سفير أمريكي سابق يكشف أسباب لماذا لا يحب الغرب أردوغان؟
أجرت صحيفة "حرييت" التركية حوارا مطولا مع جيمس جيفري، الذي يُعدّ من أبرز الدبلوماسيين الأمريكيين، وعمل سفيرا لأمريكا لدى أنقرة في الفترة بين 2008-2010، حيث تطرق إلى المحاولة الانقلابية في تركيا ودور فتح الله غولن في الانقلاب، إلى جانب موقف الغرب من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وتقاعد جيفري بعدم خدمته سفيرا في بغداد عام 2012، ويعمل حاليا في معهد واشنطن. وذُكر اسمه في تسريبات ويكيليكس، لكنه لم يتطرق للحديث عنها كون ذلك ممنوعا، أما ما عدا ذلك فقد أجاب للصحيفة عن رأيه حول الأسئلة التي طرحتها عليه.
وتقدم "عربي21" الحوار مترجما، نقلا عن صحيفة حرييت:
الدلائل تشير إلى غولن
- كيف تقيّمون الأحداث التي جرت ليلة 15 تموز/ يوليو؟
ما حدث كان تراجيديا، وأقرب للحرب الأهلية، وعلينا أنْ نكون جميعا سعداء بفشل المحاولة، فهذا الانقلاب كان مُختلفا عما عايشته في انقلاب عام 1980، وعن الانقلابات التي جرت في دول أخرى، لأنّ ما عايشناه من انقلابات -سواء أكانت جيدة أم سيئة- كان مُخطط لها بإحكام وبقرار إجماعي من القيادة، والهدف هو العودة إلى الديمقراطية. لكن في محاولة الانقلاب الأخيرة في تركيا لا نعلم ماذا كان يريد الانقلابيون، مع أنّ هدفهم كان واضحا من خلال تدمير الديمقراطية والسيطرة على الحُكم من خلال منظمتهم السرية.
- من هي المنظمة السرية؟
كلنا ننتظر إثباتات قطعية، لكن الدلائل معظمها تشير إلى منظمة غولن، وأنا لا اقصد بالدلائل مجرد تصريحات المسؤولين الأتراك، لأنّ مَن خطط لهذا الانقلاب لم يُخطط له بأسس عسكرية، وما أعلمه هو أنّ جماعة غولن تسربت "اصطناعيا" للجيش، وهي كانت تسربت بالفعل في جهازي الشرطة والقضاء، وشاهدت ذلك وعاينته أثناء فترة عملي في تركيا، خصوصا في ملف تحقيق قضية "المطرقة"، وعندما حاولوا التحقيق مع هاكان فيدان ودعاوى الفساد والرشاوى عام 2013.
نجحت منظمة غولن في التوغل داخل أروقة البيروقراطية في تركيا، وانتماؤهم لم يكن للدولة، بل للجماعة؛ ولذلك فاحتمال أنْ تكون الجماعة تقف خلف 15 تموز/ يوليو وارد جدا، لكن يجب على القضاء إثبات ذلك.
- برأيكم ما دور شخص غولن في المحاولة الانقلابية؟
أنا لا أعلم في الحقيقة إجابة هذا السؤال، ولا معلومات لدي حول من قاد هذا الحراك، فأنتم تعلمون أننا نتحدث عن حراك غامض، ولهذا، فمعرفة التفاصيل أمرٌ صعب، ويبقى لدينا العديد من الأسئلة دون أجوبة.
"أردوغان غير محبوب لدى واشنطن، وهذا هو السبب الرئيسي للمحاولة الانقلابية"
- أنتم تتحدثون بأنّه بنسبة كبيرة جماعة غولن تقف خلف المحاولة الانقلابية، لكن المسؤولين الأمريكان الرسميين يتحدثون بصورة مختلفة تماما، حيث تتهرب واشنطن من استخدام أي تصريح فيه ربط بين المحاولة الانقلابية وغولن. لماذا؟
من أجل الإجابة عن هذا السؤال، عليّ أنْ أقدم لكم عرضا صغيرا حول العلاقات التركية الأمريكية؛ فالأمريكان والأتراك لا يفهمون بعضهم أبدا، وهذا أصل كل شيء.
