الرياض تستدعي اللواء "علي محسن" وأولاد الأحمر" لنزع فتيل الأزمة، وأهم ثلاث مكاسب يحققها صالح من المبادرة
حفظ علي عبدالله صالح ماء الوجه وغادر حلبة الصراع اليمنية متأبطاً "جوائز" ثلاث: الحصانة القضائية، ضمان مشاركة الحزب الحاكم في الحكومة المقبلة، بقاء أقربائه ونجله على رأس المؤسسات الأمنية. هي الثلاثية السياسية - الأمنية التي قامت على أساسها الثورة اليمنية - إلى جانب مطلب تنحي صالح – مكلفة البلاد 1300 قتيل، فتحوّلت إلى ثلاثية "مستحيلة" لا يمكن التفريط بها ليس فقط من قبل النظام اليمني بل أيضا من قبل السعودية ودول الخليج.. فتمّ التفريط بشباب الثورة!
هو الواقع الذي أنتجته بنود المبادرة الخليجية وآليتها المزمنة التي وقّعها في الرياض قبل 3 أيام، كل من صالح وقيادات الحزب الحاكم من جهة، وأحزاب "اللقاء المشترك" المعارضة، "المؤتمنة" (كما هو مفترض) على مطالب الثورة وحقوق الشباب في تشكيل نظام جديد، من جهة اخرى. لكن، وكما تقتضيه شروط التسويات السياسية وظروفها عموما، ضمنت "تسوية الرياض" للطرفين اليمنيين ما يرضيهما على حساب "الثوار": النظام لم يسقط والمعارضة ("الإخوانية" تحديداً) احتفلت بإزاحة شخص الرئيس.
.. قبل 23 تشرين الثاني 2011، كان اليمن على عتبة حرب أهلية. اما بعد 23 تشرين الثاني، فدخل حرباً أخرى، أولى معالمها التناقض في تقييم التسوية التي رعتها الرياض، ومدى إنصاف المبادرة الخليجية وآليتها المزمنة للطرفين المتناحرين.
يجزم مصدر دبلوماسي يمني لـ"السفير" أن صالح "فائز، اذ لا يخفى على احد أن المبادرة أعطيت له كمخرج من قبل السعودية.. هو مرتبط بها ارتباطاً وثيقاً، ولطالما وفر لها دور الرجل الذي يفرّق ولا يجمع، خصوصاً أن كل تغيير في اليمن قد يؤذي الرياض".
وأضاف المصدر أن صالح نجح في التخلي عن السلطة بمظهر لائق، وهذا دليل على أن الرياض تهتم بعملائها وبخروجهم المشرّف في الوقت المطلوب".
وعن الالتزام ببنود المبادرة، قال المصدر "للأميركيين ثقة تامة بالسعودية في هذا المجال كما أنهم وضعوا الأطراف اليمنية بصورة درايتهم ومراقبتهم لكل ما قد يفعلوه".
يقيّم المستشار الإعلامي للرئيس اليمني احمد الصوفي المستجدات من منظار مختلف، ويقول لـ"السفير" إن "الرجل خرج في مشهد سياسي نموذجي تلفه ملائكة المعارضة وأنصاره الطيبون وحلفاؤه الخليجيون والدوليون.. استطاع تغيير نهايات الربيع العربي .. نهاية فريدة لأن الحاكم في اليمن لم يكن الضحية بل ترك الحلبة للمحكومين".
توصيف الحزب الحاكم لـ"الانتصار" لا يخلو من الواقعية لجهة المقارنة مع الثورات العربية الأخرى وخواتيمها، إلا أن الأخطر في "الخاتمة" اليمنية هو انها لا تزال عرضة للمناورات.
ففيما يؤكد الصوفي أن صالح وأعوانه مصرين على الالتزام ببنود الاتفاق يبقى "هناك مساحة قائمة للمناورة خصوصاً في ما يتعلق بتشكيل الحكومة".
فالمبادرة لم تشمل كل الأطراف اليمنية اذ استثنت القائد العسكري المنشق علي محسن والشيخ صادق الأحمر وأشقاءه، فضلا عن الحوثيين والحراك الجنوبي".
ويضيف الصوفي "سيكون عليهم الانتظار. هم لم يكونوا في الحكومة ولن يشاركوا في المرحلة الانتقالية سوى على مستوى المشاورات".
