إذا كانت ايران قد أرادت من توقيت إطلاقها، الأحد الماضي، الصاروخ البالستي أن تختبر جديّة الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب في تنفيذ تهديداته التي أطلقها خلال الحملة الانتخابية وتحدّث ببعضها في خطاب القسم، فقد وصلها الجواب يوم أمس الجمعة بأنه ليس فقط جاداً وإنما أيضاً يمتلك خريطة متكاملة لخطوط الاشتباك الجديدة وعلى الأرض، في مواجهة ايران، بالخليج والجزيرة وفي الشرق الأوسط عموماً.
بهذا المعنى اتفقت تغطيات الصحف والمواقع الإخبارية الأمريكية صباح اليوم السبت، وهي تعرض تسلسل وسياقات ردود ترامب ومجلسه للأمن القومي على الخطوة الإيرانية من قائمة الحظر على الكيانات الإيرانية ذات الصلة بالترسانة العسكرية، الى مرابطة المدمرة كول بالمياه اليمنية المستهدفة من إيران والحوثيين، الى اعتبار الوجود الإيراني في العراق نوعاً من الاحتلال المرفوض، الى وجوب خروج إيران وحزب الله من سوريا… وكل ذلك ضمن المربع الأكبر الذي يصف إيران بأنها أكبر دولة داعمة للإرهاب في العالم.
خريطة اشتباك تحت العصا الغليظة
خريطة مواقع الاشتباك هذه بين واشنطن وطهران، كما حددها ترامب يوم أمس، أضاف لها قاعدة تعامل جديدة اختصرها في سلسلة تغريدات ترفع العصا الغليظة وتقول “أنا لست باراك أوباما الذي كان لطيفاً معكم إلى درجة لم تقدروها”.
وفي الساعة 1.34 دقيقة من بعد ظهر الجمعة كتب ترامب على صفحته في تويتر، وهي التي بات يعتبرها وكالة الأنباء الخاصة به، يقول “كانت إيران تركع على رجليها مستجدية تنتظر الانهيار، إلى أن جاءتها الولايات المتحدة وأعطتها جرعة الحياة متمثلة بمبلغ ال 150 بليون دولار”.
وكان ترامب يشير في ذلك الى أن الخدمة التي قدمها أوباما لإيران بتلك الصفقة كانت خطأ لم تُحسن طهران استخدامه والبناء عليه، ولذلك “عليها الآن أن ترى الذي لم تسمعه أو تفهمه”، كما يقال.
الخطأ الإيراني في اللعبة النفسية
مساء الأربعاء الماضي أقر الرئيس الأمريكي تنفيذ غارة صاعقة على موقع لتنظيم القاعدة في اليمن، وهي عملية كانت قيد التخطيط منذ أيام سلفه باراك أوباما، نفذتها مجموعة كوماندس مارينز رقم 6، هي نفسها الفرقة التي كانت نفذت اغتيال أسامة بن لادن.
نتائج العملية قد لا تكون بالوزن الكبير في محاربة الإرهاب، لكنها كانت تحمل رسالة ضمنية لإيران أيضاً بأن العصا الأمريكية الغليظة جرى رفعها إلى جانب “العين الحمراء”.
ففي سياق اللعبة السيكولوجية التي تمرّست بها إيران في السنوات الماضية وأعطت نتائج كان أحدها الاتفاق النووي 2015، حاولت طهران أن تجرب نوعاً من استعراض القوة متمثلاً بتجربة الصاروخ البالستي، لتفاجأ، كما يقول موقع “كونزرفاتف تربيون”، بأنها لعبت الورقة الخطأ في الوقت الخطأ. فقد كان ترامب جاهزا، وكأنه ينتظر غلطة من هذا النوع، ليطرح سلسلة متصلة من نقاط الاشتباك مع طهران في الشرق الأوسط يريد بوضوح أن تخرج منها طهران بقواعد جديدة.
أول تلك النقاط للاشتباك كانت العراق الذي قال ترامب أن الولايات المتحدة أهدرت فيه 3 تريليون دولار وانتهى بوجودٍ إيراني نافذٍ، يُفترض أن لا يكون.
نقطة اشتباك أمريكية أخرى مع إيران، هي سوريا التي لم يترك مجلس الأمن القومي الجديد الذي شكله ترامب من نخبة العسكريين، شكاً بأن لا مكان لإيران أو حزب الله في سوريا وكان ملفتاً ما صدر عن الرئيس اللبناني ميشيل عون من تأييد عمومي لترامب، في زحمة اشتباكات الأخير مع إيران وحزب الله.
اتصال ترامب بالقيادتين الإماراتية والسعودية
نقطة اشتباك ثالثة بين واشنطن وطهران هي في الإقليم النفطي وقد كانت الرسالة واضحة لإيران من خلال الاتصالين الهاتفيين للرئيس الأمريكي الجديد مع القيادتين الإماراتية والسعودية يوم الاحد الماضي كانت رسالة بروتوكولية تحمل في ثناياها إشارات ضمنية فهمتها ايران في حينه وتأكدت منها يوم أمس الجمعة.
الإعلان عن مرابطة المدمرة كول، عند مضيق باب المندب، في مياه اليمن، جاء رسميا بأنه رد على هجوم شنه الحوثيون (المدعومون من إيران) على فرقاطة سعودية، وجود قطعة بحرية أمريكية بهذا الوزن، مرفوقة بسفينتين برمائيتين، في البحر الأحمر وبحر العرب وعند مداخل الخليج، هي في الحسابات العسكرية ترسيم جديد لخطوط الاشتباك مع إيران في الإقليم النفطي الذي جعله ترامب يمتد ، جغرافياً، هلالا من باب المندب مروراً بمضيق هرمز وصولاً إلى العراق
وبالتدقيق الإجرائي ، يتضح أن هذا الهلال النفطي من باب المندب الى كركوك ، يتقاطع في منتصف الطريق مع ما يسمى بـ “الهلال الشيعي” الذي تريده إيران أن يمتد من طهران إلى بغداد ودمشق وصولاً إلى السواحل اللبنانية على المتوسط.
قواعد الاشتباك التي وضعها ترامب على الأرض يوم الجمعة ، تجعل الهلال النفطي ، التخيلي ” يكسر الهلال الشيعي التخيلي في خريطة متحركة ابتدأ توقيتها الرسمي يوم أمس الجمعة ، حسب قراءة محللي تغريدات الرئيس الامريكي.
ما فعله الرئيس ترامب يوم الجمعة وهو يصدر وينفذ سلسلة من الإشارات التحذيرية والإجرائية، لإيران، واصفاً إياها بأنها أمّ الإرهاب في العالم، هو “حسب توصيف شبكة فوكس نيوز” دفعٌ بإيران إلى حافة الهاوية”، بعد أن نجح ترامب بتحييد روسيا من خلال إشراكها في ترتيب الوضع السوري بشرط أن لا يكون لإيران وحزب الله مكان فيه.