جميع الأطياف التركية، الليبرالية والقومية والإسلامية، والجميع يعتقد بأنّ الدول القوية تسعى منذ عقود إلى إضعاف تركيا من خلال إتباع سياسة بسمارك، وبقيتم عالقين في هذه الحلقة منذ 1905. وهذه هي نظرتكم لأوروبا وأمريكا وحتى جزئيا إلى روسيا. وأنا كنت شاهدا على أنّ الأزمات في العلاقات التركية الأمريكية منذ 1983 وحتى الآن كلها ترتكز على عدم فهم الأتراك للغرب.
الدافع الحقيقي للغرب هو حقوق الإنسان والتفكير الحُر، نقطة. وهذا الأمر هكذا بالنسبة لأوروبا، ولهذا عندما حصلت المحاولة الانقلابية، شعرت الدول الغربية بالقلق حيال احتمال انتهاك حقوق الإنسان.
الآن ستقولون لي: "دقيقة، دقيقة، هناك جنرالات أدلوا بتعليماتهم للعساكر بإطلاق النار على المدنيين، وأنزلوا الدبابات إلى الشوارع، أليس هذا أكثر خطرا من أردوغان؟".
- نعم هذا ما كنت سأسأله بالضبط.
أردوغان غير مرغوب فيه في واشنطن، ولا في أوروبا كذلك. يظهر بمظهر استبدادي، والجميع يعدّه لاعبا غير جيّد. والغرب تعامل في السابق مع العديد من الزعماء الاستبداديين، ويستمر في ذلك، لكن الفرق هو أنّ السعوديين والمصريين يتذللون لنا في كل الظروف، ويتعاملون معنا كما نريد، واضعين في عين الاعتبار حاجتهم لنا كحلفاء، ولطائرات F-16. بينما أردوغان يتنازع معنا، ويواجهنا ويتحدانا، بل ويصفعنا، ولا يسعى لصداقتنا. في المقابل من هُم أكثر استبدادا منه لا يرون حرجا في إظهار صداقتهم وودهم لنا.
ولوقت قريب جدا كان بوتين يتصرف اتجاهنا بالطريقة ذاتها، بإظهار صداقته ووده، ولهذا السبب أردوغان غير محبوب في واشنطن، وأعلم أنّ هذا ليس عدلا.
- هل هذا يعني أنّ القضية تتعلق بأردوغان فقط؟
هناك عدم رغبة تجاه الأتراك بشكل عام لدى واشنطن. الجيش التركي صعب جدا، لا يتوجهون لمحاربة تنظيم الدولة، وتستمر المفاوضات معهم لأشهر، بينما باقي الدول تقول إنها سترسل طائرات لمحاربة تنظيم الدولة، ومع أنهم فعليا لا يقومون بشيء، لكنهم يمنحون أنفسهم نقاطا إيجابية.
ما أريد قوله هو أنّ واشنطن لا تثق بالحكومة التركية، ولا يوجد مودة ورغبة بينهما، وحصلت المحاولة الانقلابية وواشنطن تعيش هذا الشعور تجاه الأتراك والحكومة التركية.
"تصريح كيري حول حلف الناتو تصريح غبي"
- هل كانت واشنطن ستعتمد الانقلاب لو نجح؟
من وجهة نظري لو نجح الانقلاب لوقفت واشنطن ضده بكل حزم، لكن فشل الانقلاب كان واضحا منذ اللحظات الأولى، وعندما أدركت العواصم الغربية ذلك اعتبرت أنّ "أردوغان سيستغل الفرصة مُجددا ويستخدم هذه المحاولة الانقلابية ليزيد من استبداده"، ولهذا قرروا "انتقاد أردوغان" كعادتهم، ولهذا سمعنا تصريحات غبية من كيري يقول فيها: "لنطرد تركيا من حلف الناتو"، لا أعلم بأي عقلية صرّح بهذا التصريح، هذا جنون.
ما حدث كان أسلوبا خاطئا جدا، وأنا هنا انتقد بلدي في موقفها هذا؛ لأنّ تفضيل استخدام أسلوب نزاعي وصراعي مع أردوغان لن يجعل الناس ينظرون إليكم بإيجابية. هذا خطأ، وأكره ذلك جدا.
