أخبار الساعة » كتابات ومنوعات » اقلام وكتابات

مستقبل "إسلام الأناضول ".. قراءة في الأبعاد الخفية لمحاولة الإنقلاب الأخير في تركيا

- بقلم / أحمد البحيري

ما يجري في تركيا لا تتوقف أبعاده عند مجرد محاولة الإنقلاب على نظام الحكم السياسي الديموقراطي ؛ لكنها عملية تتعدى ذلك لتأخذ في سياقها أبعاد متعددة و متداخلة ، تشارك فيها أطراف داخلية وخارجية ، تهدف بطريقة أو بأخرى إلى استهداف المشروع الإسلامي الحداثي بشقيه "السياسي والإجتماعي " من خلال التخلص من نمؤذجين عصريين هما:

- مشروع الإسلام السياسي الحاكم الذي يقوده "أردوغان" الموجه ضده الإنقلاب .

- مشروع الإسلام الاجتماعي الذي يتبناه "جولن"و جماعته المتهمة بتنفيذ محاولة الإنقلاب .

فعند قراءة ما يجري في تركيا في سياق الحرب التي تشنها أمريكا وحلفائها على الجماعات و المشاريع الإسلامية بشكل عام والسياسية منها بشكل خاص في إطار سياسة "الفوضى الخلاقة" التي تتبناها واشنطن كسياسة رسمية في المنطقة و التي تعتقد أنها ستمكنها من رسم خارطة " الشرق الأوسط الجديد " يجعلنا نجزم بأن البعد الخفي لمحاولة الإنقلاب الأخيرة في تركيا يتمثل في استهداف هذين المشروعين الرائدين .

فالحرب على مشروع الإسلام السياسي في تركيا قديمة فهي لم تبدأ بمحاولة الإنقلاب الآخير و إنما توجت به .

ومع أن هذا المشروع بزعامة " أردوغان" قدم نفسه بصورة حداثية على خلاف مشاريع الإسلام السياسي الأخرى وحاز على رضا غربي لفترة من الفترات إلا أنه أصبح في السنوات الأخيرة يمثل قلقا ل "واشنطن وحلفائها في المنطقة .

فقد ساهمت مواقف "أردوغان" المنحازة بشكل وأضح الى الشعوب في ثورات الربيع العربي في تفاقم الخلاف و خروجه الى العلن عبر حرب إعلامية وسياسية ساهمت فيها دول عربية .

إن حدوث انقلاب يزيل "أردوغان" و نظامه من الحكم أصبح مؤخرا ضمن خيارات واشنطن المعلنة عبر أمنيات صرح بها مسؤولون أمريكيون .

أما كون محاولة الإنقلاب يستهدف مشروع "الإسلام الاجتماعي " أو "إسلام الأناضول " الذي يتبناه "جولن " رغم أن جولن وجماعته هو المتهم الرئيسي حتى الآن بمحاولة الإنقلاب

فإن إستهداف المشروع الذي تحمله هذه الجماعة يتأتى بنظري من التغير الخطير في توجهاتها السياسية والانحراف عن مسارها المعلن .

إن "جولن" وجماعته كما يقول باحثون لا يطرحون أنفسهم منافسين للحكومة أو الدولة و لا يتجهون لبناء حزب سياسي ، على العكس هم يرون أنفسهم جناحا للدفاع عن الدولة التركية ويتبنون مفهوم " الإسلام التركي " أو ما يطلق عليه "جولن "إسلام الأناضول" " و هو إسلام يقوم على التسامح و التصالح مع الدولة والواقع و ليس معارضته أو حتى نقده فضلا عن التعرض له بالتغيير بالقوة .

هكذا تبدو لي "نظرية" "جولن " في بعدها السياسي على الأقل من الناحية النظرية .

غير أن الكثير من المواقف والممارسات السياسية ل " جولن" وجماعته بحاجة إلى قراءة موضوعية جادة تأخذ في الإعتبار السياقات الطبيعية لكل موقف كما تأخذ في الإعتبار مواقف هذه الجماعة من القضايا الكبرى للأمة الإسلامية وعلى رأسها القضية الفلسطينية ،وعلاقة هذه الجماعة وزعيمها مع الكيانات والتنظيمات السياسية و الدينية الداخلية والخارجية، ومدى تقاطع كل ذلك مع الأفكار والمبادئ النظرية التي تطرحها هذه الجماعة .

