ستبقى تجربة تركيا الاقتصادية محط اهتمام للمتابعين، فمنذ 8 سنوات عندما فاز حزب العدالة والتنمية بقيادة رجب طيب أردوغان لم يتوقع الكثيرون أن تسير أنقرة باتجاه تحقيق إنجازات اقتصادية، فالعوائق وتداخل سلطات الجيش والجهات المتنفذة، وتدني الدخل القومي، وتعطل الإصلاحات، كل تلك كانت عقبات حقيقية حتى يثبت حزب العدالة مقدرته في قيادة البلاد نحو انتعاش اقتصادي.
المحاولات استمرت واستطاع المسؤولون في الحزب فعلا تغيير المعادلة فأحدث تغييرا حقيقيا في تركيا منذ 2002 وحتى 2011، فارتفع الدخل القومي الفردي إلى 11000 دولار من 2200 دولار، وتسعى الجهات المسؤولة الى الوصول بالدخل الى 16 ألف دولار في السنوات الثلاث المقبلة، فضلا عن ذلك باتت أنقرة محطة سياحية عالمية حيث وصل عدد زوارها سنويا إلى 10 ملايين سائح.
طفرة اقتصادية غير مسبوقة
المطلعون على الشأن التركي يؤكدون أن القيادة السياسية تعمل على تنفيذ رفع المستوى الاقتصادي إلى مرتبة عالمية، حيث تقف أنقرة اليوم على قمة الدول الغنية في المرتبة السابعة عشرة دوليا. والجهود مستمرة لرفعها للمرتبة الحادية عشرة في عام 2024.
ورغم أن المحللين اعتبروا الطفرة الاقتصادية الكبيرة التي حققتها تركيا مؤقتة، إلا أن المفاجأة كانت كبيرة ولم يتوقعها أحد، رغم أنهم رأوا أن الفشل الاقتصادي التركي هو العائق أمام انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي. إلا أن التجربة كانت مثالية بامتياز، لقد خرج الاقتصاد التركي من عنق الزجاجة بعد العاصفة الاقتصادية العالمية، وتم إعادة هيكلة البنية التحتية ورفع قدرات القطاعات الاقتصادية حتى تصبح قادرة على التنافسية، كما تم إصلاح الموازنة العامة وتعزيز استقرارها، عبر جذب المستثمرين وثقة المؤسسات الدولية.
ولعل عين أردوغان على جعل تركيا إحدى القوى الاقتصادية العالمية لا تخفي طموحه "الجنوني" في نقل أنقرة إلى مصاف الدول المتقدمة.
قطفت الحكومة التركية النجاح وارتفع نمو الناتج القومي بعد استقرار المؤسسات وتكيف الحكومة التركية بربط المساعدات الدولية بتحرير الاقتصاد ورفع بعض القيود القانونية. وقد استطاعت الحكومة بث جو التفاؤل في الوسط الاقتصادي التركي وعملت على كسب النخب الاقتصادية بالنجاح بتجاوز تداعيات الأزمة.
ويرى المحللون على المدى البعيد احتياج أوروبا لتركيا وليس العكس، فالاستقرار السياسي وسرعة النمو وحركة التصدير إلى الأسواق الأوروبية مؤشرات تقود عجلة التنمية وجذب الاستثمار الأجنبي.
ولعل مؤشر الصادرات يكشف عن هذه الحقيقة وإليكم الأرقام، فبحسب مسؤولين أتراك ارتفعت الصادرات 20% خلال الشهر الماضي، وأشار كورساد توزمين، وزير الدولة التركي، إلى أن الارقام باتت تقترب من رقم قياسي فخلال التسعة أشهر الماضية بلغت الصادرات 54 مليار دولار.
مفاجأة أردوغان
وآخر المفاجآت التركية إعلان أردوغان مشروعه الاستراتيجي بفتح ممر ومضيق بحري جديد يوازي مضيق البوسفور الحالي بقناة اسمها قناة اسطنبول.
وقال الكاتب والمتخصص التركي مصطفى حميد أوغلو، في مقال له، إن هذا المشروع سيكلف 10 مليارات دولار وسيضم مدينة جديدة يزيد سكانها عن مليون نسمة وسيؤمن مئات الآلاف من فرص العمل وسيحرك الاقتصاد التركي لعشرات السنين، بل يغيّر المعالم الجغرافية في إسطنبول الأوروبية التي سيحولها إلى جزيرة بحرية، إلى جانب هذا المشروع سيقام أكبر مطار جديد ليصبح عدد المطارات ثلاثة من أكبر المطارات العالمية في مدينة اسطنبول لوحدها".