اخبار الساعة - رأي اليوم
متابعة المرحلة الختامية من مناورات “رعد الشمال” التي انطلقت يوم 21 شباط (فبراير) الماضي بمشاركة قوات من 20 دولة، ورعاها اليوم العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود بحضور قادة 11 دولة، يمكن ان يخرج منها المرء بحصيلة كبرى من القراءات والتحليلات عن بعض ما يجري في المنطقة من تطورات سياسية وعسكرية آنية ومستقبلية.
توسط العاهل السعودي الحضور على المنصة الرئيسية حسب ترتيب يتعلق بأهمية دولهم وعلاقاتها مع المملكة، فقد كان الى يمينه امير الكويت الشيخ صباح الاحمد، يليه الشيخ تميم بن حمد آل ثاني امير قطر، ثم الرئيس عمر البشير والرئيس الموريتاني محمد بن عبد العزيز، اما على يساره فكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ثم نواز شريف رئيس وزراء باكستان، وكان لافتا غياب العاهلين الاردني عبد الله الثاني، والبحريني حمد بن عيسى آل خليفة، اما الرئيس اليمني “الشرعي” عبد ربه منصور هادي فكان ترتيبه متراجعا، ولم يظهر في الصور الرئيسية التي نشرتها الصحف السعودية في صدر صفحاتها الاولى.
هذه المناورات التي شاركت فيها قوات بحرية وجوية وبرية بهدف رصد، ومن ثم التصدي، لاي عدوان محتمل على المملكة من قبل ايران، وصفت بانها الاضخم في المنطقة منذ مناورات درع الصحراء بقيادة الجنرال الامريكي شوارسكوف قبل 16 عاما، ومن الواضح ان الهدف منها، وضخامة القوات المشاركة فيها، وحضور 11 من قادة الدول هو توجيه رسالة الى طهران بان المملكة العربية السعودية لا تقف وحدها في اي مواجهة مقبلة.
الرسالة مهمة دون ادنى شك، وكذلك اخرى مماثلة انعكست في مشاركة وزيري خارجية الاردن والمغرب في الاجتماع الاخير لوزراء خارجية مجلس التعاون قبل يومين في الرياض، ولكن ربما يرى البعض انها قد تعطي نتائج عكسية غير المراد منها، فحضور قادة 11 دولة من مجموع 33 دولة من المفترض انها تشكل التحالف الاسلامي الذي اسسته المملكة بقيادتها، معظمهم من دول هامشية (اكثر من الثلثين)، يوحي بان هناك “خللا ما” ربما يفسر على انه ابتعاد “لبق” عن التوجهات السعودية الرسمية الحالية.
واذا كنا قد نوهنا الى غياب العاهلين الاردني والبحريني لاسباب غير مفهومة، فان عدم حضور الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، حليف السعودية الاوثق في حربها في سورية، وكذلك رئيس وزرائه احمد داوود اوغلو، علاوة على رؤساء ماليزيا واندونيسيا، والعاهل المغربي، واي مسؤول جزائري عال، رئيس الوزراء مثلا، او رئيس وزراء لبنان تمام سلام، والقائمة طويلة، فان هذا الغياب يطرح الكثير من علامات الاستفهام حول اسباب هذا الغياب، فهل هو نوع من “الحرد” السياسي؟
ان يجلس الرئيس السيسي على بعد ثلاثة قادة من امير قطر الشيخ تميم بن حمد (من ضمنهم العاهل السعودي) مسألة لافتة للنظر، فالعداء بين الجانبين المصري والقطري ما زال قائما، وان خفت حدته في الاشهر الاخيرة بعض الشيء، نتيجة ميل دولة قطر الى “الهدوء”، والانسحاب، ولو مؤقتا، من سياساتها القديمة التي كانت تتبنى المواجهة مع مصر وغيرها، وفضلت الاكتفاء بالجلوس في المقاعد الخلفية لاول مرة منذ عشرين عاما، فهل تصافح الرجلان؟ وهل جرت محاولة سعودية للتقريب بينهما؟ وهل جرت لقاءات خلف الكواليس؟
بعض وسائل الاعلام المصرية، وصحيفة “الاهرام” الرسمية على وجه الخصوص، قالت ان “مصر مستعدة للصلح مع قطر اذا تخلت عن دعم “الاخوان المسلمين” واوقفت الحملات الاعلامية ضدها”، فهل هذه رسالة الى قطر جرى توجيهها قبل حضور مناورات “رعد الشمال”؟
المتغيرات في منطقة “الشرق الاوسط” تتسارع بشكل يحتم اللهاث خلفها، فالزيارة التي قام بها السيد احمد داوود اوغلو رئيس الوزراء التركي الى طهران، وتمخضت عن اتفاق بزيادة التعاون الاقتصادي بين البلدين الى اكثر من 30 مليار دولار، والتشديد على حرص البلدين على وحدة الاراضي السورية قد تكون وراء غياب السيد اوغلو ورئيسه اردوغان عن “عرس″ مناورات “رعد الشمال”، وبقصد توجيه رسالة معاكسة الى القيادة السعودية، وربما هذا ما يفسر “الحفاوة” الملحوظة بالرئيس السيسي الى جانب اسباب اخرى.
مناورات “رعد الشمال” انتهت، وبرقها وامطارها موجهة صوب ايران وليس اسرائيل حتما، ومن المؤكد ان بعض الدول المشاركة فيها سيصلها بعض “الرذاذ” على شكل مساعدات مالية، وربما هذا هو السبب الرئيسي لمشاركة العديد من الدول الاسلامية الفقيرة، وهي مشاركة جاءت من قبيل الايحاء بضخامة الحضور.
ايران وحلفاؤها سيتابعون حتما هذه المناورات والقوات المشاركة فيها، وسيستوعبون رسالتها، ولكن هناك وشكوك لدى الكثير من المراقبين بأنهم سيرتعدون خوفا من جرائها، لانهم يخوضون حروبهم الاستنزافية بالانابة وعلى الاراضي العربية، وضحايا عرب، ومن غير المعتقد ان من بين خططهم خوض حروب مباشرة ضد السعودية او غيرها في الوقت الراهن على الاقل.
السؤال هو حول ما سيحدث بعد اختتام هذه المناورات وسط ضجة اعلامية وسياسية وعسكرية متعمدة، خاصة ان الحديث عن تدخل بري سعودي في الازمة السورية خفت حدته، وانطلاق مفاوضات سعودية حوثية سرية وتبادل اسرى؟
لا نملك غير الانتظار.