وصل الرئيس الأمريكي الجديد، دونالد ترامب إلى المكتب البيضاوي في البيت الأبيض ولا توجد أي علامات تدل على أنه ينوي التخفيف من حدة تصرفاته، فمنذ انتصاره في الانتخابات الرئاسية الأمريكية في الـ16 من تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، عمل على إصابة شركات موضوعة على قائمة “فورتشين 500” بالرعب بذكرهم بالاسم، وهدد الصين، وتجاهل اتصالات من خبراء حكوميين تدعوه للتخلي عن إمبراطوريته التجارية.
وتسببت طريقته في العمل بخلق مخاوف جديدة في واشنطن من إحداثه تغيرات هائلة قد تؤثر سلبا على مجموعة واسعة من القضايا، منها الدبلوماسية الدولية والهجرة وحتى الرعاية الصحية وذلك من دون أخذ الرأي العام بعين الاعتبار.
ويوجد الكثير من الأسباب التي تدعو للقلق بحسب صحيفة “بوليتيكو”. لكن في النظام السياسي للولايات المتحدة تقوم السلطة التنفيذية بالفعل ويتولى الكونغرس القيام برد الفعل.
واستغل رؤساء أكثر احتراماً للدستور من ترامب، ميزة “الحركة الأولى”، من أجل إدخال سياسات جديدة -من خلال الأوامر والأنظمة التنفيذية- من شأنها إدخال الولايات المتحدة في صراعات دولية.
فعلى سبيل المثال، استولى الرئيس هاري ترومان على مصانع الفولاذ باسم الأمن القومي ووضع الرئيس ريتشارد نيكسون قوات في لاوس سراً. وعندما أصاب الجمهوريون أوباما بالإحباط، قام الرئيس بالتصريح: “لدي قلم، ولدي هاتف. وباستطاعتي استخدام ذلك القلم للتوقيع على أوامر تنفيذية والقيام بإجراءات تنفيذية وإدارية تحرك الكرة للأمام”.
وغالباً ما يقف الكونغرس محتجا وتأتي أي أصوات معارضة من المحكمة العليا، إذ تم إيقاف استيلاء ترومان على الفولاذ وإجراءات أوباما حول الهجرة من قبل القضاء.
ونتيجة لما سبق، فالكونغرس، المكون من 535 شخصا غالباً ما تسود الخلافات بينهم، غالباً ما يجد نفسه يندفع من أجل القيام بالتحقق من أفعال الرئيس.
وبينما لم ينشأ الكونغرس للعمل بهذه الطريقة. وكان يهدف المؤسسون أن يكون الكونغرس الفرع الأقوى، الذي يضع قوانين تعيق الرئيس ويصدر أخرى لتمويل خططه. لكن على مدى القرن الماضي، حصل البيت الأبيض على المزيد من السلطة التي تنازل عنها الكونغرس.
واليوم، ومع ارتفاع القلق حول ترامب بين الديمقراطيين والمحافظين الدستوريين، هناك فرصة جديدة أمام الكونغرس لاستئناف عمله الصحيح باعتباره الفرع الأول من خلال بعض الإجراءات البسيطة لكن قوية.
وتاليا ست طرق باستطاعة الكونغرس من خلالها فرض سلطته ومنع الرئيس ترامب من التجاوز:
التأثير على عملية الترشيح
عادةً ما ينظر مجلس الشيوخ للأشخاص المعينين في وزارة الرئيس الجديد ويوافق عليهم فوراً. إلا أنه لا يوجد شيء في الدستور يلزمهم بهذا الإذعان.
ويذكر أن أول مجلس شيوخ “كونغرس” رفض للرئيس جورج واشنطن، تعيين بنجامين فيشبورن. وكان واشنطن رشحه في آب/ أغسطس 1789 للعمل كضابط في البحرية في ميناء سافانا، واشتكى السيناتور جايمز من هذا الاختيار وأكد رفضه.
أما في الوقت الحاضر، يرفض مجلس الشيوخ حسب النظام إعطاء مرشحين بمناصب تنفيذية دنيا أصواتاً أو جلسات استماع. كما يمتنع أعضاء مجلس الشيوخ عن الموافقة على بعض المرشحين من أجل انتزاع تنازلات من الرئيس، غالباً في أمور غير جوهرية.
