لم تفارق المعاناة اليمنيين منذ استوطنوا الجزء الجغرافي جنوب الجزيرة العربية المسمى اليمن حتى وجب تصنيفهم ضمن أشد الشعوب معاناة، تفاوتت معاناتهم على مر التاريخ ازدادت في حقب زمنية وتقلصت واختفت حقباً أخرى، كان الهم الاقتصادي ولايزال هو أهم هموم اليمني بينما كان الصراع على السلطة ولايزال هو المتسبب الأول بأغلب المشاكل، تمثل السلطة في اليمن أسرع وسائل الثراء المادي ولذا يُتهافتُ عليها، كل من صعد على منصب لا يتركه إلا ثرياً بعد أن وصله معدماً، كل من جلس على الكرسي يعشقه ثم لا يتركه إلا مقتولاً، يندر العكس والنادر لا حكم له، يحرص من يرأس العرش على البقاء فيه أطول فترة ممكنة لجمع الملذات والغنائم من الخزينة العامة يخترع حكام اليمن ألاف الوسائل لكي يستمروا في السلطة، يضيعون البلد وكل شيء لأجل أنفسهم، يديرون البلد بالحيل واللؤم غالباً يشجعون الصراعات والأزمات لكي ينشغل الناس عنهم .
منذ ثلاث سنوات بدأ عهد أخر حكام اليمن، رجلٌ صعد بشكل مؤقت لمجرد أن الخصوم الفاعلين على الأرض اختصموا وفجروا في الخصومة، أصعدوه ريثما يعيدون ترتيب أوراقهم ليعودوا، تم إقناعنا أن ننتخبه لإن البديل عنه الحرب، فقط قبل به اليمنيون مضطرين هرباً من الحرب، ومن يومها والحرب في اليمن لم تتوقف ولا يمكن توقع تاريخ قريب لتوقفها.
أدار الرجل اليمن بالصراعات والأزمات ثم ابتدع طريقة إدارة بالفوضى، ترك الفوضى تعم اليمن بل نماها، كان يبيع الوهم في العلن بإن القادم سيكون أفضل، ولعله قصد أفضل له ولأسرته وللمستفيدين من نظامه، تفنن الرجل في الظهور بمظهر العاجز الضعيف الذي ورث تركةً تعجز عن حملها السماوات والأرض والجبال، كان يتعمد الكذب على الجميع، كذب حتى وجب ضمه إلى موسوعة جينس للأرقام القياسية في فئة (أكبر رئيس كذاب في التاريخ)، تلذذ برؤية دماء اليمنيين تسيل، أحتفل بسقوط مدن ومعسكرات قال بسعادة وهو يقهقه (عمران عادت إلى حضن الدولة) قال بنبرة صوت لئيمة (صنعاء لم تسقط) كل خطاباته تناقضات الأول ينقضه الثاني، كل كلامه مكرر حد الاستهبال، كل تعييناته مناطقية نتنة، كل طموحه أن يبقى أطول فترة ممكنة على العرش دون انتخابات، غاية لن يتمكن من تحقيقها إلا وكل اليمنيين مشغولين بالقتال فيما بينهم البين متناسين من هو الشخص الذي يطلق عليه (الرئيس اليمني)؟ والذي أهم واجباته القانونية حفظ دماء أبناءه وحماية البلد ومؤسساته، بحث عن أي انتصار أي إنجاز ليفاخر به في خطاباته فعجز، فكان الحل أن لايكون لليمني متسع ولودقيقة تفكير في بؤسه بسببه، جعل اليمني منشغلاً بالحرب التي لا تتوقف إلا للحظات يتم ملئوها بالعمليات الإرهابية والتفجيرات، لا يستحي الرجل حين يحصل كل ذلك بل يخطب( حافظوا على بلدكم – احموا عاصمتكم بسلاحكم الشخصي) لايخجل أن يظهر بعد ساعات من سقوط صنعاء ليقول أن توقيعه اتفاقية شرعنة السيطرة المسلحة على السلطة (هي المخرج الوحيد وأنها انتصار للدولة) تصل به الوقاحة إلى أن يأمر الجيش أن يلتزم الحياد ضد من ينهبون المعسكرات والأسلحة بل ويقفون لتفتيش الجنود أمام معسكراتهم!!.
أن أكبر مصيبةْ حلت على اليمن في تاريخه هو من يتولى مقاليد الحكم حالياً ويرغب في التمديد لخمس سنوات قادمة ظاناً أن بإمكانه ذلك مقنعاً الناس ألا بديل له، إن كارثة اليمنيين هذه، إن عارهم الذي جلبه لهم من اختاروه لسنتين انتهتا ذاك العار لا يغسله إلا نهاية مناسبة لحجم الألم الذي سببه لهم الرجل، وحده التاريخ سيسجل أن ناموس قتل الشعوب لحاكم أنهك شعبه بالحروب سيتكرر قريباً في اليمن .