- ما تودون قوله باختصار هو أنّ تصرف واشنطن كان بناء على أحكام مُسبقة تجاه أردوغان، هل هذا صحيح؟
الأحكام المُسبقة هي أنّ أمريكا تنظر لكل شيء من بوابة حقوق الإنسان، الديمقراطية والحريات.
"أردوغان لا يلعب وفق قواعدهم"
- إلى أي حد كانت الحريات الشخصية والديمقراطية ستتراجع في تركيا لو نجح انقلاب منظمة غولن؟ ألا تهتم أمريكا بهذا البُعد؟
أنتم مُحقون جدا، ولهذا منذ البداية انتقدت الموقف الأمريكي والأوروبي؛ لأنّ موقفهم مبني على الأساس بسبب أردوغان، لأنّ الغرب يعيش خيبة أمل بسبب أردوغان. على سبيل المثال أوباما، كان ينتظر الكثير من أردوغان كإسلامي وكزعيم ديمقراطي. لكن أردوغان أكثر من أي زعيم آخر يواجه القيم الغربية، ويصفع الغرب دوما. ولا يلعب وفق قواعد الغرب. انظروا إلى السيسي مثلا، موقفه صلب، لكنه يلعب دوره، وكذلك بقية الزعماء الاستبداديون.
ولهذا؛ فإنّ إجابة سؤالكم السابق: نعم، الغرب لديه أحكام مسبقة تجاه أردوغان، وهذا لعب دورا مهما في موقف الغرب تجاه المحاولة الانقلابية، ولكن علينا هنا أنْ نرى أيضا بأنّ كلا الطرفين يتحمل مسؤولية الأحكام المُسبقة تجاه بعضهم البعض.
لا أحد في العالم يفهم أمريكا بصورة خاطئة مثل تركيا، فعندما نتحدث عن قيم الحرية والديمقراطية، جميع الأتراك، وخصوصا أردوغان، يرى بأننا نكذب، ويخطر على بالهم فورا "بسمارك" و"مؤتمر فيينا". وعندما يُفكر الأتراك بهذه الطريقة، فلن يعتبر أحد في واشنطن أن أردوغان على حق.
- ألا تعتبرون أنّ تصريحات من مسؤولين أمريكان، مثل تصريحات مدير الاستخبارات القومية "جيمس كلابر"، بأنّ "الجنرالات الذين نتعامل معهم في الجيش التركي إما تم إقصاؤهم أو اعتقالهم، وهذا سيؤثر على وضع أمريكا واستراتيجيتها في الشرق الأوسط"، ألا تعتقدون أنّ مثل هذه التصريحات تجعل الأتراك على صواب في طريقة تفكيرهم؟
أنا انتقدت "كلابر" والجنرال "فوتيل"، ولا أستطيع تفسير طريقة تفكيرهم وكيف صرحوا بهذه الطريقة، وماذا لو قال البعض لهم بأنّ هذا يعني أنّ أمريكا تقوم بمؤامرة ضد تركيا؟
"حتى لو كان زعيما استبداديا، يكفينا أنْ يتعامل معنا بصورة جيدة"
- هذا ما يقوله الكثير من الناس بالفعل، الغالبية العظمى من الشعب التركي يعتقد بأنّ أمريكا تقف خلف المحاولة الانقلابية التي قامت بها منظمة غولن.
نعم الأمر كذلك؛ لأنّ الأتراك لا يفهمون أمريكا، وهذه مشكلة عويصة، وهي أنّ الأتراك ينظرون إلى أمريكا بأنها كاذبة دوما، وأمريكا لا تنظر إلى احتمال أنْ يكون الأتراك مُحقين في هذه القضية.
الجميع غاضب من أردوغان لأنه لا يُحسن التعامل معنا، هناك العديد من الزعماء المستبدين والذين لا يطيقون التعامل معنا، ولكنهم يقولون ما نُحب أنْ نسمعه، ويفعلون ما يدور في أذهانهم. لكن أردوغان يفعل ما يدور في ذهنه، ولا يقول ما نُحب أنْ نسمعه، وهذا ما يجعل الناس غاضبين في واشنطن.