ويتم إهمال بعض المرشحين لمناصب أعلى أيضاً، حيث انتظر النائب العام النهائي لأوباما أكثر من نصف عام قبل الحصول على الموافقة عليه ليرأس وزارة العدل. وتم ترشيح ميريك غارلاند للمحكمة العليا في آذار/ مارس الماضي ولم يحصل على جلسة استماع.
وخلال الأيام والأسابيع القليلة الأولى لإدارة ترامب، سيحصل مجلس الشيوخ على قوة فريدة للتأثير على أجندة ترامب؛ لأن البيت الأبيض سيرغب بالحصول على تأكيد سريع لعشرات المرشحين البارزين.
وسيحصل أغلب ذلك بعيداً عن الأضواء، وبعد جلسات الاستماع المتصدرة للعناوين للمعينين في مجلس وزراء الرئيس الجديد. وبينما يجري ذلك، باستطاعة مجلس الشيوخ الجمهوري انتزاع تنازلات سياسية من ترامب مقابل أصوات تأييدهم.
وسيحتاج ترامب تقريباً كل الأصوات، ويملك الحزب الجمهوري فقط 52 صوتاً في مجلس الشيوخ، ما يعني أن ثلاثة معارضين فقط من حزبه سيلغون اختياراته، بافتراض أن جميع الأعضاء من الحزب الجمهوري يصوتون بالقبول، وأثبت أعضاء من مجلس الشيوخ أمثال بين ساسي من نبراسكا، وجيف فلايك من أريزونا، وسوزان كولينز من ماين، وراند باول من كنتاكي، وجون مكاين من أريزونا أنهم مستعدون لسحق الرئيس إضافة لحزبهم. ويرى تيد كروز وماركو روبيو في التصويت على المرشحين فرصةً للانتقام من تحطيم ترامب لهم خلال الانتخابات التمهيدية.
وسيملك ترامب حافزاً إضافياً من أجل التعاون مع أعضاء مجلس الشيوخ المعارضين، لأن أي تأخير سيتركه تحت رحمة المتبقين من موظفي إدارة أوباما الذين لامهم ترامب على تخريب الولايات المتحدة.
وبمجرد اكتمال فريق ترامب، سيكون أقل حاجة للعمل مع الكونغرس، لذلك يجب على أعضاء مجلس الشيوخ من الحزب الجمهوري التفكير ملياً قبل الموافقة على مرشحيه.
تقليل السلطات التنظيمية للسلطة التنفيذية
يسن الكونغرس قرابة 50 قانوناً مهماً كل عام. وتصدر الوكالات التنظيمية للسلطة التنفيذية بضعة آلاف من الأنظمة المصغرة، سنوياً، وبين 80 إلى 100 منهم يملكون آثاراً تقدر بقيمة 100 مليون دولار أو أكثر. ومجموع الأنظمة تجمع في قرابة 180 ألف صفحة وتعكس التحول الهائل في سلطة سن القوانين من السلطة التشريعية إلى التنفيذية.
وتوعد ترامب بخفض الأنظمة؛ ما يعني عند تنفيذه أنه يرغب بتقليل سلطات السلطة التنفيذية. وباستطاعة الكونغرس بسهولة إلزامه من خلال تمرير قوانين للحد من سلطة الوكالات على إصدار اللوائح وتقليل الأثر الحالي للقوانين التي سنتها السلطة التنفيذية.
وهناك مشروعا قانون أساسيان يؤديان لتحقيق هذه الأهداف هما : (REINS Act) قانون الأنظمة من السلطة التنفيذية المحتاجة للفحص الذي قدمه عضو الكونغرس تود يونغ، و(SCRUB Act) قانون البحث عن قطع الأنظمة المكلفة وغير الضرورية الذي قدمه عضو الكونغرس جايسون سميث.
وسيتطلب قانون “راين” موافقة الكونغرس على أهم الأنظمة والقوانين، أولئك الذين يملكون تأثيراً بقيمة 100 مليون دولار أو أكثر على الاقتصاد. في حين أن فكرة المراجعة التشريعية المسبقة للأنظمة ليست جديدة. فعلى سبيل المثال ولاية كونيتيكت تملك لجنة مراجعة الأنظمة التشريعية توافق على الأنظمة قبل أن تصبح نافذة المفعول.
وأقر مجلس النواب قانون (REINS Act) في آخر ثلاث جلسات في الكونغرس. وسيكون من الأصعب الحصول على موافقة مجلس الشيوخ إلا أن زعيم الأغلبية ميتش ماكونيل قد يحصل على موافقة ثمانية أعضاء من الحزب الديمقراطي ممن يشعرون بالرعب من قدرة ترامب على تغيير السياسة من جانب واحد.