أنا هنا لا أستبعد ضلوع "جولن" و جماعته في محاولة الإنقلاب العسكري الأخير ، ولا أقوم بعملية التبرير لها ؛ إنما أتعامل معها كضحية لمؤامرات داخلية و خارجية ، و إن كنت لا أميل كثيرا إلى نظرية المؤامرة إلا أنني ساتبناها هنا بناء على قرائن تؤيد ما أذهب إليه .

فجماعة "جولن " التي قدمت نفسها كتيار إسلامي عالمي حداثي ، و حققت انتشارا في أغلب دول العالم و نجاحا ملفتا في مختلف الميادين التربوية والتعليمية والاقتصادية والإعلامية و الخيرية والإغاثية و..الخ

لا يعقل أنها وصلت إلى ما وصلت إليه من نجاح و انتشار دون أن تلفت انتباه شبكات المخابرات و دوائر صناع السياسة الغربية أو تثير لعابهم !! .

لهذا ف أنا ﻷ أشك أن هذه الجماعة كحامل ل "مشروع الاسلام الاجتماعي " تعرضت لإختراقات استخباراتية عميقة، إقليمية ودولية ،قادتها الى ما وصلت إليه و ذلك لعدة أسباب هي:

1- الحضور الإعلامي اللأفت للجماعة وزعيمها على المستوى العالمي ، ومنها إعتبار جولن على رأس أبرز المؤثرين عالميا وحجم الدعم المالي والسياسي الذي تحظى به هذه الجماعة في عالم فاغر فاه ﻹبتلاع كل ما هو إسلامي تحت ذريعة مكافحة الإرهاب وتجفيف منابعه خصوصا بعد أحداث 11سبتمر .

2- أن هذه الجماعة ليس لها هياكل تنظيمية كما هو الحال بالنسبة للحركات الإسلامية الأخرى وإنما الرابطة الأساسية التي تجمع بين منتسبيها هي العلاقة مع الشيخ ومع النصوص التي ينتجها فيما يطلق عليه باحثون "النص كفاعل اجتماعي " متأثرة بذلك بالطابع الصوفي الممتدة منه .

3-إنه من غير المعقول أن تقوم جماعة إسلامية تمتلك زمامها بقيادة إنقلاب على حكومة ذات توجه اسلامي ، فضلا عن ذلك فأن جماعة " جولن "المتهمة بمحاولة الإنقلاب لها من المصالح الاقتصادية والاستثمارات و.. إضافة إلى تراثها الفكري كما اسالفنا ما يجعلها تتجنب الاقدام على مثل هكذا مجازفة ما لم يكن هناك أطراف خارجية تدفعها بهذا الاتجاه و تقدم لها كامل الدعم اللوجستي والسياسي ووو.

و هذا ما يثير التساؤل حول المصلحة التي ستجنيها هذه الاطراف ما إذا كان "جولن" و جماعته لا يسعون الى تنفيذ اجندتها ..!! .

خلاصة هذه القراءة المتواضعة تقول :

بأن جماعة" جولن " كانت مستهدفة بالإنقلاب كما كان "مشروع الإسلام السياسي" بقيادة "أردغان" مستهدف تماما .

وهنا يمكن لنا أن نقول بأن الإنقلاب وإن بدأ بالظاهر أنه فشل في تحقيق أهدافه المعلنة فإنه قد نجح في تحقيق أهدافه الخفية ولو بشكل ضعيف كما يبدو حتى الآن .

خاصة أن الأهداف الخفية التي رسمت لهذا الإنقلاب كما أوضحنا تتحق بشكل أو بأخر في الحالتين في حالة نجاح الإنقلاب وفي حالة فشله ؛لان المستهدف بالإنقلاب هو "المنقلب" و"المنقلب عليه ".

فكما أن نجاح الإنقلاب كان سيفضي الى التخلص من مشروع الإسلام السياسي بقيادة "أردغان" كجزء من الحرب التي توجهها امريكا وحلفائها على الاسلام السياسي .

و بذلك ستجد جماعة "جولن " التي تقدم نفسها ك حركة عالمية بعيدة عن السياسة غارقة بالسياسة و محاصرة في حدود الدولة التركية.

أما في حالة فشل الإنقلاب وهو ما حصل فهذا يعني توجيه ضربة قوية ل"جولن" وجماعته في عقر دارها وبأيدي الاسلامين السياسين وهذا ما يجري .

كل ذلك سيعمل على تشويه صورة الإسلاميين الحاملين للمشروعين السياسي والاجتماعي إضافة إلى أنه سيدخلهم في معمعة آمنية تسهل لتلك الاطراف الخفية النفاذ منها لتحقيق أهدافها .

Total time: 0.274