أقر مجلس الشيوخ الفرنسي أمس الاثنين مشروع قانون يجرم إنكار تعرض الأرمن لإبادة جماعية علي يد الأتراك العثمانيين إبان الحرب العالمية الأولى، في حين توالت الردود التركية الغاضبة جراء إقرار القانون، بصورة تزيد من تفاقم الأزمة الدبلوماسية بين أنقرة وباريس.
وأقر مجلس الشيوخ مشروع القانون دون إدخال تعديلات عليه، بموافقة 127 عضوا مقابل رفض 86 آخرين، وكانت الجمعية الوطنية الفرنسية (مجلس النواب) أقرت مشروع القانون في ديسمبر/كانون الأول الماضي.
ويقضي مشروع القانون بمعاقبة من ينكر وقوع عمليات إبادة الأرمن التي اعترفت بها فرنسا بالسجن لعام وغرامة قدرها 45 ألف يورو (57 ألف دولار).
وبعد تبني مشروع القانون، باتت فرنسا الآن تعترف رسميا بإبادتين جماعيتين، وهما المحرقة النازية بحق اليهود (الهولوكوست) إبان الحرب العالمية الثانية، ومقتل مئات الآلاف من الأرمن شرقي تركيا في الفترة بين العامين 1915 و1917.
وسيحال مشروع القانون إلى الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الذي ينبغي أن يقره قبل العطلة البرلمانية في نهاية فبراير/شباط قبل الانتخابات الرئاسية.
أزمة دبلوماسية بين تركيا وفرنسا بسبب قانون مجازر الأرمن (الجزيرة)
|
ردود تركية
وفي أنقرة توالت الردود التركية المنددة، حيث استنكرت وزارة الخارجية التركية إقرار مشروع القانون، ووصفت قرار مجلس الشيوخ بأنه "طائش".
وقالت الوزارة في بيان لها أمس الاثنين إن تركيا سوف تتخذ كل الخطوات اللازمة لمواجهة القانون الفرنسي، وإنها ستعلن ردها من كل منبر.
بدوره اعتبر وزير العدل التركي سعد الله أرجن أن تصويت مجلس الشيوخ الفرنسي الاثنين على اقتراح قانون يعاقب إنكار الإبادة الأرمنية "لا يحترم أبدا" تركيا، وهو "ظلم كبير" بحقها، وصرح الوزير التركي للمحطة الإخبارية التركية "سي أن أن تورك" فور تبني النص، بأن هذا القانون "لاغ" بالنسبة لتركيا.
من جانبه قال سفير تركيا في فرنسا أمس الاثنين إن أنقرة قد تخفض وجودها الدبلوماسي في باريس إلى مستوى القائمين بالأعمال، وإن إقرار مجلس الشيوخ الفرنسي للقانون سيفسد العلاقات بين البلدين الحليفين في حلف شمال الأطلسي.
وسئل السفير تحسين بورجو أوغلو هل سيعود إلى تركيا بعد الإعلان عن نتيجة التصويت فقال للصحفيين "سأفعل على الأرجح، وستكون دبلوماسية على مستوى القائمين بالأعمال لا السفارات".
والقائمون بالأعمال هو أدنى مستويات التمثيل الدبلوماسي المعترف بها بموجب معاهدة فيينا للعلاقات الدبلوماسية.
وقال السفير إن تركيا لن تقبل أبدا مثل هذا القانون، وقال للصحفيين "لك أن تتصور كل شيء وأي شيء، لأنها مسألة حساسة لتركيا، والآن فإن الجميع سيدفعون ثمنا بما في ذلك تركيا وفرنسا وأرمينيا".
أردوغان قال إن حكومته أعدت العدة للتعامل مع فرنسا في حال إقرار القانون (الجزيرة)
|
أردوغان يتوعد
وكان رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان قال في تصريحات أمس الاثنين إن حكومته أعدت العدة للتعامل مع فرنسا في حالة إجازة مجلس الشيوخ مشروع قانون الإبادة الجماعية للأرمن. وجاء التصريح على هامش زيارته لنقابة سائقي سيارات الأجرة في تركيا.
كما نقل الموقع الإلكتروني لصحيفة (حرييت) عن أردوغان قوله "لن أذهب إلى فرنسا مجددا في حال تمت المصادقة على مشروع القانون".
وأضاف أردوغان أن مشروع القانون يتعارض مع حرية التعبير، وهو مجرد وسيلة للحصول على المزيد من التأييد في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وتمنى على مجلس الشيوخ الفرنسي ألا يوافق على قرار "يتعارض مع تاريخ فرنسا".
وكانت تركيا هددت بفرض عقوبات دبلوماسية واقتصادية في حال تمرير مشروع القانون في مجلس الشيوخ الفرنسي. وأعلنت أنقرة بالفعل عن أول جولة من الإجراءات العقابية ضد باريس في ديسمبر/كانون الأول الماضي.
وفي هذا الصدد، علقت تركيا في وقت سابق الاجتماعات الاقتصادية والسياسية والعسكرية مع فرنسا، واستدعت سفيرها هناك لوقت قصير، ردا على إجازة مشروع القانون في مجلس النواب.
وتنكر تركيا بشدة أن قتل الأرمن كان إبادة جماعية، قائلة إنه لم تكن ثمة سياسة ممنهجة لتدمير الجالية المسيحية الأرمينية وإن كثيرا من المسلمين الأتراك لقوا حتفهم أيضا في أعمال العنف.
واعترفت فرنسا في 29 يناير/كانون الثاني 2001 بالإبادة الأرمنية التي وقعت عام 1915، ويقول الأرمن إنه راح ضحيتها أكثر من مليون أرمني على يد الجيش العثماني، لكن تركيا تنفي ذلك.