نحن ندرك ونعي تماماً أن الغرب الاستعماري وبالتحديد بريطانيا وفرنسا مسؤولتان بشكل مباشر عن نكبة شعبنا الفلسطيني،وبدلاً من التكفير عن خطاياهما لما ارتكبتاه من جرائم وغبن وظلم واضطهاد لحق ويلحق بشعبنا الفلسطيني،نتيجة دعمهم المتواصل واللامحدود لحكومة الاحتلال الإسرائيلي وانحيازهم السافر والمطلق لها،ورعايتها واحتضانها والدفاع عنها في الخروج على كل قيم العدالة والحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان ومقررات الشرعية الدولية،تلك القيم التي تدعي تلك دولتان أنهما من أشد المدافعين عنها،وتلك القيم كانت من جوهر وصلب مبادئ الثورة الفرنسية،ولكن نرى أن عملية الترجمة والتطبيق لتلك المبادئ لا تستند إلى تلك المبادئ والقيم والقوانين،بل إلى مدى تطابقها وتوافقها مع أهداف ومصالح تلك الدول،وفي هذا السياق والإطار ما هو مستفز بل ومخجل ومخزي لهذه الدول المتشدقة بالديمقراطية وحقوق الإنسان،هو ما قالته وزيرة الخارجية الفرنسية "ميشيل اليو ماري" أثناء زيارتها لدولة الاحتلال الإسرائيلي في 20/1/2011 من الشهر الحالي حيث التقت والدي الجندي الإسرائيلي المأسور"شاليط" في خيمة الاعتصام المقامة له في القدس،واعتبرت أن استمرار احتجازه من قبل حركة حماس جريمة حرب،ولم تكتفي بذلك بل وطلبت من الاتحاد الأوروبي إدانة تلك "الجريمة" وبهذا التصريح لا أجد أوقح وأكثر نفاقاً من القادة الأوروبيين الغربيين وتحدياً الفرنسيين والبريطانيين منهم،ف"شاليط" المحتجز منذ ما يزيد عن أربع سنوات،لم يكن ذاهب إلى قطاع غزة في نزهة او رحلة للصيد البري،بل كان في مهمة عسكرية وجرى أسره من على ظهر دبابة معروف الهدف من وجوده بداخلها وعلى حدود قطاع غزة، وحمله الجنسية الفرنسية لا يبرر كل هذا النفاق وازدواجية المعايير و"تعهيرها"،فصلاح الحموري سجين أمني فلسطيني معتقل في سجون الاحتلال منذ حوالي ست سنوات،لم يكن مسلحاً ولم يمارس لا الإرهاب ولا القتل،بل عبر بالنضال الشعبي والسلمي عن حق شعبه في الحرية والاستقلال،وهو أيضاً يحمل الجنسية الفرنسية،ولم نسمع منك يا حضرة الوزيرة الفرنسية أو أي من أركان حكومتك إن اعتقاله جريمة حرب،ولم تجرؤ أنت ولا ساركوزي رئيس وزرائك على الالتقاء بأي من أفراد أسرته،لأنكما تعرفان جيداً أن ذلك قد يعرضكما إلى مقاطعة إسرائيلية شاملة وربما خسران مواقعكم في الحكومة،فالمهم عندكم"شاليط" ومعانيات أهله،أما أكثر من سبعة ألاف أسير فلسطيني حوالي 130 منهم يقضون في السجون الإسرائيلية عشرون عاماً فما فوق كمناضلي حرية،لا يستحقون منكم دعاة ورعاة وحملة لواء الديمقراطية والإنسانية المزيفة كلمة استنكار أو إدانة واحدة،وأنتم تعرفون أن ما يمارس بحق أسرانا في سجون وزنازين الاحتلال الإسرائيلي من قمع وإذلال وتنكيل هو جرائم حرب بامتياز،فهناك أكثر من 15 مناضلاً فلسطينياً يقبعون في أقسام عزل سجون الاحتلال منذ سنوات ويواجهون خطر الموت وهم أحياء،وكذلك نواب للشعب الفلسطيني جرى اختطافهم واعتقالهم في سجون الاحتلال،لم نسمع منك ولا من أي قائد أوروبي غربي آخر أن عملية اعتقالهم واختطافهم هي جرائم حرب،فهذه الجرائم في نظر وعرف ديمقراطيتكم وإنسانيتكم المزيفة ليست جرائم حرب؟،كيف تكون تلك جرائم حرب؟ وأنتم تعرفون أن إدانتكم وشجبكم لها،ستجر عليكم ليس غضب إسرائيل،بل فضحكم وتعريتكم فأنتم كنتم دائماً سباقون إلى مثل تلك الجرائم،وما جرى ويجري ويمارس من قبل جنودكم في أكثر من بلد ودولة (أفغانستان والعراق) وغيرها خير دليل وشاهد على ذلك،فمبعوث الرباعية الدولية "توني بلير" والذي أصبح بقدرة قادر مبعوث الرباعية للسلام في منطقة الشرق الأوسط،هو واحد من الذين قادوا الحرب العدوانية على العراق،والتي ارتكبت فيها الكثير من جرائم الحرب بقرارات ومشاركة من "بلير" داعية السلام هذا؟،والذي في زياراته للمنطقة كحال وزيرة الخارجية الفرنسية كان ما يهمه أولاً وعاشراً ليس حقوق الإنسان ولا مقررات الشرعية الدولية ولا قيم العدالة والحرية والديمقراطية،بل أمن إسرائيل،حيث كان "بلير" يذرف الدموع ويذهب للتضامن مع أهالي مستعمرة "سديروت" الذين يتعرضون للصواريخ الفلسطينية البدائية،أما عشرات ومئات أطنان القنابل التي سقطت على أبناء شعبنا الفلسطيني الأعزل في القطاع أثناء حرب إسرائيل العدوانية عليه في أواخر عام/2008،بما فيها استخدام الأسلحة المحرمة دولياً،والتي وجدت الإدانة وتجريم إسرائيل لأول مرة من قبل هيئة الأمم المتحدة"تقرير غولدستون" فبلير وساركوزي وغيرهم من قادة النفاق الأوروبي الغربي،ليس فقط رفضوا "تقرير غولدستون" وحرضوا عليه ولم يصوتوا لصالحه،بل في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة رفضوا إدانة إسرائيل لارتكابها جرائم حرب وقتل متعمد بحق المدنيين العزل في تلك الحرب.
وأيضاً يتضح زيف هذا الغرب ونفاقه وازدواجية وانتقائية معايره بشكل جلي وواضح،حيث يقوم هذا الغرب بدعم أنظمة عربية مغرقة في الفساد ومعاداة الديمقراطية وقمع الحريات بمختلف أشكالها وتسمياتها من حرية رأي وتعبير وفكر وتعددية وسياسية وغيرها،وبما يتعارض كلياً مع ما تؤمن وتنظر له تلك الدول من مبادئ وقيم،ولكن العبرة هنا في خدمة تلك الأنظمة لأهداف ومصالح الغرب في المنطقة،فما دامت خادمة لتلك المصالح ومنفذة لأجنداتها ،فلتذهب حقوق الإنسان وكل تلك المبادئ والقيم إلى الجحيم.
فالجميع يعرف كم أشاد الغرب الأوروبي وبالذات ساركوزي بالديكتاتور بن علي الرئيس التونسي ودوره في محاربة وقمع ما يسمى ب"الإرهاب" وما يعيشه الشعب التونسي من" رفاهية ورخاء"،ولكن ما أن أسقطت الجماهير الشعبية التونسية بانتفاضتها هذا الديكتاتور،حتى تخلى عنه هذا الغرب ورفضوا حتى استضافته،تماماً كما حدث مع شاه ايران عندما أطاحت به الثورة الخمينية في عام 1979 م.
علينا كعرب وفلسطينيين أن نتخلى عن أوهامنا،وأن نصحو من أحلامنا بأن من زرعوا إسرائيل في قلب الوطن العربي،لن يكونوا في يوم من الأيام مع الحق العربي والفلسطيني،فهم ضد الوحدة العربية،وهم من أسقطوا حلم محمد علي باشا في الوحدة العربية،وهم من وقفوا وحاربوا الناصرية والفكر القومي العربي الوحدوي،وهم من أسقطوا حكم القائد صدام حسين واحتلوا العراق،وهم لن يعدلوا أو يغيروا من مواقفهم تجاه قضايانا وحقوقنا،إذا لم نتغير نحن كعرب،أي نحارب الغرب بلغة المصالح،فهذا الغرب مصالحه بالدرجة الأولى فوق كل الاعتبارات والقوانين والقيم والمبادئ،فإذا ما شعر بخطر وتهديد جدي على مصالحه في الوطن العربي،حينها لا ولن تجرؤ لا وزيرة خارجية فرنسا أو أي مسؤول أوروبي غربي آخر على القول بأن أسر الجندي "شاليط"من قبل المقاومة الفلسطينية جريمة حرب.
القدس- فلسطين