اليمن ستصدر فائض الطاقة الكهربائية لدول القرن الأفريقي .. أضحك كلما تذكرت هذه العبارة التي أحفظها منذ العام 1999م عن مانشيت عريض كُتب على صدر صحيفة الثورة الرسمية بلسان المهندس علي حميد شرف - وزير الكهرباء حينها - وأشعر بقتامه وأنا أشعر أن الكهرباء ستؤدي إلى القضاء التام على اقتصادنا الوطني وربما تنذر بانهيار الدولة على غرار ما حلت لعنة حرب النجوم بكارثة تفكك الاتحاد السوفيتي السابق .
لا أدعي أني خبير اقتصادي لكن معاناة الجلوس في الظلام دون وجود بديل آخر هي ما دفعني للتفكير في مشاكل الإطفاء الكهربائي والأعباء الاقتصادية الناجمة عنها حتى وصلت لتلك الحقيقة المفزعة ... نعم فإن مشكلة الكهرباء في اليمن وستتسبب كارثة تقضي على الاقتصاد الوطني كاملاً وربما تؤدي لانهيار الدولة , وخلونا نحسبها كما نزلت على "نافوخي" وسط الظلام .
أولاً : تقوم الدولة بإصلاح أبراج الكهرباء التي يقوم المسلحون بتدميرها بمتوسط حسابي يصل إلى الخمسين مليون ريال ما بين قطع غيار وتكاليف نقل وأجور موظفين وعمال , ومكافئات إدارية , وما فيش داعي نقول أن حق المدراء قد تركوه بحكم رحيل صالح - اقصد الرئيس صالح - أما صالح سميع مغلاه فمن لنا يجلس يبشرنا بالخير القادم حالياً .
وفي كل مره يتم إصلاح الكهرباء يقوم المسلحون بتدمير الأبراج وهات يا فلوس وشُكا وبُكا , وكان من الأجدر حل مشكلة تدمير الأبراج الناقلة للطاقة بدلاً عن إصلاحها فقط كحل مؤقت أو إسقاط واجب حتى يغنون لنا "إحنا عملنا اللي علينا .. علينا , والباقي على الله" .
ثانياً : حتى عندما كانت الكهرباء مستمرة معظم الوقت سابقاً كانت إدارة مؤسسة الكهرباء تمنع المصانع من العمل بعد الساعة السادسة بحجة ضعف الطاقة , ومنح الأولوية للمنازل في حين أن تلك المصانع لو كانت تعمل على مدار الأربعة والعشرين ساعة لكانت ساهمت في الحد من البطالة , وقامت بتشغيل أيدي عاملة أكثر , فلو كان المصنع الواحد يشغل مائة عامل لفترة واحدة خلال النهار لشغل مائتين خلال العمل لفترتين .
ثالثاً : بدأت ظاهرة المولدات الكهربائية "المواطير" نتيجة أزمة الإطفاء الكهربائي - التي لم يعد أحد يذكرها باعتبارها عقاب جماعي بالمناسبة - وهذه المولدات ساهمت في استنزاف المحروقات والمشتقات النفطية , وبالذات ( الديزل , والبترول , والغاز ) وهي مواد أساسية لتسيير عجلة الاقتصاد , وكذلك الحياة اليومية والمنزلية للمواطنين مما أعطى زيادة في الطلب , وبالتالي أدى لارتفاع السعر بحسب النظرية الاقتصادية الشهيرة , وهذا انعكس على وضع المصانع , والعمال , والمزارعين الذين وصل بهم الحال لشراء تلك المحروقات من السوق السوداء لقضاء أعمالهم وبالتالي رفع من قيمة المنتجات والسلع التي يقدمونها وانعكس على المواطن المستهلك الذي يعاني أساساً من تدني مستوى الدخل , وأصبحت عبارة (البترول والديزل ارتفع أو معدوم) تسري على كل لسان , وكان آخر ما أتوقعه أن يقولها أحد المتسولين المساكين عندما نظر بازدراء للعشرين الريال التي أعطيتها له وهو يتمتم ( يا حج قد البترول غالي وأنت عادك على العشرين الافلاس ) وللعلم فقد شعرت بالحرج الشديد منه .
رابعاً : منذ أمد ليس ببعيد وحكومتنا "السابقة" تقوم بمد أبراج كهرباء لعشرة بيوت في رأس جبل بمئات الملايين - وهذا من حقهم كمواطنين - ولو فكرت بمنحهم الطاقة الكهربائية عن طريق خازنات الطاقة الشمسية – على حسابها - دون مطالبتهم بفواتير ومتابعة الإيرادات مقابل أن يحافظوا عليها من القنص لكان أرحم , فالآن هناك مئات الملايين وربما تصل للمليارات في الأودية والشعاب والجبال بهيئة كنبات وأبراج وكابلات مرمية دون أي مردود لها , فلا تيار يسري فيها , ولا إيرادات تحصل منها , يضاف إليها وجود مواطنين ممتعضين ساخطين نتيجة تقصير الدولة في تقديم الخدمات لهم .
خامساً : كم عدد المرات التي سمعنا فيها عن رصد ميزانيات ضخمة لإصلاح أو شراء أو استحداث محطات كهربائية إسعافية دون أن تكون هي الحل الناجع لمشكلة الكهرباء رغم وصول تلك المبالغ لأرقام فلكية وجعلت الدولة ترزح تحت ديون طائلة , وكم نعلم من شراءٍ لكهرباء إسعافية من بواخر على مياهنا الإقليمية تستنزف موارد البلد لأقصى حد .
