الزمان: الألفية الثالثة..
المكان: داخل اسوار قصر الرئاسة..
خرج من منزله يوم الجمعة وحوله حراسه الشداد الغلاظ، فهو رئيس جمهورية ومن حقه ان يحرك ورائه جيش عرمرم لحمايته، فشيخ قبيلة ما يحرك ورائه عشرات "الاطقم" وهو عبارة عن شيخ لا يحمل في عقله غير الهمجية والإقصاء والتذمر من الآخر، خرج متوجها الى الجامع الذي يحاط بسور القصر الرئاسي، لتأدية صلاة الجمعة على امل ان يقابل مناصريه بعد الصلاة في الساحة المعتادة لمبادلتهم الحب الذي حملوه في قلوبهم له، وعلى الهواء الطلق دون خوف من ان يصوب قاتل محترف طلقة غادرة من فوهة بندقيته التي تم شراؤها خصيصا لتنفيذ مثل هذه العمليات الوحشية.. فهو على ثقة انه ليس بمقدور أحد ان ينفذ عملية اغتياله داخل البيضة التي يعيش فيها، إلا ان يد الغدر كانت نظرتها اكبر من ذلك بكثير، فهي تدرس وتخطط لذلك منذ اسابيع... سخرت المال واشترت به رجال قبلوا ان يكونوا "وصيفات" يجبن بلاط الشيخ لتلبية خدماته وحاشيته..
اصدر الشيخ قراره القبلي بتنفيذ عملية الاغتيال في وضح النهار وفي وقت صلاة الجمعة كونه الوقت الافضل لاغتياله،لكن خدمه وعبيده ترددوا، كل واحد منهم يحاول ان يوكل المهمة للآخر،منهم من يخاف ان يتم البطش به، ومنهم من مازالت رجولته لمثل هذه العمليات لم تكتمل، فجل ما بمقدوره هو نهب مراحيض حمامات الوزارات ومكتبياتها، ومنهم أيضا من هو متخصص في الاعتداء على العجائز والنسوة المحشورات في غرف منازلهم هروبا من طيش قذائف الاشتباكات المسلحة، ونهب "فرش وبطانيات" تلك المنازل.. إلا ان الشيخ وبفكرته الشيطانية اصدر قراره الذي نص على ان تنفذ هذه العملية جماعة تضم كل الاطراف السياسية والقبلية، محلية ودولية، وتحت إشرافه الخاص حتى يتم زفافه بموكب مهيب الى قصر الرئاسة بصفته الملك الجديد لليمن السعيد.
نفذت العملية وبث الشيخ خبراً عاجلاً على شاشة قناته يؤكد أنَّ رئيس الجمهورية قتل في هذه العملية، وبعد ثوان يؤكد ناطقه الرسمي ان محاولة الاغتيال كانت ردة فعل على القصف الذي تم على منطقة الحصبة، وبعد ذلك يتراجع الشيخ ويصرح انه غير مسؤول عن هذه العملية، وخلال كل هذه التبريرات الواهية لإقناع الساسة الذين يمولهم ان يتعلم فن الحروب السياسية ويتهم الرئيس بمحاولة اغتيال نفسه، وهم بهذا لم يحاولوا أن يصنعوا منه بطلاً، بل يريدون ان يعروه امام العالم وليس في الداخل فقط، على انه غبي لا يفهم شيئا عما يقوله، وخصوصا انه من المستحيل ان يغتال الإنسان نفسه، او نجله يغتاله كما تم الترويج له من قبل زبانيته لاحقاً..
خدعه حلفاؤه وبدلا من ان يردوا له الجميل على المليارات التي انفقها عليهم بما يحفظ له كرامته، أظهروه بصورة الببغاء يردد ما يريدون هم، فجسد دور القبيلي المتخلف الذي لا يفقه في السياسة الا اسمها، وهذا ليس جديدا على المتابع فالشيخ الفاضل لم يتم معرفته الا منذ تقلده منصب والده، فقد كان محصورا بين جبال منطقته، يخشى الدخول الى المدينة من الضياع وليس من الاغتيال، أرقام تلفونات اسرته مكتوبة في جيب "كوته" حرصا منه في حالة ضياعه في شارع ما ان يتمكن من الاتصال بهم للقدوم لحمله الى المنزل...
وفجأة ظهر الرئيس والقى خطابه المسجل مؤكدا بذلك انه مازال حيا يرزق، وهذا ما كان بمثابة صاعقة بالنسبة له ومن وقفوا وراء محاولة الاغتيال، فهو يخاف من ظل صالح ، فكيف سيكون حاله بعد ان يكون صالح حيا وبشحمه وعظمه..؟
حمل باكورته ودسماله وفر الى بدروم لم يتم تحديده، واجرى اتصالاته بالشرق والغرب ان ينقذوه من غضب "صالح" الذي يجسد دور غضب الشعب، فالشعب قد لفظه وقبيلته منذ عشرات السنين، ليأتي الفرج حينما اعلنت وسائل الاعلام سفر "صالح" الى "السعودية" للعلاج، فتنفس حينها الشيخ الصعداء "وطرح جاه الله" عند الملوك والأمراء على ان يمنعوا صالح من العودة معتقدا انه بذلك سينجح حتى يأمن ردة فعل صالح ونسي ان الشعب يتربص به خلف اسوار قلاعه، فثأره لدى الشعب أكثر بالف مرة من ثأره مع صالح الذي قتل خيرة حرسه وقادة دولته..
مشاهد هذا الفيلم مازالت مستمرة ومكررة في اغلب الاحيان، إلا ان ما يخشاه الشيخ هو تكرار مشهد عودة صالح وجلجلة خطاباته عبر وسائل الإعلام، حتى ان خوف ذلك الشيخ من صالح الذي اصبح بالنسبة له كابوسا يؤرق منامه وبحسب مصادر مقربة يريد عودة صالح من اجل شيء واحد فقط وهو ان يسلم له السلطة و"يحلف فوق رأس اولاده" انه لن يسلبها منه هو واعوانه ، بل ولن يؤذيهم او يمارس السياسة بعد ذلك ما دام حيا يرزق..!!
هذا هو حلم شيخ القبيلة الذي اصبحت تقف وراءه فرقة عسكرية مدرعة باكملها لحمايته بدلا من حماية الثورة كما هرطقت سابقا، وانشقاق تلك الفرقة كحامي الشباب هو كذبة بيضاء، سيؤكدها الشيخ بعد ان يعتلي كرسي السلطة معلنا قراره الملكي الاول بتعيين اللواء علي محسن الأحمر القائد الاعلى للحرس الملكي.. يتخلل ذلك بيان ادانة محاولة اغتيال الرئيس "السابق" علي عبدالله صالح من عصابة مجهولة..
هكذا كان مبررهم.. وهكذا سيحكموننا.. انهم بحق يقتلون القتيل ويمشون بجنازته.. وغدا ان تمكنوا من الوصول الى السلطة سيقولون انه لا ثروات في الوطن، وان النفط الذي يتم استخراجه من محافظة مأرب وحضرموت وغيرها هو مجرد لعبة كاذبة حتى لا ينظر إلينا العالم كدولة فقيرة وبذا يرفض التعايش معنا، اما عن كيفية استخراجه ، فسيقولون انهم يستوردونه من دول اخرى ويقومون ومن خلال طرق علمية حديثة بضخه الى باطن الارض ومن ثم استخراجه..وهذه الكذبات ليست جديدة عليهم فسبق وان قالوا ان الرئيس حاول ان يغتال نفسه..!!