خلال العقدين الماضيين تحول اليمن من دولة كانت تتطلع لتستعيد حكمتها وسعادتها ووصل بها التفاؤل للسعي والمطالبة بالانضمام لمجلس التعاون الخليجي. ولكنها سرعان ما انحدرت وبشكل سريع نحو الفشل ونخرها الفساد والتخلف واستشرت فيها القبلية والفوضى وخطف السائحين وأتى الاعتداء على المدمرة الأميركية كول في عام 2001 ليدخل اليمن ضمن نشاطات تنظيم القاعدة. وسبق ذلك التخبط اليمني بالانحياز ضد دولة الكويت ودول مجلس التعاون الخليجي حيث وقف الرئيس علي عبدالله صالح ومندوبه عبدالله الأشطل الذي كان يمثل الدول العربية في مجلس الأمن مع صدام حسين في احتلاله للكويت بصفته أحد أركان مجلس التعاون العربي مع مصر والعراق والأردن. ودخل اليمن الشمالي في حرب مع اليمن الجنوبي ووحدت اليمنيين بالقوة العسكرية. وتحول اليمن خلال السنوات الماضية لعامل عدم استقرار وتهديد لأمن وسلامة دول المجلس بأسرها.
خلال السنوات القليلة الماضية شهد اليمن أربعة تحديات من الحراك الجنوبي الذي يسعى للانفصال ويرفض التهميش. وتحول اليمن لأرض خصبة للقاعدة. ودخل الحوثيون ومشروعهم الانفصالي المدعوم من قوى إقليمية وحروبهم الستة كعامل مهدد لوحدة وتماسك اليمن. وأتى الحراك الثوري منذ مطلع العام ليزيد من تعقيد المشهد اليمني.
بسبب تحول اليمن لما يسمى في مصطلح الدراسات الاستراتيجية «دولة فاشلة» حيث تراجعت في معايير الفشل إلى المرتبة 15 من 177 دولة- الصومال الدولة الأكثر فشلاً. في الإصدار الأخير لمؤشر الدول الفاشلة لعام 2010- تراجعت اليمن إلى الترتيب 15 وخاصة أن القاعدة في الجزيرة العربية اتخذت من اليمن مقراً رئيسيا لها في المنطقة وحاولت اغتيال الأمير محمد بن نايف المسؤول السعودي عن محاربة الإرهاب وجل المحاولات الإرهابية خلال العامين الماضيين للتخطيط وتنفيذ عمليات إرهابية خاصة ضد الولايات المتحدة الأميركية انطلقت من اليمن بما فيها محاولة عمر الفاروق عبد المطلب تفجير طائرة ركاب أميركية فوق مدينة ديترويت عشية الكريسماس عام 2009. كما أن رجل الدين الأميركي- اليمني الأصل- أنور العولقي المرجعية للقاعدة في اليمن والذي كان وراء قيام الضابط الأميركي نضال حسن بقتل 13 عسكريا أميركيا قبل عامين في قاعدة أميركية في تكساس. يتخذ من اليمن مقراً له. وأكدت وثائق ويكيليكس المسربة إلى المخاوف الحقيقية الأميركية من نشاط القاعدة في اليمن والتعاون الوثيق بين الإدارة الأميركية والرئيس اليمني علي عبدالله صالح. ولطالما رفع الرئيس اليمني وخاصة مؤخرا شماعة التخويف من القاعدة والفوضى وتقسيم اليمن في حال تغير نظامه وفقد السلطة. ويبدو أن المخاوف من الفوضى وتوظيف القاعدة للفراغ الإستراتيجي وتهديد اليمن لأمن واستقرار المنطقة كدولة فاشلة ومرتع للقاعدة والجماعات المتطرفة. وهذا عامل مؤثر في الحسابات الخليجية. ما دفع دول مجلس التعاون الخليجي للتدخل بمبادرة خليجية عدلت ثلاث مرات بعد موافقة الرئيس على التنحي ضمن آلية بعد رفض اقتراحاته بعدم الترشيح للرئاسة في عام 2013 وعدم التوريث ولاحقاً طلب أن يتنحى خلال عام قبل أن يماطل ويسوف ويرفض التوقيع على وثيقة التنحي السلمي مما وضع دول مجلس التعاون الخليجي الذي انسحبت قطر من المبادرة وكذلك سحبت قطر والكويت دبلوماسييها.
أما المأزق الثالث في اليمن فهو حروب ومطالب الحوثيين الانفصاليين وحروبهم الستة والنار لا تزال تحت الرماد. وهذا مثير للقلق خاصة وأنه في الحرب السادسة عام 2009 تمددت حرب الحوثيين لداخل المملكة العربية السعودية والتي دفعت دول المجلس في قمة الكويت عام 2009 إبان عقد القمة الخليجية وسط حرب مواجهات بين الحوثيين والقوات السعودية إلى التنديد الخليجي بذلك واتخاذ قرار بتشكيل قوات التدخل السريع.
أما المأزق الرابع فهو ما يتفاعل منذ أربعة أشهر بحراك ثوري متصاعد وحروب منخفضة الوتيرة أدت إلى إصابة الرئيس اليمني ونقله للسعودية للعلاج وسط حديث عن عودته بعد فترة نقاهة.
أما اليوم مع إصابة الرئيس اليمني ونقله مع رئيس الوزراء ورئيس البرلمان للسعودية لإجراء عمليات جراحية وتجميل للرئيس حيث يبقى الغموض سيد الموقف حول إمكانية عودته لمنصبه بعد أن بدأ نائب الرئيس يمارس مهام الرئيس، ومع إفشال المبادرة الخليجية بسبب تلكؤ ومماطلة وتقلب الرئيس اليمني على المبادرة التي أحرجت دول المجلس والتي سعت لإيجاد مخرج يحفظ ماء وجه الرئيس اليمني، فإن هناك فرصة جديدة لإعادة إحياء المبادرة الخليجية خاصة بوجود أركان الحكم اليمني في المملكة العربية السعودية. ومع رئيس ضعيف وجريح بأكثر من طريقة ومعنى قد تكون هذه فرصة مواتية لإعادة تحريك المبادرة الخليجية والتي لا يوجد أي بديل أو مبادرة تساعد على انتشال اليمن من وضع ينذر بحرب أهلية وحرب قبائلية رأينا تجلياتها في الحرب المحدودة خلال الأيام الماضية بين قوات الأمن والجيش اليمني التي هي بهيكليها وتنظميها عشائرية وقبائلية وليست جيشا نظاميا وقوات قبيلة حاشد. وما زاد من عمق المأزق اليمني هو الصدام العلني والحرب المحدودة التي نشبت بين قوات شيخ مشايخ حاشد- صادق الأحمر زعيم قبيلة والرئيس اليمني الذي ينتمي للقبيلة نفسها. ما يضع الرئيس صالح في وضع الخصومة مع قبيلته وشيخ مشايخها.
الفرصة مواتية بالتعاون الخليجي مع القوى الكبرى إلى التدخل السريع لإيجاد مخرج وحل يؤمن انتقال سلمي للسلطة ويبعد عيدان الثقاب هذه عن برميل البارود الذي إذا انفجر فلن تبقى أضراره وتداعياته محصورة في اليمن. قد يكون الاقتناع بتغيير الفكرة السائدة أن بقاء الرئيس علي عبدالله صالح هو الخيار الأقل سوءاً. هذه الجدلية يجب علينا جديا إعادة النظر فيها لمصلحة اليمن والمنطقة ومن يهمهم أمن واستقرار اليمن. فلا نفوت الفرصة ولتفعّل المبادرة الخليجية.