أنا سعيت خلال السنوات الماضية إلى مقابلة العديد من المسؤولين الأمريكان رفيعي المستوى، وحاولت أنْ أقنعهم بضرورة تغيير أسلوب التعامل مع أردوغان، لكنني واجهت على الدوام الأحكام المُسبقة تجاهه، وعندما حدثت المحاولة الانقلابية، تصرفوا أيضا بردة الفعل ذاتها.
"أحاديث جاويش أوغلو كمن يحت أظفره بلوح خشب"
- أين يكمن دور غولن في المعادلة بالضبط؟
اليوم أكثر قضية تزيد الأمور تعقيدا، هي قضية مُحاكمة فتح الله غولن. نحن أكثر القيم التي نركز عليها، هي قيم العدالة والحقوق، واستقلال القضاء التام. هل تعلم الصوت المُزعج الناتج عن حت أظفرك بلوح خشب؟ هذا ما يفعله تماما وزير خارجيتكم مولود جاويش أوغلو عندما يقول: "هذه القضية مرتبطة بعلاقتنا السياسية مع واشنطن".
أجدادنا حاربوا في 15 نيسان/ أبريل 1775 من أجل سيادة الحقوق والعدالة، والعدالة ليست أمرا يحكم فيه كل سياسي حسب أهوائه، نعم ربما صوتي فيه نبرة غضب، نعم أنا غاضب، غاضب من الأتراك هذه المرة، لأنهم لا يفهمون مبدأ استقلال القضاء التام الذي نوليه أهمية قصوى.
فتح الله غولن لديه الكرت الأخضر "جرين كارد"، يعني المرحلة التي تسبق المواطنة الأمريكية، وأنتم تعلمون أنّ أمريكا لم تسعَ لأنْ يصل غولن إلى هذه المرحلة، لكن الأتراك يعتقدون عكس ذلك، ويظنون بأنّ أمريكا قادرة على "نزع الكرت الأخضر من غولن"، وهذا غير صحيح، لا يُمكننا فعل ذلك. بل القضاء المُستقل وحده من يُمكنه فعل ذلك.
المحاكم لدينا مُستقلة، وهذا أساس ديمقراطيتنا، ولأنّ تركيا لا تريد فهم ذلك، تقود العلاقات الأمريكية التركية إلى مرحلة خطرة، ربما هذا سيكون سيئا على أمريكا، لكنه سيكون مُصيبة على الأتراك، خصوصا اذا ما نظرتم إلى المشهد الأسبوع الماضي مع بوتين.
- عندما حصل غولن على الجرين كارد في بداية الألفية، كنتم حينها تتحدثون عن تركيا بأنها "دولة إسلامية مُعتدلة"، ولهذا فإنّ الكثير من الناس في تركيا يرون بأنكم قدمتم الدعم لغولن على أنه "إسلامي مُعتدل".
أعلم أنّ البعض يُفكر بهذه الطريقة، والسبب الأول لذلك هو ما شرحته لكم في السابق عن نظرة الأتراك التاريخية تجاه أمريكا وعدم فهمها. والسبب الآخر يتعلق بأخذ الأتراك كلام مسؤولين سابقين على محمل الجدية، وعندما يخرج شخص أحمق مثل "فولار" ويقول بأنّ جهاز الاستخبارات الأمريكي CIA يقف خلف المحاولة الانقلابية، يكون سببا كافيا للأتراك ليقولوا بأنّ أمريكا هي من تقف فعلا خلف الانقلاب، لكن الأمريكان يتساءلون: من هو "فولار"، كيف تصدقون كلام أي شخص وتصريح أي إنسان يُعبر عن رأيه، تعدّونه موقف دولة بأكملها؟ يا إلهي، هذا أمر سخيف.