سادساً : الإيرادات الحقيقية للكهرباء وتصل لأرقام فلكية قادرة على تعزيز الميزانية للبلد لا يتم تحصيلها كونها تحمل أسماء شخصيات نافذة يتطلب وصول المُحصل إليهم لتسليم الفاتورة , أو فصل التيار عنهم تجهيز حربي متكامل وميزانية هائلة قد يوازي ما أُنفق في حرب فيتنام , ولهذا يتم التغاضي عنه .
لا يزال هناك سابعاً وثامناً .. و .. و .. و .. الخ . لكني لا أريد أن أثقل عليكم أكثر وسأقفز بكم إلى النتيجة التي توصلت إليها مباشرةً في حال استمر الوضع على هذا الحال السيئ للغاية .
الحل يتمثل برفع شعار "الدولة الرومانسية الحديثة" التي ستتعاون معها حكومة الوفاق الحالية تمهيداً لخروجها إلى النور بسبب الإحراج الكبير الذي تعاني منه بسبب "الدولة التكفيرية الحديثة" التي مرّغت بسمعتها في الحضيض خصوصاً بعد رضوخها لمطالب القاعدة وإخراج مساجين لهم مقابل انسحابهم من مدينة رداع .
سيكون الخبر مفاجئاً للعالم الذي يقوم بإلغاء وزارات الإعلام عندما يسمع أن اليمن قام بخطوة هي الأولى من نوعها في العالم بإلغاء وزارة الكهرباء واستحداث وزارة جديدة هي وزارة الرومانسية التي ستكون مهمتها توفير الشموع ذات الرائحة العطرية لقضاء أماسي حالمة على ضوئها , ومما لا شك فيه أن هناك بعض الأعراض الجانبية لكل عمل أو فكرة جديدة حيث سيعادينا صندوق الأمم المتحدة للسكان الذي سيقرع ناقوس الخطر لانفجار سكاني وشيك في دولتنا النامية وتتهمنا الدول العظمى بالرومانسية المفرطة . لكن زيارة واحدة لخبرائهم ستكفي لطمأنتهم أن حالات القراح والتفجير والخروقات الأمنية والنيران الصديقة ستتكفل بإجهاض النساء الحوامل قبل الوصول للشهر السابع .
أما ما يقلقني أكثر فهي المؤامرات التي سنكابدها من الدول الرأسمالية التي ستستشعر التهديد الكبير للدولة الرومانسية وتعلن الحرب الباردة علينا خصوصاً عندما تخرج شعوبهم لشوارعهم "بصدور عارية" على أمل وصول المد الرومانسي إليهم .
بالتأكيد لا بد أن يصحب الدولة الرومانسية الحديثة بعض التغييرات في شكل الدولة التي ستخضع للاستفتاء الشعبي نتيجة تغيير العلم الوطني للون الوردي بما يتناسب مع النظام القائم , واستبدال النشيد الوطني بأغنية الزفة للفنانة منى علي رحمها الله , وكذلك تغيير اسم بلدنا الرسمي للجمهورية الرومانسية اليمنية , وبالتأكيد فسنواجه الأعباء المالية لذلك الاستفتاء بمفردنا دون دعم من الدول المانحة كالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان والدول الاسكندينافية التي ترى الشعب اليمني يقبع تحت الظلام طوال الفترة الماضية ويئن نتيجة الغلاء وتدني مستوى دخل الفرد , وتطالعنا دون أدنى خجل بتقديمها المعونات السخية مقابل أحبار الطباعة وصبغ الأصابع وتوفير صناديق الاقتراع وتدريب المشاركين في الانتخابات .
كل ذلك يهون فلن نكون بحاجة للانتخابات مستقبلاً فالدولة الرومانسية الحديثة لن يحصل بها تلك النزاعات نتيجة عدم وجود التداول السلمي للسلطة بل ربما تخف كافة مشاكلنا الأخرى كطعن سائق باص لأخيه المواطن نتيجة بسب الأجرة , أو فقأ عين مسلح لموظف نتيجة عدم تمريره لمعاملة مخالفة للوائح والقوانين النافذة في البلد , وغيرها من تلك الأخبار التي يتسبب فيها نقص الرومانسية في حياتنا فالشعب كل الشعب سيكون سعيداً بعد ليلة رومانسية على ضوء الشموع العطرية , وستقوم ربات البيوت بتقديم وجبة إفطار شهية لأزواجهن كل صباح تبعد عنه "الصفرا" ويخرج على إثرها منتشياً في شارع تعلوا وجوه كل المارة فيه الابتسامة , وسيكون الأطفال رابحون كذلك بالتأكيد نتيجة زوال الخلافات الأسرية للآباء , وينعمون بحياة هانئة ببيوت لا يعلو الصراخ فيها .
صدقوني أن كل المشاكل الإقتصادية ستحل بالتخلص من أعباء الكهرباء المالية على البلد طالما أثبتت التجارب باستعصاء حلها , وتسخر مصروفاتها لجوانب تنموية أخرى , ومن هنا أنصح جميع الأخوة والأخوات الثائرين والثائرات بعموم الساحات والمحافظات أن يشبكوا أيديهم عالياً إلى السماء ويهتفوا بصوت واحد ( رومنسية .. رومنسية ).
الدولـة الرومانسيـة الحديثـة
اخبار الساعة - عبدالرحمن العابد