أخبار الساعة » دراسات ومتابعات » دراسات وتقارير

د.طارق الحروي (3) مشاكل سياسية أم تنموية هي حقيقة الأوضاع التي تعيشها اليمن!!

- د.طارق الحروي

  • من نافلة القول إني بعدما قدمته من تفسير مهم له شأنه أثناء محاولتي المتواضعة الإجابة على التساؤل الأول في مقالتي المنشورة بعنوان (مشاكل أم أزمات هي حقيقة الأوضاع التي تعيشها اليمن!!) وتوصلت فيها إلى إن ما تعانيه اليمن إلى حد اليوم في حقيقة الأمر لم يخرج عن نطاق حدود إطار المعضلات والمشكلات التي يمكن معالجتها واحتواء آثارها إلى حد كبير- وفقا- لبرامج تنفيذية على فترات زمنية متباينة، ولم تصل بالمطلق إلى مستوى (الأزمة) الخانقة الطاحنة التي يصعب حلها كما يظن الكثيرين، بالرغم أن ما يبدو عليها غير ذلك، وعزينا ذلك إلى استمرار تنامي حالات التراكم الهائلة ومن ثم التشابك والتعقيد الحادة لهذه المعضلات والمشكلات جراء طول المدة.
  • ضمن إطار سلسلة من المقالات التي التزمت بإعدادها ونشرها تباعا في مقالتي المنشورة من على صدر الصحافة الالكترونية تحت عنوان (اتجاهات جديدة نحو فهم أعمق لحقيقة الأوضاع الحالية في اليمن!!)، في محاولة منا للمشاركة في وضع بعض أهم المعالم الرئيسة لرؤية تشخيصية موضوعية جادة سوف يكون لها في تقديري دورا بالمساهمة في إعادة تقييم ومن ثم تقويم كثير من الرؤى والتصورات والمواقف والتوجهات الرسمية وغير الرسمية السائدة أثناء محاولاتها تعريف وتحديد طبيعة حقيقة أبعاد ومضامين الوضع الحالي الذي تعيشه اليمن دولة وشعبا وتاريخا وطموحا .
  • وبالاستناد إلى ذلك تأتي محاولتي الخوض في موضوع مقالتنا هذه من خلال هذا العنوان بالتحديد في محاولة للإجابة على تلك النوعية من التساؤلات المثارة بهذا الشأن والتي تدور حول طبيعة حقيقة الأوضاع التي تعيشها اليمن دولة وشعبا؛ من حيث هل هي بالدرجة الأساس مشاكل يغلب عليها الطابع السياسي، ألقت بظلالها ومن بآثارها وتداعياتها السلبية على نشوء واستمرار تنامي حالات الانقسام والتضارب الحادة الحاصلة في الحياة الرسمية بأبعادها السياسية والدستورية والاقتصادية ومن ثم العسكرية والأمنية وصولا إلى الحياة غير الرسمية- الشعبية ومن ثم الحياة العامة برمتها، وبصورة أفضت إلى حرف وتعطيل ومن ثم تجميد وإيقاف لأية خطوة حقيقية في اتجاه تجاوزها ؟
  • أم هي بالدرجة الأساس مشاكل تنموية يغلب عليها الطابع الأمني بمفهومه الواسع والاقتصادي والإنمائي منه- بوجه خاص- سواء جراء قلة مواردها وإمكاناتها بأوضاعها الحالية وهشاشة وضعف بنيانها المؤسسي....الخ التي أفضت إلى إظهارها بهذا الشكل، أو جراء استمرار تنامي ظاهرة العبث والفوضى في إدارة هذه الموارد بسبب استشراء ظاهرة الفساد بكل أشكالها في جسد اليمن دولة وشعبا ؟   
  • مما تجدر الإشارة إليه بهذا الشأن إن أصل المشكلة التي تعاني منها اليمن تمتد منذ نهاية عقد الستينيات بهذا الشأن يغلب عليها الطابع السياسي، بصورة أفضت إلى إلقاء ظلالها ومن آثارها وتداعياتها السلبية على نشوء واستمرار تنامي حالات الانقسام والتضارب الحادة الحاصلة في الحياة الرسمية بأبعادها السياسية والدستورية والاقتصادية ومن ثم العسكرية والأمنية وصولا إلى الحياة غير الرسمية- الشعبية ومن ثم الحياة العامة برمتها، لدرجة أدت إلى حرف وتعطيل ومن ثم تجميد وإيقاف أية خطوة حقيقية فرضتها المعطيات الظرفية في البيئتين الداخلية والخارجية في اتجاه تجاوزها وضمان الانتقال الأمن لليمن إلى مصاف الدولة المدنية الحديثة المنشودة من خلال ولوجها مرحلة التنمية الشاملة والمستدامة المنشودة من أوسع أبوابها.
  • في حين لو كانت أصل المشكلة بالدرجة الأساس مشاكل تنموية حقيقة، لما تسنى للبلاد البقاء على حالها واقفة على قدميها إلى حد اليوم، حيث أن خيار الانهيار المدوي لليمن دولة وشعبا كان ماثلا ومتوقعا منذ وقت طويل في ضوء ضعف مواردها وإمكاناتها المتاحة وصولا إلى هشاشة وضعف بنيانها المؤسسي والسياسي....الخ- أولا- واستمرار تنامي ظاهرة العبث والفوضى في إدارة هذه الموارد واستشراء ظاهرة الفساد بكل أشكالها في جسد اليمن دولة وشعبا- ثانيا- ليس هذا فحسب، لا بل وبسبب ما عصف بالبلاد من مشاكل سياسية وحروب كارثية وصراعات دموية طاحنة مفتعلة، قوضت الجزء الأكبر والمهم من أركان الدولة الهشة وبنيتها التحتية المتهالكة.
  •  كالتي عشتها البلاد ابتداء أثناء وبعد حرب الانفصال عام 1994م ومرورا بالتدهور الحاد في أوضاع البلاد على كافة المستويات جراء حالات الاستنزاف الحادة لموارد البلاد في مواجهة التمرد المسلح في شمال الشمال والانفلات الأمني التي شهدته البلاد في معظم المحافظات الجنوبية وصولا إلى الوسط، وحرف وتشويه ومن ثم تجميد وإيقاف كبير لعجلة التنمية في البلاد منذ العام 2004م، وانتهاء ببلوغ هذا الأمر حد الذروة منذ مطلع العام الماضي الذي كاد يودي بالبلاد كلها إلى الهاوية السحيقة.
  • والتي تقف ورائها إلى حد كبير تلك العناصر والقوى النافذة في المشهد الداخلي المنتمية للتيار التقليدي المحافظ (القبلي) والمتطرف (الديني) وشركائه، وثيق الصلة بالتيار التقليدي الإقليمي- السعودي الذي يهيمن على مقاليد السلطة في السعودية وعلى سلطة القرار الخاص باليمن من خلال اللجنة الخاصة، والتي تدير معظم مصالحها وفقا للنظرة التقليدية السعودية التي ترى في اليمن مصدر خطر حقيقي على كيانها القومي واستقرار نظامها السياسي، لذلك فقد تعمدت على بقاء اليمن دولة ضعيفة وغير مستقرة إلى حد كبير.  
  • وكي نكون أكثر دقة وتحديدا فإن جذور هذه المشكلة بطابعها السياسي ترتبط بالدرجة الأساس إلى حد كبير بإرهاصات الصراع المصيري الأزلي بين التيار التحديثي التحرري والتيار التقليدي المحافظ (القبلي) والمتطرف (الديني) وشركائه بامتداداتهما الإقليمية والدولية الذي تبلور في هيئته الأنفة الذكر منذ نهاية عقد الستينيات أكثر من كونه صراع سياسي تقليدي على مصادر القوة والثروة، هو صراع مصيري بين مشروعين وفكريين وإرادتين، والدليل على ذلك موجود بكل ما يحمله من معاني ودلالات ومؤشرات لها شأنها في طبيعة العلاقة وثيقة الصلة التي تربط بين إرهاصات حيثيات حل الملف السياسي الإقليمي اليمني- السعودي ومن ثم الخليجي (اتفاقية جدة عام 2000م بين إرهاصات حيثيات حل الملف السياسي المحلي (المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة عام 2011م) .         
  • وهذا ما نجحت قيادة حركة التغيير الوطني نجاحا منقطع النظير في تشخيصه وتداركه ومن ثم استيعابه إلى حد كبير في معظم خطواتها الجادة بهذا الشأن في اتجاه ولوج أتون الحل الأمثل من أوسع أبوابه، سيما في ضوء إدراكها المتنامي أن ما تمتلكه البلاد من موارد وإمكانات سواء أكانت المتاحة أو أكانت المحتملة والمتوقعة والمرغوبة؛ تكفي إلى حد كبير للنهوض بأوضاع اليمن دولة وشعبا وتاريخا وطموحا ليس هذا فحسب، لا بل وتنبئ بمستقبل واعد جدا، تتحول بموجبه اليمن إلى دولة إقليمية لها شأنها.
  • لذلك فقد جاء التركيز الرسمي على أهمية حسم إرهاصات الملف السياسي المحلي بكل أبعاده التي أشرنا لها سابقا قبل أية خطوة في اتجاه الملفات الأخرى ومنا الاقتصادي والذي تعيش البلاد أدق تفاصيله منذ توقيع الوثيقة الخاصة بذلك (المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية المزمنة) عام 2011م، هو الترجمة الحقيقية لمضامين وأبعاد هذه الرؤية وأهميتها التي أصبحت الأكثر إلحاحا من أية وقت مضى. وللحديث بهذا الشأن بقية ,,,

                                                                                       والله ولي التوفيق وبه نستعين

                                                                                                                                    

                                                                                                                                       



([1]) باحث في العلاقات الدولية والشئون الاستراتيجية وكاتب ومحلل سياسي.

 

المصدر : الكاتب

Total time: 0.068