اخبار الساعة

الإسلام ... صراط الله المستقيم عقيدة راسخة ومنهج للحياة .

اخبار الساعة - إبراهيم القيسي بتاريخ: 22-12-2013 | 11 سنوات مضت القراءات : (3562) قراءة

جاءت رسالة الإسلام والبشرية تغرق في مستنقعات القذارة قد طغت عليها أمواج الأحقاد ومزقتها شفرات الأنانية كانت تسير في وديان الوحشية قد تعاقبت عليها ليالي الظلم وغشيتها أمواج الفساد سقطت في جحيم الثارات وجرفها تيار الغارات قد أعمتهم الجاهلية عن استبصار العدل وتوهتهم الأطماع عن جادة الحق فانقلبوا إلى ذئاب مسعورة يأكل القوي منهم الضعيف ويطغى الغني على الفقير عبدوا الشيطان الرجيم وركعوا لكهان الكذب والزور وارتشفوا خمور الجهالة  وافترشوا عنت الظالمين ودفنوا الإناث أحياء في القبور وضاعفوا أموالهم بمسخ الربا وسفكوا دماءهم بهمجية الغارات وانحرفوا عن الحق وغشيتهم أمواج الفتن فانطلقوا كالحمر المستنفرة لا يتعظون بحوادث الزمان ولا ينتهون عن كبائر الزلات .

كانت رسالة الإسلام بلسما شافيا ضمدت الجروح المتقرحة وأطفأت نيران القلوب المشتعلة وأمطرت السكينة وفاضت على الإنسانية بالرحمة فاستنقذتها من حفرة من النار " ...واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها ..." آل عمران103. ثم استخرجهم من ذلك المستنقع ليقول لهم : " كنتم خير أمة أخرجت للناس ..." آل عمران 110 .ثم بين لهم ـ صلى الله عليه وسلم ـ طريق المحبة التي تؤهلهم باتباعه ليكونوا أحباب الله " قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم " آل عمران 31. فرسالة الإسلام رسالة للحب والرحمة وأرض تنبت الأمن والسلام قضت على كبرياء الجاهلية وغلظة الجبابرة وسطوة المعتدين فاصطف الجميع في مضمار واحد يمطرون سحب الحرية والعدل ويفيضون على المظلومين بالحب والرحمة فمضوا   " يقذفون الحق على الباطل فيدمغه ..." قد تناءت أخلاقهم عن عادات الجاهلية وموروثاتها فأشرق الكون بأنوار تكبيراتهم وأضاءت كلمات الحق جنبات أرواحهم  فاهتزت القلوب لداعي الرحمن فدخل الناس في دين الله أفواجا فنبيهم رسول رحمة  : " وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين " الأنبياء 107 حريص عليهم يتدفق قلبه  بالرأفة والرحمة "لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ماعنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم " التوبة 128وهو صاحب الخلق العالي المترجم لمعاني القرآن  :" وإنك لعلى خلق عظيم " القلم 4 وهو الشاهد والمبشر والنذير والداعي إلى الله والسراج المنير  : " يأيها النبي إنا أرسلناك شهدا ومبشرا ونذيرا , وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا " الأحزاب 45ـ46.

 لقد سعد العالم بقدوم المحرر من الظلم فهاهي طلائع الفجر تنبثق عن صبح أغر يشرق بأنوار العدالة وتتسرب أنواره إلى حنايا النفوس فيضيء فضاءها بالهداية والإيمان فتتجلى روحانية الحق تفعم النفوس بنسائم السكينة فتطمئن القلوب وتبش الوجوه إلى روض المواهب وحقل الأمنيات فتتهدل غصون السعادة على مشارف النفوس فتهتز المشاعر تغرد لذلك الدين الجديد الذي أمن الناس بعد خوف وأراحهم بعد جهد وطمأنهم بعد اضطراب حقن الدماء بعد إسالتها وصان الأعراض بعد إباحتها ووحد الأمة بعد فرقتها فجر ساحات الأرض بأنهار السماحة وأنبت زروع الإيمان بثبات اليقين فتكثفت أنداء الحب على أزهار القلوب ففاضت النفوس بكؤوس الرضا وتبسمت أفواه الورى ببشاشة الإخاء فازدانت الحياة برغد العيش الهنيء فانقشعت عنهم كرب الجاهلية وويلات الحروب وجحيم الأحقاد ...لقد صنع الإسلام أمة واحدة ذات بناء عال ونسيج متين تحكي روعة البطولة وتتمثل قيم العدالة وتركب على فضاء الحرية اتخذت من الثريا موقع الأمجاد ومن الجبال ثبات الأبطال ومن البدور شرف المحتد ومن الرهبانية استراحة المجاهد .

إن الإسلام هو صراط الله المستقيم لايأتيه الباطل من بين يديه ولامن خلفه صراط مؤزر بعرى الاستقامة فالسير عليه يحتاج إلى تمثل مبادئه واستقصاء امتداده والشذوذ عنه أو الميلان عن عقيدته خروج عن حقيقته وبعد عن تمثله فهناك فوارق الزوايا والاعوجاج عن تمثله محسوبة القياس وهي أمور عقائدية ترصد من عند الله وتحصى في كتاب محفوظ وقد يدرك الإنسان انحرافه عن الصراط مازال قريبا من المسار فيقوم بتصحيحه والعودة إلى جادته وهي حال مسموح بها في إطار التوبة والإنابة وأحيانا قد يبتعد كثيرا فيقع في أسر العدو فتملى عليه عوامل الانحراف فإما الميل إليها أو التحاشي عنها ولكل إنسان يقين وعقيدة ومبدأ وبرهان وله نسبة مئوية مرصودة تتحدد بمقدار ثباته على صراط الإسلام أو انحرافه فتنزل العقوبة أو المثوبة بمقدار ماتمثله في سيره ابتداء من الدنيا وانتهاء بمروره على الصراط .

فالإسلام يأبى الوصاية عليه أو الإحالة إليه أو رفع الشعارات باسمه مادامت تلك الأعمال بعيدة عن مبادئه غريبة عن جوهره تتجافى عن حقيقته فكل من حاول عملا بشريا يهدف من ورائه خداع الناس والتغرير بهم باسم الإسلام فوزره على نفسه وهو يتحمل تبعة انحرافه فالإسلام ليس مسئولا عن انحراف البشر واعوجاج أخلاقهم فكل فرد له اتصاله وانفصاله وقربه وبعده فبمقدار تمثله لمبادئ الإسلام يحل قربه وبمقدار انحرافه يحل بعده والمسألة تخضع للاجتهاد وتتكئ على نية الإنسان من حيث الصدق والكذب فالمجتهد المصيب لها أجران والمجتهد المخطئ له أجر ويقع من وراء هذين الحكمين عوامل المكر والخديعة بالتلبس بالإسلام واستبطان الكفر وذلك مايعهد من عمل المنافقين منذ الرعيل الأول لدعوة الإسلام إلى يومنا هذا وهناك نماذج حية سجلها الإسلام عن طريق الوحي الإلهي المباشر في القرآن الكريم أو ما ترجمته السنة النبوية عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ .

وهناك حقيقة جلية قد يجهلها كثير من الناس هذه الحقيقة تجسد واقع الإنسان والتزامه بمبادئ الإسلام فكل عمل التزمه ينبثق من تعاليم الإسلام يحسب له وكل عمل عمله خارج عن نطاق الإسلام يحسب عليه وبين العملين يقع فارق النسبة وقدرها من ناحية الخير أو الشر وبمقدار هذه النسبة يحكم الإسلام للشخص بالانتساب إليه من عدمه فالبشر محكومون بالغفلة والنسيان وبمقدار العقل المدرك للتمييز بين العمل الصائب وضده تمتحن القلوب التي هي محل نظر الخالق فيحكم للشخص بالنسبة الحاصل عليها من الإيمان والتي تخضع للزيادة والنقص بحسب تمثل الطاعة واقتراف المعصية وعند حدوث الخطأ يتحمل الإنسان ذلك الخطأ سواء كان نبيا أو صديقا أو كان فردا أو ملكا ولذا عاتب الله كثيرا من الأنبياء في القرآن وعاتب الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ كثيرا من صحابته لارتكابهم بعض الأخطاء والأمثلة مملوءة بها السنن والسير وفي حالة انحراف سلوك الإنسان المسلم بارتكابه بعض الذنوب التي يعاقب عليها الإسلام  فإنه في هذه الحالة يخضع لعقوبة شرعية بسبب اقترافه الإثم الخارج عن صراط الله المستقيم

إن الإسلام غير مسئول عن انحراف الأدعياء الذين يتخذونه شعارا يخدعون به السذج من أتباعهم أو يفسرون نصوصه بعيدا عن مراد الله ورسوله أو يضيفون إليه البدع الضالة ويلصقون به النحل الفاسدة إنه بريء من خلط  الحق بالباطل فمنهجه الحنيفية السمحة بيضاء كالنهار صافية كالفضة زاهية كأزهار الربيع وكل انحراف تزعمه فرد أو جماعه إنما إثمه على الذين ادعوه ويبقى الإسلام متألقا بتفرده خالدا بعقيدته متميزا بمنهجه لا تختلط به الأهواء ولا تزيغ به القلوب فكل من تمثل الإسلام وادعاه فإنه يقع تحت عوامل الامتحان فيخرج الذهب من شوائبه ويصير الزبد جفاء وأما ينفع الناس فيمكث في الأرض فدعوة الخارجين عن الحق هم مسئولون عن كوارثها ابتداء من دعاة الفتنة في زمان عثمان إلى انشقاق الخوارج عن الإمام علي فغلو الفرق في الاعتقاد من اثني عشرية ومرجئة وخوارج وباطنية ومعتزلة وقدرية ... الخ كل هؤلاء يتحملون انحرافهم إما بقصد أو بدون قصد حسنت نياتهم أم ساءت يظل الإسلام بعيدا عن كل انحراف يسعى صاحبه من ورائه لسفك دماء الأبرياء وتملك حكمهم والسيطرة على ثرواتهم فقد ظهرت عبر التاريخ دعوات انتسبت إلى الإسلام لتتخذ منه وسيلة للنفوذ السياسي والوصول إلى السلطة السياسية انحرفت عن منهج الإسلام وادعت البدع الضالة لتموه على الجهلاء وتلبس على الأغبياء وظلت تلك الحركات تتجدد بين آن وآخر وتظهر تحت لافتات وشعارات ملونة تحت مظلة جوفاء تدعي الانتساب إلى الإسلام والإسلام منها براء .  

