ربما يكون الحكم التاريخي الذي أصدرته محكمة القضاء الإداري في مصر اليوم ، بتغريم كل من الرئيس السابق ، ووزير الداخلية السابق ، ورئيس الوزراء السابق ، تغريمهم بمبلغ 540 مليون جنية مصري (90 مليون دولار ) من أموالهم الخاصة ، بسبب قطعهم الإتصالات أثناء الثورة المصرية ، ربما يكون الأول من نوعه في أي دوله عربية .
الحكم الذي لاقى صدى واسع و إرتياح بالغ بين أوساط المصريين ، جاء ليحفظ حقوق الملايين من المصريين في عدم عزلهم مره أخري عن العالم الخارجي بهذه الصورة المهينة ، بغرض إجهاض الثورة .
فقد أقدمت الحكومة المصرية في ليلة 28 يناير الماضي ، بمباركة الرئيس المخلوع مبارك ، على قطع خدمات الجوال ، والانترنت ، عن مصر بأكملها ، بغرض إجهاض محاولات الإنتفاضة الشعبية التي تحدت هذا القرار التعسفي ، وأطاحت بالنظام بأكملة ، وألقته في غياهب السجون فيما بعد .
وذكر مصدر قضائي في تصريحات نقلتها وكالة رويترز أن المحكمة أصدرت غرامة قدرها 200 مليون جنيه على مبارك و40 مليون جنيه على رئيس الوزراء السابق أحمد نظيف و300 مليون جنيه على وزير الداخلية السابق حبيب العادلي.
وأضاف أن المحكمة أدانت مبارك ونظيف والعادلي بالحاق أضرار بالاقتصاد القومي مشيرا الى أن الغرامات ستدفع الى خزانة البلاد.
وتسبب قطع الإتصالات عن الهواتف المحموله ، وبعدها شبكة الانترنت في فوضى عارمة وتخبط كبير في منشأت حيوية سيادية وحيوية في الدولة ، مثل الطيران المدني والبورصة وأعمال البنوك والتحويلات ، بالإضافة الى الأثار المباشرة على المواطن المصري العادي الذي وجد نفسه معزولاً عن العالم الخارجي والداخلي معاً بسبب قرارات أمنية مرتجفة .
وذكرت شركة فودافون للهاتف المحمول في يناير انها وشركات المحمول الاخرى لم يكن أمامها خيار سوى الاذعان لأوامر السلطات بقطع الخدمات في مناطق معينة بالبلاد خلال ذروة الاحتجاجات المطالبة باسقاط النظام.
وفي فبراير إتهمت فودافون أيضا السلطات باستخدام شبكاتها لارسال رسائل نصية مؤيدة للنظام الى مشتركيها.
و بلهجة حازمة قالت المحكمة في حيثيات الحكم ( أن قطع خدمة الاتصالات والإنترنت، يعد مساساً بحقوق التواصل الاجتماعى، وأن حرية تداول المعلومات تفرض الحق فى تلقى المعلومات والأفكار، ونقلها إلى الآخرين وتداولها من خلال خدمات الاتصالات وخدمات الإنترنت، وانه بدون القدرة على الحصول على المعلومات، وامتلاك حق تداولها وإبلاغها للرأي العام، لن يكون لحرية الرأى أي مدلول حقيقي داخل المجتمع، كما أنه بدون التواصل المجتمعى عبر الإنترنت فى الداخل والخارج، لا تكون ثمة حرية من الحريات قائمة أو لها وجود ملموس.)
و إنحازت المحكمة الى أهمية شبكة الأنترنت في كلمات قوية تضمنها حيثيات الحكم جاء بها : (، أن شبكات التواصل الإجتماعى على الإنترنت، والهواتف المحمولة، ومنها فيسبوك وتويتر، وماي سبيس، وهاى فايف، ومواقع الفيديو التشاركى على شبكة الإنترنت، وابرزها موقع اليوتيوب وغيرها، وهى مجموعة مواقع ويب التى تقدم مجموعة من الخدمات للمستخدمين كالمحادثات الفورية والرسائل الخاصة والبريد الألكترونى والفيديو والتدوين ومشاركة الملفات وغيرها، لأمن الخدمات، وقد أحدثت تلك تغيرا كبيرا في كيفية الاتصال والمشاركة بين الأشخاص والمجتمعات، وتبادل المعلومات فجمعت الملايين من المستخدمين، وكما لعبت شبكات التدوينات المصغرة دورا كبيرا في نشر رسائل الناشطين، وتسهيل تنظيمهم وزيادة سرعة الإتصال بينهم، وليس من شك فى أن مواقع التواصل الإجتماعى على الإنترنت، لا تخلق ثورات بل يخلقها القهر والحكام المستبدون، والفقر والغضب، ومن ثم لم تكن تلك المواقع سوى وسائل للتعبير، انتزعها المتواصلون اجتماعيا وسياسيا، تأكيدا لحقوقهم المقررة فى الاتصال والمعرفة، وتدفق المعلومات وتداولها والحق في التنمية والحق فى الحياة الحرة الكريمة، التي تظللها العدالة الاجتماعية، ومن ثم لا يكون حجبها أو تقييدها إلا انتهاكا لكل تلك الحقوق. )
و نتمنى جميعاً أن يردع هذا الحكم – رغم رمزيته – أي صانع للقرار ، وتجعله يفكر طويلاً وكثيراً ، قبل أن يقرر أن يعاقب بكل هذه البساطة شعباً بأكملة ، بمثل هذه الوسائل البالية .