"الجنود الأمريكان في انجرليك لا يعرفون أكثر من 10 كلمات بالتركية"
- تحدث سفيركم لدى أنقرة "جون باس" بأنّه علم بالانقلاب ليلة حدوثه كبقية الأتراك. مع العلم بأنه تم استخدام قاعدة انجيرليك التي تعدّ حساسة بالنسبة للمصالح الأمريكية. ألا تعتبرون أنّ عدم علم أمريكا المُسبق بمثل هذه المحاولة الانقلابية يُعتبر مشكلة كبيرة بالنسبة للاستخبارات الأمريكية؟
هل تعتقدون أنّ الجنود الأمريكان في قاعدة انجيرليك يعرفون أكثر من عشر كلمات بالتركية؟ هؤلاء يديرون حروبهم الصغيرة هناك، أنا أعرف القاعدة تلك جيدا، فقد مكثت عامين في أضنة، وأدرت معارك بالتعاون مع الأتراك من تلك القاعدة. وفي الأبراج يتم الحديث مع الطائرات التركية من قبل الأتراك باللغة التركية، أما الأمريكان فيوجهون الطائرات الأمريكية باللغة الإنجليزية. والطرفان يبلغان بعضهما البعض بالمعلومات، من أجل تنسيق إقلاع الطائرات.
لا يستطيع العساكر الأمريكان الذين لا يعلمون اللغة التركية، معرفة الطائرات التي تقوم بتزويد الوقود لطائرات حربية من خلال النظر إلى النقاط على الشاشة. أما لو قام الانقلابيون بإيقاف كل العمليات الجوية الأمريكية، وقاموا بحراك قبل تنفيذ الانقلاب بست ساعات، وجهزوا الطائرات بالصواريخ، لقام العساكر الأمريكان فورا بإخبار السفارة بذلك. لكن لم يحصل شيء من هذا القبيل، ولا يُمكن التنبؤ بإقلاع طائرات تزويد الوقود، لأنها تُقلع دائما في العادة.
- لنفترض أنهم لم يلاحظوا ذلك في يوم تنفيذ الانقلاب، فماذا عن إعداد المخططات للانقلاب، الذي استمر أسابيع أو أشهر، ألا تعتقدون بأنّ هناك ضعفا استخباراتيا أمريكيا؟
أنا هنا مضطر لانتقاد الحكومة الأمريكية والجنرال كلابر مرة أخرى، خرج وقال: "لا يوجد لدينا معلومات حول وقوف غولن خلف المحاولة الانقلابية"، وأنا غاضب ممن أجرى معه اللقاء، كان عليه أنْ يسأل بعد ذلك: "ألم يكن لديكم أي معلومات استخباراتية حول الانقلاب؟".
عدم طرح هذا السؤال عليه هو أمرٌ مُخجل، فكيف لكلابر أنْ يخرج ويقول بكل غباء: "ليس لدينا أي معلومات استخباراتية توحي بوقوف غولن خلف المحاولة الانقلابية"، لو أنه خرج وقال: "لدينا العديد من المعلومات الاستخباراتية حول مَن يُمكن أنْ يكون خلف الانقلاب، لكن تأكدوا تماما أنّ غولن ليس من بينهم"، لاختلف الأمر تماما. ربما فعلا لا يوجد أي معلومات لا بيد كلابر ولا بيد أمريكا.
"لا يزال لدي العديد من علامات الاستفهام حول قضية اريجينيكون"
- هل تعتقدون أنّ أمريكا كانت على صواب في قراءتها لقضايا "اريجينيكون" و"المطرقة"؟
بالنسبة لي، أعتقد أنني استطعت تقييم المسائل بصورة صحيحة، لأنني كنت على قناعة من البداية بأنّ حزب العدالة والتنمية لا يقف خلف هذه القضايا، وكانت هناك العديد من الأمور تدل على وقوف جماعة غولن خلفها، ومثال ذلك إلقاء القبض على أسماء أشخاص مقربين من أردوغان مثل "إلكار باشبوغ" و"ارغين سايغون".
وكما تذكرون، فإنّ أردوغان قام بزيارة الأخير في المستشفى، فهل من المعقول أنْ يزور شخصا يريد الانقلاب عليه؟ كما أنّ العديد من علامات الاستفهام تدور حول قضية "اريجينيكون".