فالحكام الذين تغلبوا على الحكم بالقوة ابتداء بمعاوية بن أبي سفيان وانتهاء بالجبرية السياسية في عصرنا الحاضر كل هؤلاء الحكام قد تمردوا على الشرعية الإسلامية واتخذوا لأنفسهم مبررات تسلقوا من خلالها إلى الحكم بإرادة جبرية سحقوا في طريقها المعارضين وجلسوا على نهر من الدماء انفجر من جراح آلاف الضحايا فكل انحراف التصق بهؤلاء المغامرين إنما ينبثق من بيئتهم وينتسب إلى بصمات أفعالهم لا علاقة لمنهج الإسلام  بما نفذ من قرارات وخطط عزيت إلى أولئك المتطلعين لشهوة الحكم على رفات الأبرياء .

فالحركات الإسلامية المنتسبة إلى الإسلام بعمومها وخصوصها وكبيرها وصغيرها ومن تتبنى السلم ومن تتبنى الجهاد كل جماعة مسئولة عن تمثلها لقيم الحق والعدل وكلها تأخذ وتدع من بحر الإسلام قد يقترب بعضها من حقيقة الإسلام بنسبة عالية وقد يبتعد بعضها عن حقيقة الإسلام على مسافة كبيرة وقد يشذ البعض الآخر فتأتي بانفصام عجيب وتنطلق عن فهم غريب وتتصرف بتصرفات ليست من الإسلام بشيء فربما جنى عملها على الإسلام شرا واتخذ العدو من فعلها ذريعة يقتل من خلالها المسلمين وتلك الأخطاء الجسيمة تولدت عن فهم عقيم للإسلام لبس به عليهم الهوى والشيطان وقربه منهم التشدد والتنطع في الدين فرسالة الإسلام تكره مثل هؤلاء وقد حذرت من مهلكات الكبر وسقطات التنطع ودعت إلى روح التسامح والحب وابتعدت بالأمة عن دركات التشدد الذي يقطع الأواصر ويعقد العقول عن الفهم المدرك لحقائق الإسلام ودلالات نصوصه .

لقد مر منهج الإسلام بتاريخ طويل ومارس تطبيقا عمليا على أرض الواقع وفسرت نصوصه بآراء وأفكار وتكونت منها المناحي المذهبية التي شغلت وقتا زمنيا في إطار التطبيق المذهبي لتلك الأقوال وعلى رغم الحساسية التي ولدتها حول اختلاف الرؤية لدلالة النصوص إلا أنها تعد رصيدا ثقافيا يعطي رؤية دلالية للباحث في الفكر الإسلامي فعيب تلك المذاهب هو التعصب والجمود فلم يحركوا عجلة البحث ليستكشفوا الجديد في منهج الإسلام فإذا كان هؤلاء قد جمدوا على إعادة ما ورثوه بتضخيمه بالحواشي وتقعيده بالتلخيصات النثرية والمنظومات الشعرية فهناك من شذ بالثورة على هذا الموروث واعتبره سلبية ثقافية لم يفد منها فانتحى جانبا وبدأ يبني أفكاره التجديدية مقطوعة عن اجتهادات من سبقوه وهذا قد جانف الصواب فالرؤى التجديدية يجب أن تبدأ من حيث انتهى الآخرون  وهناك من الجماعات الإسلامية وخاصة الجهادية منها اعتمدت على توجهات شرعية لم تستوعب دلالتها ولم تنظر إلى ضوابط النصوص من ناحية أصولية وإنما أخذت بظواهر الدلالة النصية لبعض النصوص ومضت تنسق تخريجاتها على ضوء تلك الرؤية القاصرة مستوحية التاريخ الوهمي في تنفيذ معتقداتها فأضرت بالإسلام وكونت نظرة سلبية اتخذ منها خصوم الإسلام مشجبا للطعن والتشكيك .

اقرأ ايضا: