اخبار الساعة - محمد النظاري
محمد حسين النظاري
والدي والرئيس هادي..
- منذ عام كامل وأنا ووالدي الفاضل الحاج حسين نتجاذب الحديث حول ما يدور في بلادنا، ورغم بعد المسافة بين الجزائر والحديدة، إلا أن الحديث شبه اليومي ظل متواصلا، رغم الاختلاف الكلي لرؤية والدي العزيز للأحداث عن نظرتي لها. فأنا أراها أزمة بكل المقاييس فيما يراها ثورة بعكس تلك المقاييس، ولكننا معا رأيناه تغييرا لازما حدوثه وان اختلفنا في طرق إحداثه.
- ولم يكن اختلافنا فقط على تسميتنا وتوصيفنا لما حدث، ولكن أيضا لوقفنا مع أو ضد الأخ قائد الوحدة رئيس الجمهورية السابق، ولا أريد أن اكرر موقفي فهو واضح منذ بدء الأزمة، ولكن ما أريد توضيحه أن اختلافي مع وجهة نظر والدي وانه يميل مع الضفة الأخرى، لم تمنعني يوماً احترامي لرؤيته، ولم تحل دون أن اقرأ له المقال الذي سأنشره كاملاً قبل نشره، ورغم عدم تقبله أحياناً لبعض ما فيه، وكلية في الأحايين الأخرى، إلا انه كان يستمع لما اكتبه، مُعدلاً في أوقات وموافقاً في أخرى ورافضا في بعضها الآخر.
- كنت في كل مداخلاتي معه مصمم على رأيي بأننا سنصل إلى التوقيع على المبادرة، ثم سنجري الانتخابات الرئاسية، وسيسلم قائد الوحدة السلطة بسلام وبصورة مغايرة لما يحدث في بقية الدول، وكان والدي وان لم يبدي تشكيكاً في وصولنا إلى هذه النقطة، ولكنه كان يتخوف من تراجع الرئيس السابق كعادته في معظم قراراته –بحسب وجهة نظره- وان كنت ضد هذا الطرح وصفاً دقيقاً للرئيس السابق.
- اختلفنا كثيراً في مسائل عديدة تخص الأزمة، ورغم أن والدي ظل لفترات كثيرة متعاطفاً مع (الثوار) إلا انه لم يشارك مطلقا في أي نشاط للساحات، وان كانت الساحات انتقلت إلى بيتنا عبر قناتي (سهيل والجزيرة)، وهنا أدركت مفعول السحر الذي تقوم به القناتان حتى للجالسين في بيوتهم، فما بالنا بمن هم مقيمون في الساحات، ولزاماً عليهم سماعها.
- لكننا التقينا في خطوط كثيرة، أولها أن ما حدث في مسجد دار الرئاسة جريمة نكراء، وان الذين اظهروا الفرح لم يقدروا العواقب، ولم أكن افتح مسألة الحرس الجمهوري ولم أتعرض لها يوماً في مواضيعي، ولكن والدي كان يفاجئني بامتداحه المستمر لانضباطهم، وحسن تعاملهم مع المواطنين، وأنهم ينقلون صورة حسنة عن الجيش اليمني.
- غير انه يرى أن الرئيس السابق ترك انطباعاً لديه بأنه رئيس للجيش فقط، وليس لجميع الشعب، وقد حملني أمانة أن أخاطب الرئيس عبد ربه منصور هادي عبر هذه المساحة، إلا يسير في نفس النهج، وان يدع تفقد وزيارة المعسكرات للقادة العسكريين، فيما يتفرغ هو للمهام الاقتصادية والاجتماعية، وان يدع المؤتمر ويصبح رئيساً لجميع اليمنيين، مع عدم توافقي معه في النقطة الأخيرة.
- من ضمن ما ميز والدي انه قال لي ذات مرة، عندما تكتب على الرئيس السابق أتألم، ورغم هذا لا يراه كما يرونه سفاحاً ولا قاتلاً، كما لا يرى في الصفات التي يطلقونها عليه واقعة فيه، إلا فيما يتعلق بالفساد فهو موقن حق اليقين انه أوجد مدراء فاسدين، مما جعل الفساد العنوان الأبرز في فترته حكمه، مع إقراره ببعض قليل جدا من منجزاته.
- رغم ذلك لا يتفق والدي بالرغم من عدم محبته للرئيس السابق، انه ضيق الحريات، بل كان يؤكد لي، أنه نجح في التنفيس عن الناس، من خلال حرية القول بل والفعل في بعض الأحيان، وان كانت على حد تعبيره (قولوا ما تشاءون وافعل ما أريد).
- لا يرى كذلك في حفل التوديع أهمية، إلا انه لا يرى أن الرئيس السابق خرج مخلوعاً، بل خرج بصورة مشرفة، مع تحسره أن الخروج تأخر كل هذه المدة، ولكنه يخال المشترك ملائكة يمشون على الأرض، وتبقى الأيام كفيلة بتبيان الحقيقة للناس.
- اختلفنا كثيراً، واتفقنا قليلاً، ولكن يبقى والدي ذلك الإنسان الكبير في نظري، المحترم في قرارة نفسي، العزيز علي، الذي رباني وصرف علي حتى وصلت إلى ما وصلت إليه، ومهما اختلفنا، لم نتقاطع، ولم نتوزع على الشارعين بل جعلنا الوطن هو شارعنا الذي ينبغي أن نسير فيه، اختلفنا على الأشخاص، وهذا شيء ثانوي، ولكننا اتفقنا على محبة الوطن، وانه فوق الجميع.
- ما أريد إيصاله أن الاختلاف ينبغي ألا يفسد للود قضية، فأنا أتفهم اختلاف الناس حول الأزمة، ولكني لا أتفهم أن يناصب الابن العداء لوالده، وان تعصي البنت أمها، وان تخرج الزوجة عن طاعة زوجها، وان ينقطع حتى حبل الكلام بين الأشقاء، لمجرد الاختلاف في الرؤى والأفكار.
- هاهي الأزمة بدأن تلوح تباشير انفراجها، وأعداء الأمس أصبحوا إخوة شركاء في حكومة الوفاق الوطني لما فيه مصلحة الوطن، فإلى متى تظل القطيعة بين جميع الفئات على أسباب سياسية سترى الحل في قادم الأيام؟.. من حق الساكنين بجوار الساحات أن تعود إليهم حريتهم، ومن حق البيوت والأعمال أن يعود أصحابها إليها من الساحات فقد اشتاقت إليهم.. وأخيراً سيزول كل شيء ونبقى إخوة متحابين في وطن الحكمة والإيمان.. الجمهورية..
باحث دكتوراه بالجزائر