"قد تستطيع الدبلوماسية التركية أنْ تقنع الإدارة الأمريكية باتخاذ تدابير ضد غولن"
- نفهم أنّ النظام الأمريكي لا يُمكنه التدخل في شؤون القضاء، لكن ألا تستطيع الإدارة الأمريكية اتخاذ أي إجراءات أخرى تجاه غولن لإثبات صدق نواياها؟
قد تفرض السلطات الأمريكية قيودا أكثر على فتح الله غولن بناء على معلومات تتهمه من قبل السلطات التركية، ومن ذلك اتخاذ إجراءات مراقبة حراك غولن من قبل جهازي الشرطة والاستخبارات في أمريكا.
لكن عليّ التذكير بأنّ اتخاذ مثل هذه الخطوات البيروقراطية ليس بالأمر السهل؛ ولذلك يجب صدور تعليمات واضحة وصارمة لإنهاء هذا الملف بصورة أسرع من اتخاذ الخطوات البيروقراطية. وهنا يقع مسؤولية كبيرة على الدبلوماسية التركية، وعليها تقديم أدلة ملموسة للقضاء الأمريكي واتخاذ الإجراءات القانونية بأسرع وقت ممكن.
والقضية هنا ترتكز على سؤال: "هل ستترك تركيا أسلوبها التهديدي"؟ لا يُمكن لأحد أنْ يضع غولن في الطائرة ويرسله لكم لمجرد أنكم تهددون بمستقبل العلاقات الأمريكية التركية، بل على العكس، فهذا الأسلوب يُغضب الإدارة الأمريكية، ولهذا على تركيا التخلص من ذلك إنْ أرادت تحقيق تقدم في هذا الملف.
- أنتم تحدثتم عن قناعتكم بوجود أدلة واضحة تُشير إلى أنّ جماعة غولن كانت تريد تدمير الدولة التركية من خلال منظمتها السرية، فهل تستطيعون بناء على ذلك وصف "غولن" بالإرهابي؟
تعرّف الأمم المتحدة وأمريكا الإرهاب بأنه القتل العمد أو استهداف المدنيين بالقتل. وانطلاقا من هذا التعريف، فإنه اذا لم يكن هدف الانقلابيين قتل المدنيين بصورة مباشرة، فهذا يعني أنه لا يُمكن إطلاق وصف إرهاب عليهم. واذا كان الموضوع يتعلق بخطط لاغتيال شخصيات سياسية، ووجود أدلة قطعية على ذلك، فإنه يتم النظر بالموضوع وتفاصيله، مثل هل كان مُخططا مُسبقا لاغتيال هذه الشخصيات أم خلال الأحداث تطور الوضع لاستهدافهم.
بالنسبة للنظام الأمريكي، أقرب وأسهل ما يُمكن إطلاقه على الانقلابيين إذا خرقوا القوانين وهم يعلمون ذلك، فهذا يُمكن اعتباره جريمة، أما إذا كان العساكر تلقوا أوامر لإغلاق جسر ما، وفعلوا ذلك بناء على علمهم بأنّ هذا إجراء قانوني، واستخدموا القوة حينما شعروا بالخطر على حياتهم، فهذا قد لا يتم اعتباره جريمة. أما إذا فعلوا ذلك واستخدموا العنف وهم يدركون بأنّ هذا الإجراء غير قانوني، وأنهم لم يأخذوا التعليمات من الشخص المسؤول الذي يملك الأهلية القانونية، فحينها قد يُعدّ ذلك جريمة.
أما الإجابة عن سؤالكم، فإنّ منظمة غولن تسربت إلى داخل الدولة، واستخدمت طرقا غير مشروعة لتحقيق أهدافها، واستباحوا كل القوانين والأيمان التي من خلالها وصلوا إلى وظائفهم، ولهذا يُكن وصف غولن بأنه قائد هذا الحراك غير المشروع. أما إذا ثبت صدور تعليمات من مسؤولي الجماعة بالانقلاب على الحُكومة واستخدام العنف ضد المدنيين، وإذا ثبت ذلك بأدلة قطعية مُقنعة لا لُبس فيها، فحينها يُمكن القول بأنّ مسؤولي الجماعة ارتكبوا جريمة.