وعن الشباب في الساحات، يؤكد الصوفي أنهم سيتمثلون من خلال قادة المعارضة في "الاشتراكي" و"الإصلاح" و"الناصري" وغيرهم، "اما في حال عدم تمثيلهم جيداً فهنا قد تقع المشكلة وسيبقون في الشارع".
ما الذي يضمن اذاً للقوى العسكرية التي دعمت الثورة، أي محسن والأحمر، الاستسلام للاتفاق في وقت لم يحظوا بجوائز ترضية؟ سؤال أجاب عليه الصوفي معتبراً أن الاثنين "لا يشكلان حزباً ولا قاعدة شعبية لهما، سيكون عليهما الانصياع لقرارات اللجنة العسكرية التي ستقرر مع من يبقى السلاح. كما أتوقع أن تدعوهما السعودية قريباً لنزع فتيل أي ازمة ممكنة.
لكن في حال استعانتهم بأموال قطر للتصعيد ميدانياً فسيكون هناك مشهد آخر".
امتنان النظام اليمني لنتائج الاتفاق التي صاغتها السعودية، لا يضعه الثوار سوى في إطار واحد: "محاولة من الرياض لتقوية نفوذها في اليمن من خلال تجميع حلفائها سلطة ومعارضة للحفاظ على مصالحها، وذلك عبر إبعاد شبح الثورات عنها والالتفاف على الثورة من خلال المبادرة، وتصوير الثورة بأنها أزمة سياسية، وبالتالي إعادة اليمن للمربع الأول".
هو أيضاً رأي الباحث الإعلامي اليمني الحسن علي، الذي اعتبر أن "المبادرة هي إعادة صياغة منظومة الحكم السابقة بين المؤتمر (الحزب الحاكم) والإصلاح. وقد أشار صالح إلى ذلك في كلمته بعد التوقيع".
وقال علي لـ"السفير" إن "محاولة الرياض إنهاء الثورة لن يحدث لأن ما حصل من مسيرات كبيرة غداة التوقيع أكبر دليل على استمرارية الثوار في الساحات، حيث عبروا عن رفضهم لما أسموه المؤامرات الخارجية والداخلية التي تسعى إلى إجهاض الثورة المطالبة بإسقاط النظام".
لا يتوانى الناشط اليمني عن ربط ما تمّ التوصل اليه يمنياً بما استجّد بحرينياً إذ "يجب الإشارة إلى أن ما جرى الأربعاء من توقيع للمبادرة الخليجية في الرياض وإعلان تقرير لجنة بسيوني في المنامة ومحاولته إدانة أشكال القمع التي تعرض لها الشعب البحريني، ما هي إلا محاولة أميركية تهدف إلى عدم تساقط المزيد من أوراقها في المنطقة والحفاظ عليهم عبر أساليب التفافية على الثورات العربية".
نقمة الثوار على تقصير القوى المعارضة في استحصال مطالبهم تعود، وفقاً لعلي، الى "قصر نظر قيادة المعارضة التي عوّلت على عسكرة الثورة في الفترة الأخيرة وإهمالها لدور الشباب، فقبلت أخيراً بما قُدّم لها من مبادرة ومن تعديلات"، غير أن لـ"المشترك" تقييم آخر لأدائه.
ويقول سياسيون وصحافيون يمنيون لموقع "الصحوة نت" الناطق باسم حزب الإصلاح أن "الثورة حققت أول أهدافها وصالح أصبح رئيساً مخلوعاً"، داعين لاستكمال المسيرة.
وقال نقيب الصحافيين اليمنيين الأسبق نصر طه مصطفى إن الهدف الأول للثورة قد تحقق بإنهاء عهد صالح الذي وصفه بـ"العهد الذي طال به المقام حتى شاخ ولم يعد ينتج سوى الإحباط والفساد والدمار"، مؤكداً أن "الشباب انتصروا بثورتهم السلمية" وأن أحزاب "المشترك جنبت اليمن محنة كبيرة بصبرها ومثابرتها"، مشيراً إلى أنها تحملت الكثير من اجل الوصول بثورة الشباب لهدفها الأساسي الأول.
تشتت المشهد اليمني وتضعضع الرؤى خير دليل على دقة مرحلة "ما بعد التوقيع". اذ يبدو أن المبادرة-الحل، قد تتحوّل بين ليلة وضحاها الى عقدة أخرى، تضاف لسلسلة العقد التي تخنق الثورة "المعزولة".