أخبار الساعة » كتابات ومنوعات » اقلام وكتابات

رجل اليمن الاستثنائي

- محمد النظاري

محمد حسين النظاري

رجل اليمن الاستثنائي

  • 33 عاماً حكم فيها اليمن مجزأً وموحداً، ليدخل بذلك التأريخ كأطول رجل استطاع أن يبقى في سدة الحكم اليمني رغم الصعاب التي اكتنفت العقود الثلاثة التي قضاها رئيسا لليمن، وصفه خصومه قبل أنصاره بأن الرجل القوي، ولعل الخروج الاستثنائي له من سدة الحكم وبانتخابات رئاسية مبكرة حددها مسبقا وأصر عليها حتى خالها البعض حلماً بعيد المنال وإذا بالحلم سيبقى حقيقة بعد اقل من شهر من الآن وتحديداً في 21 من فبراير القادم.
  • سيضل فخامة الرئيس علي عبد الله صالح الاستثناء الوحيد ليس فقط في فترة حكمه، ولا في قدرته على التعاطي مع مختلف التيارات السياسية، ولا في معرفته الدقيقة بمجريات الشأن اليمني حتى انه يكاد يكون الرئيس الوحيد الذي جاب البلاد طولاً وعرضاً شمالاً وجنوباً صحاريَ ووديان، جبالاً وسهول، ولعل ذلك الأمر من بين الأشياء التي مكنته من معرفة الكثير والكثير عن أسرار البلد الذي ظل مسيطراً على مقاليد حكمه لهذه الفترة الطويلة.
  • ما يميز الرجل أن يقدر خصومه ويعرف مكامن قوتهم وضعفهم قبل أنصاره، يتحاور ولا يمل من الحوار حتى يمل محاوروه، وان عادوا مجدداً عاد إليهم من جديد، ولعل المفردة الأكثر استعمالاً في كلامه السياسي مفردة الحوار، وهذه المفردة جعلته يمسك بالتحاور ولا يفرط فيه تماما كشعرة معاوية فإن شُدت من معرضيه أرجاها ، وإن أرخيت منهم شدها، يشهد له كل من عرفه بالدهاء الفطري الذي فاق فيه على الحاصلين حتى على أعلى الدرجات العلمية في العمل السياسي.
  • مر بفترات صعبة وصعبة للغاية استطاع بحنكته تخطيها ولعل ابرز الفترات الصعبة حرب الخليج الثانية وما أعقبها من تغير في الموقف الخليجي نحو اليمن ونحوه شخصياً، وما تلاها من حرب صيف 94 وكلا الحالتين كانت كفيلة بإنهاء أي رئيس، إلا انه استطاع إلى جوار العديد من الأزمات أن يخرج أقوى منه قبلها، بل ويعيد علاقاته أقوى من ذي قبل مع كل الأطراف.
  • حقق الله في أيامه العديد من المنجزات وان كانت ليست هي كل ما يطمح إليه الشعب اليمني، كاستخراج النفط والغاز وإعادة بناء سد مأرب والانفتاح السياسي والإعلامي وتوسع الحريات – وان كان يراها البعض على قاعدة قل ما تشاء ونفعل ما نريد- وإعادة تحقيق الوحدة اليمنية المباركة، وتحسين علاقات اليمن بالكثير من الدول والمنظمات الدولية، إلا أن ما عاب فترة حكمة استشراء الفساد، وعدم معاقبة ناهبي المال العام، والمستولين على أراضي وممتلكات الدولة خصوصا في المناطق الجنوبية، وعدم تغيير الوجوه التي ظلت ترافقه طيلة مشوار حكمه وان تبدلت الواقع، ولعل هذه الآفات كانت هي القاسم المشترك في خروج الشباب مطالباً بالتغيير مرتكزاً على توسعها أولاً، ومستنداً أو محاكياً لما يحدث في بعض البلدان العربية بما يسمى بثورات الربيع العربي، والتي أسست لفوضى عارمة لا زالت تعاني منها بعض البلدان ونحن من بينهم.
  • لا ينصف الرجل من ينعته بالسوء فقط، ويجانب الواقع حين لا يتحدث عن قوته وحنكته ومدى قدرته على التسامح مع الآخرين بحيث انه لا يعرف عداوة مطلقة، كما انه لا يعرف صادقة دائمة في إطار العمل السياسي، ولو لم يكن يتمتع بهذا القدر الكبير من الدهاء لما ستطاع أن يتغلب على اشد فترات حكمه وهي الممتدة بين فبراير 2011 وحتى يناير 2012، فعلى مدار عام كامل كان المحيط العربي يشتعل بل ويحترق بكل شيء وبما فيه حكامه، فشهدنا رئيساً هارباً وثانياً مقتولاً وثالثاً سجيناً ورابعاً يرفض حتى الاعتراف بأن هناك من خرج منادياً برحيله، إلا انه اقتنص اللحظة الفارقة في الزمن الأهم، وبادر إلى إيجاد مخرج مشرف له ولوطنه وشعبه .
