على سؤال حول ما إذا كان يمكن لمسلم أن يصبح رئيسا للولايات المتحدة ردت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، والمرشحة الأبرز للانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة، هيلاري كلينتون بقول «نعم»، معيدة تذكير الأمريكيين، مرشحين منهم للرئاسة أم مواطنين عاديين، بالمادة السادسة من الدستور الأمريكي: «لا يجوز أبداً اشتراط امتحان ديني كمؤهل لتولي أي منصب رسمي أو مسؤولية عامة في الولايات المتحدة».
يجيء هذا الرد الصريح والمقتضب والمفحم بعد أن بدأت موجة غوغائية تجمع بين العداء السياسي للرئيس الأمريكي باراك أوباما، من خلال التهديف على وطنيته وعرقه ودين أبيه، من جهة، والركوب الانتهازي السهل على موجة العداء للإسلام، من جهة أخرى.
أخذت هذه الموجة دفعاً جديداً مع المرشح الجمهوري ورجل الأعمال الشهير دونالد ترامب الذي مرّر هذه الأفكار بطريقة ضمنية من خلال السماح لأحد المشاركين في مهرجان انتخابي بالقول إن الولايات المتحدة لديها مشكلة مع المسلمين وإن باراك أوباما مسلم وليس أمريكيا، من دون أن يعارضه أو يرفض أقواله.
وتبع ذلك مرشح جمهوري آخر هو بن كارسون، وهو طبيب جراح متقاعد، حاول اللعب على هذه المعزوفة أيضا بقوله إنه «لا يؤيد أن يتولى مسلم قيادة هذه الأمة. أنا بالتأكيد لا أوافق على ذلك».
وكون هذا المرشح «أفريقياً أمريكياً» (أي من العرق الأسود بحسب الاصطلاح الأمريكي المستخدم لتخفيف المحمول العنصريّ وغير العلمي لاستخدام اللون كهوية عرقية) يحمل بعض المفارقة الساخرة، فالواضح أن «تظهير» الموضوع الإسلامي لديه، وهو أحد التنميطات التحقيرية التي يستخدمها اليمين الأمريكي ضد أوباما، يستخدم للتعمية على الموضوع العرقيّ، رغم أنهما مرتبطان ويتغذى الواحد من الآخر، والمقصود بذلك، على ما يبدو، مزاودة كارسون على اليمينيين البيض، ومحاولة بائسة لإيجاد علاقة افتراضية تتجاهل عداء اليمين الأمريكي المتجذر للسود، لصالح خلق عداء جديد ضد المسلمين وحدهم.
وإذا كان ممكناً القول إن العداء للمسلمين قديم بقدم وجود الإسلام نفسه، وأنه ظاهرة تتطوّر عبر العصور، وتتخذ أشكالاً عديدة تتزاوج فيها الأوهام بالحقائق، والتعميمات الثقافية بالمصالح المادية، فمن الضروري التأكيد أن هذه الكراهية للإسلام لا تتغذى على القناعات الخاطئة وحدها، بل تستند أيضاً إلى وقائع مادية فاضحة يكمن في أساسها تدهور أحوال بلاد الإسلام والمسلمين التي لا يمكن عزوها وحدها إلى مؤامرات الغرب والشرق عليها.
عندما يفكر الأمريكيون والأوروبيون العاديون بالمسلمين فسرعان ما تخرج الصور النمطية المعتادة التي كرستها وسائل الإعلام والأفلام والروايات ومزيج السرديات السياسية والتاريخية، مضافاً إليها الجهد الإسرائيلي الكبير النافذ في أفلام هوليوود وفي نخب أوروبا في شيطنة العرب والمسلمين.
لكن الأساس الصلب لكل ذلك هو القوة الهائلة للاستبداد في بلاد المسلمين، والتي نجحت، إلى حدّ كبير، في إبقاء المنطقة العربية خارج إمكانيات التطور باتجاه الحداثة السياسية، وعندما حاول العرب، مع بدء ثوراتهم عام 2011 بالعمل على تغيير هذا السيناريو المفروض داخليا وخارجياً، استشاط الطغاة المحليون والإقليميون والدوليون غضباً، وتم تحويل النضالات للعبور إلى أفق المدنية والديمقراطية والحضارة إلى نزاع دمويّ طائفي وإقليمي ودولي خطير أصبحت فيه الشعوب العربية بيادق على شطرنج الأمم، مما أفقدها الأمل بالتغيير وحوّلها إلى بشر تقتصر أحلامهم على الهروب من أوطانهم.
وبالنتيجة فقد تم نقل صورة المسلمين العامة من حالة الجمود الأبدي الاستبدادية إلى حالة السلبية القصوى، وارتدّت مجازر بعض الأنظمة العربية وحلفائها الإقليميين ضد شعوبها لتزرع اليأس وتفاقم حالات التطرّف والإرهاب والانتحار السياسي، مما رفد نفوذ ما يسمى «الدولة الإسلامية» وشقيقاتها بشكل مخيف.
ولا ننسى فوق ذلك أن العداء للإسلام ليس حكراً على بن كارسون واتجاهات اليمين والعنصرية الغربية فالكثير من المسلمين يساوون أيضاً بين دينهم وبين العنف والإرهاب والقتل، وهي، كما يقول القرآن الكريم، قسمة ضيزى لا يرضى بها العقل البسيط ناهيك عن المنطق السياسي الأخلاقي والإنساني، وهو ما يجعل كلينتون أكثر شجاعة وانسجاماً مع النفس من كثيرين جداً من المسلمين