فيما سيتطلب قانون (SCRUB Act) لجنة من نوع “BRAC” من أجل تحديد القوانين البالية وغير الفعالة والتي عفا عليها الزمن والمزدوجة منها. وسيصوت الكونغرس على الاحتفاظ بهذه القوانين أو القضاء عليها. وهي عملية مستساغة سياسياً لحشد الدعم من الحزبين لاستهداف قوانين غير ضرورية، وهي ممارسة تتردد الهيئات الحكومية في القيام بها.
وسيعمل القانون -أيضاً- على الإبطاء من تكدس القوانين بمرور الزمن من خلال تحديد مدة صلاحية 10 أعوام للقوانين الجديدة ومواجهة الهيئات الحكومية بإيقاف قوانين عند صدور قوانين جديدة بديلة.
زيادة التوظيف في السلطة التشريعية
في القرن الماضي، تنامت السلطة التنفيذية. وفي العام 1900، كان هناك ثمان من الإدارات الاتحادية، وكان عدد العاملين فيها 230 ألف موظف، 135 ألفا كانوا يعملون في مكتب بريد الإدارة.
وفي الوقت الحاضر، الحكومة الوطنية لديها 4.1 مليون موظف مدني وعسكري وبميزانية تبلغ 4 تريليونات سنوياً. وهناك حوالي 120 وكالة تنفيذية، والتي لا تشمل 60 من الكيانات الأخرى المستقلة، مثل لجنة الاتصالات الاتحادية.
إن الإشراف على هذه الكيانات الشاسعة يعتبر تحدياً حقيقياً، إذ عمل الكونغرس على تقليص حجم السلطة التشريعية خلال الأعوام الأربعين الماضية. وتم تخفيض عدد موظفي الكونغرس، وتقليص حجم وحدات الخبراء غير الحزبيين الذين يعملون على مساعدتهم.
ويعتقد الكونغرس أن توفير أموال دافعي الضرائب يكون عن طريق شد الأحزمة الخاصة به. ولكن من دون توافر موارد كافية، لا يستطيع الكونغرس القيام بالإشراف الدقيق على إدارة ترامب ومنع أي سياسات كارثية وذات تكاليف باهظة.
التضييق على الدعاية الإعلامية للسلطة التنفيذية
بدأت الدعاية مع بدء اليوم الأول من الجمهورية. فالراديو والتلفزيون والإنترنت حالياً وسعت من سلطة الإدارات للتحدث مباشرة إلى الشعب لإقناعه.
بينما يسعى الرؤساء للفوز بمعاركهم من خلال الدعم العام، كما يقول الأستاذ في جامعة ويسكونسين-ميلووكي، موردخاي لي، نظراً لأن السلطة التنفيذية تستطيع التكلم بصوت واحد. على عكس الكونغرس الذي يتحدث بشكل مشتت ومتناقض. وعمل الكونغرس على سن عدة قوانين خلال عهد “وودرو ويلسون” لكبح اتصالات السلطة التنفيذية مع العامة، ولكنها لم تحقق شيئاً يذكر منذ ذلك الوقت.
واليوم، تعتبر هذه مشكلة حقيقية. فالحكومة الاتحادية تنفق أكثر من مليار دولار سنوياً للتواصل مع العامة. وعادة، ما تكون المعلومات التي تستخلصها من الناس مفيدة وموضوعية، لكن الرؤساء الأواخر أثبتوا أنهم أكثر من سعداء لمخاطبة العامة للحصول على الدعم.
فعلى سبيل المثال، تم الكشف عن أن “وكالة أوباما لحماية البيئة”، منخرطة في حملة “دعاية سرية” للحصول على دعم العامة من أجل إصدار قوانين ولوائح جديدة. والرئيس السابق جورج بوش لديه حصة كبيرة في الفضائح الدعائية، تماماً مثل بيل كلينتون. والآن، يأتي ترامب، الذي أثبت عبقرية كبيرة في نشر تغريدات لفرض شروطه على المناظرات العامة. ويساعده في هذا ستيف بانون الرئيس السابق لـ “Breitbart” لتشكيل مراسلات السلطة التنفيذية.
ولاقتناص أي فرصة للنجاة من غارات اتصالات ترامب، فإن الكونغرس يحتاج إلى تضيق الخناق على وكالات الاتصالات والإعلان. ويستطيع الكونغرس أن يرسل إلى مكتب ترامب قانوناً ينظم اتصالات الوكالات العامة لتكون أكثر موضوعية ومتوازنة في اللهجة ولا تهدف إلى بيع السياسة العامة، وهذا سيضعه في موقف صعب؛ فإذا قام بالاعتراض عليه للحفاظ على منبر الفتوى، فإنه سيكشف أن اتصالات إدارته مسيسة وفاقدة للشرعية أو يستطيع أن يوقع على القانون ويتكيف مع الواقع الجديد.
ويجب أن تكون بيانات الإنفاق لوكالات الاتصال متاحة للجمهور حتى يتسنى للصحفيين والجماعات الحكومية الجيدة مراقبة المصادر. وإذا كانت الأموال العامة تستخدم للأغراض الدعائية، فعلى المكتب التنفيذي للميزانية تغريم سلطة الإنفاق بمبلغ معادل.
سحب بعض الصلاحيات المالية
المادة “I” تمنح الكونغرس صلاحية كاملة لجمع وإنفاق الأموال العامة. وليس للرئيس مصروفات مستقلة أو سلطة ضريبية خارج تفويض الكونغرس، وعليه أن يقدم كشفاً سنوياً له.
ومع ذلك، فإن للكونغرس دائماً أفضلية غير عادية على السلطة التنفيذية، ومنح الإذن للوكالات التنفيذية لجمع وإنفاق الأموال بتوجيه بسيط من الكونغرس.
ففي العام الماضي، كانت الرسوم والغرامات بما مجموعه حوالي 516 مليار دولار، أي ما يعادل سُبع مجموع الميزانية، التي لا تمر عبر القنوات المعتمدة سنوياً.
وهذا يساوي تقريباً ما تنفقه الدولة على الدفاع الوطني. وجاء هذا الكم الكبير من المنح التي تهبها سلطة الإنفاق في الكونغرس و”Dood-Frank” وهو تشريع إصلاح مالي؛ لتمويل برنامج مكتب حماية المستهلك إلى جانب أموال من البنك الاحتياطي الفيدرالي وهو كيان شبه حكومي.
وكانت تشريعات الكونغرس الأخيرة التي قدمها غاري بالمر تقضي بذلك فقط، ولكن سيكون من الحكمة أن يقوم الكونغرس بوضع خريطة لتحديد ما على الوكالات أن تنفقه وفي أي مجال، ومن ثم اتخاذ القرار حيال الوكالات التي يجب أن تخفض من نفقاتها.
ومن الملاحظ، أن الكونغرس كان على جهل تام بالوكالات التي تقوم بجمع الأموال وأيّ رسوم وغرامات ولأي غرض، كما ظهر في جلسة الاستماع الفرعية لمراقبة البيت الأبيض وإصلاح الحكومة أخيرا.
توضيح ما يمكن اعتباره تهمة
إن الاتهام هو قوة عظمى للكونغرس، توضح حقاً التفوق التشريعي على السلطة التنفيذية وعلى السلطة القضائية فيما يتعلق بها. ولكن، الدستور ليس واضحاً تماماً فيما يتعلق بماهية هذه التهم (الخيانة، والرشوة، وغيرهما من الجنايات والجنح) وهذا الغموض قد يعني بأن الرؤساء لديهم القليل من الأسباب التي تدفعهم للخوف من استدعائهم للمحاسبة على أعمالهم، وتسمح للمشرعين بالتغاضي عن مساءلة الرئيس.
وبإمكان الكونغرس أن يكون واضحاً من خلال رسم خطوط عامة حول ماهية التهم من خلال وضع تشريع يحدد ما الذي يمكن اعتباره جريمة. وكان هناك اقتراح قام بتقديمه “تيد يوهو” من فلوريدا في بداية العام 2015، وهو نوع من الاتفاق التشريعي، يوضح ببساطة ما هي التهم التي يستطيع الكونغرس اعتبارها جريمة مثل “إعلان الحرب دون تفويض صريح من الكونغرس” و”الفشل في الحرص على تنفيذ القوانين بأمانة من خلال توقيع البيانات أو السياسات المنهجية” للجهات التي ليس لديها صلاحية إنفاذ القوانين، في حين يعتبر تمرير مثل هذا القرار نوعًا من وضع الكونغرس علنا على المحك، للنظر بتهمة التقصير عندما يقوم الرئيس بتجاوز الحدود، بينما لا يحتاج القرار إلى توقيع من الرئيس.