  • إن المبادرة الخليجية التي تنفذ الآن في مجملها كانت هي النقاط الرئيسية التي نادى بها في مطلع العام المنصرم، وضحك حينها البعض عليها، وها هي اليوم تنفذ حرفياً وبحسب ما أراد، ورغم محاولة اغتياله وكبار قادة الدولة في جريمة نكراء بجامع النهدين، إلا انه لم يستخدم الانتقام بل استطاع استثمار هذه الجريمة في إفهام المجتمع الدولي مدى خطورة الوضع في اليمن لاسيما الانقلاب للاستيلاء على الحكم، وهو جعل مجلس الأمن الدولي يأخذ الأوضاع اليمنية في منحى بعيد عما يدور في المنطقة.
  • في الأزمة التي عصفت بالمنطقة، وفي ظل خروج المنادين برحيله استطاع أن يجعل الشارع اليمني شارعين والجمعة جمعتين والرأي رأيين مستنداً في ذلك على ما يحظى به من دعم أنصاره ومؤيديه الذين كان يخرج إليهم علناً كل جمعة، والذين ازدادوا عدداً بعد جريمة دار الرئاسة والطريقة التي تعامل بها بعد خروجه منها معافى.
  • أليس استثناءً أن يغادر السلطة من الباب الكبير الذي دخل منه والمتمثل في الانتخابات، أليس استثناءً أن يحظى بحصانة يمنية من مؤيديه ومعارضيه بدعم خليجي ومساندة دوليه، أليس استثناء أن يظل حزبه الذي أسسه موجوداً في الساحة بل ومشاركاً في نصف الحكومة، ناهيك أن الرئيس التوافقي عبد ربه منصور هادي هو نائبه في الرئاسة والحزب، بمعنى أن الرئاسة لم تذهب بعيداً عنه.
  • أليس استثناءً أن يستطيع الخروج من اليمن والعودة إليها، في وقت لم يستطع البعض من الظهور حتى في المحيط الذي يعيش فيه، أليس استثناءً ألا يتم اجتثاث أركان سلطته والذين سيقودون بعضا من المرحلة الانتقالية، فيما سيكون الاستثناء الأكبر عودته بعد تسليم الحكم ليمارس المعارضة من خلال رئاسة حزبه.
  • أن من الواقعية أن لا نهضم هذا القائد الكبير حقه، فإن كان معارضوه لا يرضوا عنه فهذا من حقهم، ولكن ليس من المنطق طمس ايجابياته إلى صنعها، يعجبني من لا يفجر في الخصومة بل يعطي كل ذي حق حقه في الذم والمدح.
  • عندما يُعلن عن انتخاب المشير عبد ربه منصور هادي رئيساً للجمهورية اليمنية، فإنه سيجد سلفه يسلمه السلطة في أجواء ديمقراطية سعى إليها وأرساها وها هو اليوم يطبقها، فأي رئيس في محيطنا يقود حملة دعائية لخلفه، بل ويرقيه لرتبة هو يحملها، وأي رئيس يحشد الحشود لنصرة نائبه، وأيهم يستطيع أن يقول - ناهيك عن التنفيذ -: سآخذ حقيبتي وأغادر القصر الجمهوري بعد تسليمي الرئاسة للرئيس المنتخب.
  • انه وببساطة فخامة الرئيس علي عبد الله صالح، ذلك الرجل الذي سيخلده التاريخ، وسيبقى اليمنيون يذكرونه معارضوه قبل مؤيديه، وسيظل الآتون يروون كيف استطاع أن يخرج بنفسه وشعبه وبلده من حرب طاحنة، كانت واقعة لا محالة لو انه لم يحكم عقله، ولم يرجح كفة كفاحه السياسي وتاريخه النضالي على التمسك في السلطة بقابل خراب بلده، ليخرج الجميع من الأزمة مرفوع الرأس، وهو في مقدمتهم،  في وطن يتسع للجميع.
  • فستبقى محبتك راسخة في قلوب محبيك، وصورتك محفورة في أذهانهم، ولولا أنها سنة الله في خلقة حيث يداول الأيام بين الناس لما ارتضوا برحيلك، ولكنهم طامحون في التغيير وليكملوا مسيرة بدأتها منذ 33 عاماً، فحفظك الله أينما كنت وسدد على طريق الخير خطاك، وجعل الله سلفك المناضل المشير عبد ربه منصور هادي امتداداً لكل خير عملته، وجنبه ما وقعت فيه من أخطاء، وعاشت اليمن سعيدة كما كانت.

باحث دكتوراه بالجزائر    

تعليقات الزوار
1)
ابن الاكرمين -   بتاريخ: 24-01-2012    
عجزة بطون الامهات في هاذا الزمن ان يلدن رئيس دوله كهذا الاسد /// سيذكرني قومي اذاجد جدهم وفي اليلة الضلماء يفتقد البدر....لك التحيه ايها الائد الابي الشهم لك والله كل الحب ,,اراد الله لك العزه وان تخرج رافع الراس واعدائك سيشهدون لك يوم ما.. فصدام ذهب والكل يلعنه واليوم العالم العربي يتمنا اثره وهاكذا نحن...
نذكر الانسان بعد فقده احبك والله يا ابا احمدلك الحب والاحترام
2)
أبو هديل -   بتاريخ: 24-01-2012    
أخشى ان الرجل يصدقكم ويتراجع. مع كثرة المرشحين للانتخابات في 21 فبرايرويفوز بها.خاصة وأن المعلقين حتى الأن من اسرة واحدحسب اعتقادي

Total time: 0.0482