,000 شخص، من بينهم آلاف الأطفال. وقد أثار هذا الزلزال موجة عارمة من الغضب العام على انهيار المباني المدرسية بسبب البناء غير المطابق للمواصفات ومزاعم الفساد.

وفي تصريح لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، قالت ديباراتي جوها سابير، مديرة مركز بحوث أوبئة الكوارث، أن "بعض الكوارث، مثل الزلازل، تقتل الكثير من الناس بغض النظر عن مدى تأهبك. المهم هو مدى جودة الاستجابة، واستجابة الصين لزلزال سيشوان كادت أن تكون مثالية".

وقد عولج الضحايا الذين تم إخراجهم من منطقة الزلزال الأخير في وحدة العناية المتقدمة، ثم تم نقلهم إلى مستشفى على الخطوط الأمامية.

"وصل المرضى إلى المستشفى بسرعة كبيرة وكان معدل البقاء على قيد الحياة بين هؤلاء المرضى عالياً جداً،" كما أشارت جوها سابير.

وبالإضافة إلى علاج المرضى، حافظ الأطباء على النهج العلمي، وأكملوا السجلات التي استخدمت في وقت لاحق من قبل جوها سابير وفريقها لإجراء دراسات ما بعد الكوارث.

مياه أكثر وحلاً

وبينما تعتبر الصين مثالاً رائداً في الإغاثة من الزلزال، يمكن القول أن الفيضانات هي أكبر كارثة متكررة تواجهها هذا البلد، إذ يتضرر منها في المتوسط 100 مليون شخص سنوياً. وفي العام الماضي، تسببت في 65 بالمائة من جميع الخسائر الاقتصادية المتصلة بالكوارث.

وقالت جوها سابير: "ينبغي الاهتمام بإدارة الفيضانات، من حيث الوقاية وزيادة فهم تأثيرها على الإنسان".

وتتمثل إحدى المشاكل في الحجم الهائل لأنهار الصين والكثافة السكانية الكبيرة داخل أحواض الفيضانات. وتضم الصين عشرات الآلاف من الأنهار.

وفي حين خصصت الحكومة استثمارات للسيطرة على الفيضانات على نطاق واسع، فإن الفيضانات والانهيارات الأرضية وتدفقات الحطام المحلية غالباً ما تحدث في المناطق النائية والمتخلفة، التي تتطلب استجابة أفضل، كما يقول الخبراء.

"تسببت الفيضانات في ثلثي جميع الوفيات الناجمة عن الفيضانات في تسعينيات القرن الماضي، وهذه النسبة آخذة في الارتفاع،" كما أفاد ليو مينكوان من كلية الاقتصاد في جامعة بكين.

وتشمل التدابير اللازمة نشرات جوية أفضل، وزيادة الوعي بالمخاطر، وخطط لإخلاء للسكان المحليين، والمزيد من الاستثمار في البنية التحتية ذات الصلة بالمياه.

وأضاف ليو أن "الاستثمارات الصينية في البنية التحتية ذات الصلة بالمياه كانت منخفضة للغاية في السنوات الأخيرة. وكانت تمثل ما يقرب من 7 بالمائة من إجمالي الاستثمارات في البنية التحتية، وحتى 15 بالمائة في بعض السنوات، ولكنها تراجعت إلى ما بين 1 و3 بالمائة بعد عام 1981".

ووفقاً للأرقام الحكومية، وصل إجمالي إنفاق الصين على البنية التحتية للمياه في عام 2012 حوالي 48.6 مليار دولار، في حين أن تقرير خدمة استخدام التكنولوجيا الرقمية في المياه الصينية الذي يغطي الفترة من 2013 إلى 2017، يتنبأ بنفقات إجمالبة تبلغ 64.8 مليار دولار في عام 2013.

وبالإضافة إلى إنشاء بنية تحتية جديدة، هناك حاجة إلى استثمارات لتحسين الخزانات والسدود القائمة. وفي الشهر الماضي، ذكرت هيئة الدولة لمكافحة الفيضانات والاغاثة في الصين أن حوالي 3.5 مليون هكتار من الأراضي الزراعية في ولايات يونان وقانسو وهنان وسيشوان وهوبى تعاني من الجفاف، مما أدى إلى نقص مياه الشرب الذي يعاني منه الملايين من السكان.

الصورة: كيفن شيا/الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر
فقد أكثر من 200 شخص أرواحهم في 20 أبريل 2013


"وعلى مدار السنوات الـ 60 الماضية تم بناء 87,000 خزان و286,900 كيلومتر من السدود. ولكن بُني معظمها قبل عام 1980 وكانت المعايير الهندسية سيئة بشكل عام،" حسبما ذكر ليو.

لكن الصين تعمل على التصدي لهذه المخاوف.

وقال وانغ دونغ مينغ، وهو زميل أبحاث في اللجنة الوطنية للحد من الكوارث، أن "الصين أنفقت الكثير من المال لإحكام السيطرة على الأنهار الصغيرة والمتوسطة، وتقوية الخزانات غير الآمنة، والوقاية من الكوارث الجيولوجية الناجمة عن الفيضانات، والعلاج الشامل للبيئة الايكولوجية في المناطق المعرضة للكوارث. وعلى المستوى المجتمعي، تم تنفيذ برنامج منذ عام 2008 يقوم من خلاله الخبراء بتدريب ومساعدة المجتمعات المحلية على وضع خطط الاستجابة الطارئة لحالات الكوارث، وإجراء تدريبات الإغاثة من الكوارث وتكوين فرق الإنقاذ الخاصة من المتطوعين".

ما بعد هيوغو

ويصادف العيد القومي للحد من الكوارث في الصين يوم 12 مايو هذا العام الذكرى السنوية الخامسة لزلزال سيشوان 2008، وهذا مؤشر على التشديد على الحد من مخاطر الكوارث.

وفي عام 2012، أنفقت الحكومة الصينية نحو 14 مليار دولار على جهود الحد من مخاطر الكوارث والإغاثة. وبينما لا يوجد شك في أن الحكومة المركزية القوية والرصيد المصرفي الهائل أمران مفيدان للغاية من حيث الحد من مخاطر الكوارث، فإن هناك دروس يمكن لجيران الصين الأقل تنظيماً أو الأثرياء تعلمها.

وقال فيلاسكيز: "بينما يفكر العالم في ما سيخلف إطار عمل هيوغو، نحن بحاجة إلى أن ننظر عن كثب إلى ما تقوم به دول مثل الصين للحد من مخاطر الكوارث، ومعرفة الأساليب الناجحة، والأهم من ذلك كيفية العمل على إنجاحه".

Total time: 0.0739