الحصانة.. بين الانفعال والواقعية
اخبار الساعة - محمد النظاري بتاريخ: 20-01-2012 | 13 سنوات مضت
القراءات : (2679) قراءة
محمد حسين النظاري
الحصانة.. بين الانفعال والواقعية
- لا حديث هذه الأيام في اليمن إلا عن القانون الذي أقرته حكومة الوفاق الوطني ورفعته إلى مجلس النواب لمناقشته وإقراره تمهيداً لإصدار قرار جمهوري به وفق ما نصت عليه المبادرة الخليجية وآلياتها المزمنة وقرار مجلس الأمن رقم 2014، وأُعيد مرة أخرى لمجلس الوزراء لإدخال بعد التعديلات عليه كما قيل. اعني بذلك قانون الحصانة من الملاحقة القضائية لكل من عمل في فترة حكم فخامة رئيس الجمهورية، ومع أن القانون بحد ذاته قد يكون غير منصف بحق من ارتكبوا مخالفات يستحقوا على إثرها أن ينالوا الجزاء المناسب، لكنه بالمقابل يعد مخرجاً مناسباً لطي صفحة الماضي بكل ما فيها لنبدأ بعد الحادي والعشرين من فبراير القادم عندما يسلم فخامة الرئيس علي عبد الله صالح مقاليد الحكم للرئيس التوافقي المنتخب المناضل عبد ربه نصور هادي، عبر صناديق الانتخابات التي دعا إليها مبكرا قبل وأثناء مطالبة الشباب بالتغيير، لنبدأ في ترتيب البيت اليمني بما يُجَمّع ولا يفرق.
- وقد كثر الحديث عن القانون، وكثر الحديث عن المعارضين له، ولا اعتقد هنا أن هؤلاء الذين يعارضون القانون ومن حقهم أن يعارضوه، أنهم كانوا غافلين عنه يوم الاتفاق عليه، لأنه مثّل ركيزة مهمة في المبادرة الخليجية حيث تم الاتفاق بشأنه كما قالت الخارجية الأمريكية مع جميع الأطراف بحيث لا يستطيع أي طرف نقضه أو التخلي عنه بأي حال من الأحوال، وان حُشدت الحشود ظاهريا لمعارضته، وإلا يعد متنصلاً عن تنفيذ المبادرة برمتها وهذا ما أكده دولة رئيس الوزراء الأستاذ محمد سالم باسندوة.
- إذاً فالقانون سار وسيصدر لا محالة، وهذا مفروغ منه ولكن الأهم في التعديلات التي أضيفت إليه، بحيث جعلت الحصانة المطلقة بحق فخامة الرئيس بحكم موقعه السيادي الذي شغله كرئيس للبلاد، فيما منحت من عملوا معه حصانة ضد الملاحقة من الإعمال ذات الطابع السياسي، وفي اعتقادي الشخصي أن مثل هذه التعديلات تعد منطقية، كون الحصانة المطلقة لجميع من عمل مع الأخ الرئيس من جميع الأحزاب لا يَرضى بها احد.
- من المنطقي كذلك أن يعرف الجميع من هم الذين ستشملهم الحصانة ذات الطابع السياسي بحيث ينبغي أن تعلن أسمائهم ومناصبهم التي تقلدوها أثناء حكم الأخ الرئيس، وان يبين انتماءاتهم وتوجهاتهم الحزبية، فلا ريب أنهم ليسوا جميعاً من الحزب الحاكم كما يتصور البعض، أو يريد البعض أن يصوره للعالم، حتى يعرف بهم أبناء الشعب اليمني الذين فوضوا نوابه للموافقة على القرارات التي يصدرونها.
- كثيرون عملوا في عهد الأخ الرئيس أمثال شركاء الوحدة الذين أعلنوا الانفصال فيما بعد كنائب الرئيس سابقاً علي سالم البيض ورئيس الحكومة حيدر ابوبكر العطاس وغيرهم من القيادات التي يفترض أنها عملت في فترة حكمه بالإضافة للقيادات التي انشقت عليه في هذه الأزمة، فهل ستشملهم الحصانة بنصها القديم أو الجديد؟ أم أنها ستظل حكراً على أناس بعينهم؟
- لو كنت مشرّعا للقانون لمنحت الحصانة لرئيس الدولة وكبار قادتها كرؤساء مجالس الوزراء والنواب والشورى ومن في حكمهما فقط، أما أن تشمل الجميع فهذا هو وجه الاعتراض لدى أناس كثيرون، وأنا منهم، لكن عندما نقارن ما ستحصل عليه اليمن كدولة وشعب من خلال إقرار هذا القانون، سيتضح جيداً أن الكل رابح ولن يخسر احد، فألاهم انه قد ربح البيع لليمن، طالما وان المظالم الشخصية لا تسقط إلا بتنازل أصحابها.
- إن القوانين الأرضية التي يشرعها البشر، وما تسمى عند البعض بالقوانين الوضعية والمناط بها تسيير أعمالهم، لا تغني إطلاقاً عن القانون السماوي الذي لا يبقي ولا يذر، فلكي يقتنع الناس بأن هذا القانون وان حوى بين أسمائه أُناساً يستحقون العقاب فعلاً، فإن هذا لن يعفيهم عند وقوفهم أمام ارحم الراحمين في عرصات يوم القيامة، حين يُقتص للمظلوم من الظالم وان علت رتبته، فالناس حينها سواسية، ولن ينفعهم تهربهم من العقاب في الدنيا. لو اخذ الجميع بهذا المبدأ الرباني كمنطلق ومخرج لما نحن فيه اليوم سوف تهدأ النفوس ونبدأ صفحة جديدة.
- الأهم من قانون الحصانة نفسه أنه يشرع لعهد جديد يخاف فيه المقبلون على السلطة من أن يقعوا فيما وقع فيه أسلافهم، لأن الشعب وان غفر هذه المرة فلن يغفر في المرات القادمة، فدعونا جميعاً وان قبل البعض على مضض هذا القانون أن يلتفت للغد المشرق المملوء بكل جميل، طالما وأننا صنعنا تغييراً سلميا وديمقراطياً، وفق الشرعية الدستورية وعبر صناديق الانتخابات، وبالتعديل الجديد لن تضيع الحقوق وسيستطيع الجميع استرداد حقوقهم ولكن فقط عبر القضاء بعد تقديم الأدلة، لا عبر الاتهام لمجرد الاتهام الغير مستند للأدلة والقائم على البراهين، فكما أن إعادة الحقوق واجبة لأصحابها، فإن تشويه الناس واتهامهم بالباطل مرفوض أيضاً.
- أعجب لبعض الشباب الراغب في التغيير والمنادي له والمرابط في الساحات، كيف يقدم الغالي والنفيس من اجل التغيير ثم يكون هو نفسه حجر عثرة أمام انجازه، فيجب أن يعلم الجميع أن التغيير الذي حُدد له يوم 21 فبراير المقبل أي بعد قرابة الشهر من الآن لن يتم إلا إذا نفذت جميع بنود المبادرة الخليجية والياتها المزمنة وقرار مجلس الأمن 2014، والقاضية بإقرار قانون الحصانة كبنود متصلة ببعضها البعض تفضي للانتقال الآمن والسلس والديمقراطي للسلطة، فإذا كان الشباب يرون في القانون شر، فإن الأكثر منه شراً ألا تتجه اليمن للتغيير المنشود بطرق سلمية.
- مما لا يخفى على احد أن عرقلة الانتخابات القادمة مستحيلة، فالمجتمع الدولي هو من سيقف في وجه من يتلكأ أو يماطل أو يسوف، أو يقبل ببعض الحقوق في المبادرة فيما يتنصل عن الواجبات المنصوص عليه فيها، فلا مجال للعودة للوراء مطلقاً، ولهذا فقد جاء قرار مجلس الأمن كما قلت يوم إصداره سيفاً مسلطاً على رقبة من لا يريد الخير لليمن، وستكون نتائجه وخيمة عليه وحده.
- استغرب لمنظمات تدعي رعاية حقوق الإنسان في العام لم تجد أمامها من القوانين غير قانون الحصانة اليمني، فقد كنت ادرس في العراق أيام الحاكم الأمريكي بريمر وشهدت بأم عيني ما قاساه إخوتنا في العراق الشقيق من المحتل الغاصب، ورغم هذا لم تندد تلك المنظمات بما أُعطيَ لهم من حصانات مع أنها في الأساس باطلة كونها منحت لمحتل، فإن من ينادون اليوم بمثل هكذا أمور، لا يريدون لليمن أن تستقر.
- إن هذا القانون صالح ليمن آمن بعيداً عن الانفعال فبقراءة واقعية لعواقبه، نكون قد عرفنا أننا وضعنا قدمنا على أول بوابات التغيير الحقيقي لانتخاب رئيس جديد، لنشرع بعدها في الحوار الذي نادى به فخامة الأخ الرئيس مراراً كونه يمثل المخرج الوحيد لكل الأزمات التي تمر بها بلادنا، ولن تستعصي علينا أي أزمة طالما وتجار الحروب ومفتعلي المشاكل وناهبي المال العام ومستغلي الوظيفة العامة سيكون لهم الشعب بالمرصاد مدعوماً بمبادرة الأشقاء وقرار الأصدقاء والذي لن يفرق بين س و ص.
باحث دكتوراه بالجزائر
اقرأ ايضا: