أثار إعلان شركة إنتاج إيرانية تقديم فيلم سينمائي يجسّد حياة الرسول محمد من مرحلة الطفولة وحتى الثانية عشرة من عمره عاصفة من الجدل والغضب في مصر. وفيما إعتبر الأزهر أن الفيلم، المنوي تصويره، أكبر من كارثة الرسوم الدنماركية المسيئة ودعا إلى التصدي له، سجل تباين في موقف النقاد حول الفيلم.
بينما ما زالت حالة الغضب والجدل حول مسلسل "الحسن والحسين"، الذي عرض خلال شهر رمضان الماضي، مستمرة، أثار إعلان شركة إنتاج فني إيرانية تقديم فيلم سينمائي يجسّد حياة الرسول محمد من مرحلة الطفولة وحتى الثانية عشرة من عمره، عاصفة من الجدل والغضب الشديدين في مصر، وأعلن الأزهر تصدّيه للفيلم، داعياً كل الدول العربية والإسلامية إلى التصدّي لما وصفها بـ"حملة مدبّرة ضد الإسلام والرسول".
وحسب ما تم الإعلان عنه، فإن الفيلم من إخراج المخرج الإيراني الشهير ماجد مجيدي، والذي سيقوم بتجسيد الرسول في مرحلة الشيخوخة أيضاً، ومن سيناريو وتأليف "كامبوزيا باتروفي"، واستغرقت كتابته ثلاث سنوات، وسيتم تصويره في المغرب خلال الأشهر القليلة المقبلة، بعد زيارة المخرج المغرب لمعاينة أماكن تصوير الفيلم، والذي تمت مراجعته تاريخيًا ووثائقيًا، وسوف يشارك فيه عدد كبير من رجال الدين ممثلين لدول إيران والمغرب وتونس ولبنان والعراق والجزائر، الذين أجازوا تجسيد حياة الرسول.
يأتي هذا متزامنًا مع وجود حالة من الغضب الشديد إنتابت علماء الدين والأزهر في مصر حول الفيلم، واعتبره البعض كارثة أكبر بكثير من نشر الرسوم المسيئة في الدنمارك، وسط تباين في موقف النقاد الفنيين منه.
يقول طارق الشناوي الناقد السينمائى لـ"إيلاف" إنه قرأ من خلال مواقع الإنترنت عن إنتاج فيلم إيراني عن حياة الرسول للمخرج الإيراني المشهور والحاصل على جوائز عالمية ماجد مجيدي، ولكن لا تتوافر لديه معلومات مؤكدة عن قيام فنان بتجسيد شخصية النبي أو أنه سيكون صوتًا فقط، مشيرًا الى أنه في حال تجسيد حياة الرسول فإنه يتوقع رفض الشيعة أنفسهم في إيران عرض الفيلم، لأنه أمر غير مقبول في العالم الإسلامي كله، فتجسيد الأنبياء محرّم من قبل الأزهر، وقد يكون الأمر مقبولاً في تجسيد عمل درامي عن الصحابة، مثل خالد بن الوليد، وكذلك الحسن والحسين، رغم وجود الاختلاف الفقهي حوله ما بين القبول والرفض.
ورفض الشناوي الربط بين تجسيد حياة النبي محمد وتجسيد النبي عيسى والسيدة مريم البتول في أعمال فنية سابقة، لافتاً إلى أن القياس خطأ، فالديانة المسيحية لها قواعدها وخصوصيتها، ونحن نحترم أفلام السيد المسيح، الأمر الآخر هو أن هناك تصورًا مبدئيًا لكاتب سيناريو فيلم المسيح والسيدة مريم، من خلال وجود صور لهم في الكنائس، ولكن من أين سيأتي تصور كاتب وسيناريو فيلم النبي الكريم، فلا توجد له صور، حتى ولو خيالية.
واستبعد الشناوي وجود رسالة معينة وراء الإقدام على إنتاج هذا الفيلم، معتبرًا أن الغرض الأساسي من إنتاجه تحقيق رواج اقتصادي من وراء عرضه استغلالاً للإقبال المتزايد من جانب المشاهد العربي والإسلامي على هذه النوعية من الأعمال الدرامية في الآونة الأخيرة.
وطالب الشناوي بضرورة توافر الجرأة الفكرية والإنتاجية في مصر لإنتاج مثل هذه الأعمال الدرامية، ولكن وفقًا للإطار الشرعي، لتكون حائط الصدّ المضاد للأعمال الإيرانية، التي تثير الجدل دائمًا، ولكن دائمًا يبتعد المنتجون عن المجازفة في إنتاج الأعمال الدينية، بحجة صدامها مع التوزيع والإقبال الجماهيري.
لا يمانع من جهته الناقد الفني عصام زكريا في حديث لـ"إيلاف" في إنتاج فيلم عن الرسول "صلى الله عليه وسلم" وقيام ممثل بتجسيد شخصيته، معتبرًا أن ذلك تمثيل من وحي الكاتب، لا يمسّ الحقيقة في شيء، ولا يغيّر في عقيدة أحد، بل العكس فهذه النوعية من الأعمال الدرامية تساعد على فهم الإسلام، بدليل ما حققه مسلسل يوسف الصديق ومريم والسيد المسيح.
وقال زكريا لـ"إيلاف" إن الناس في العالم العربي مطالبة بإعادة النظر في مثل هذه الأعمال بالمزيد من الوعي والثقافة، بعيدًا عن التشدد من قبل رجال الدين والإسلاميين، فهناك هدف أسمى من عرض مثل هذه النوعية من الأعمال الدرامية.
ويأمل زكريا في إنتاج فيلم عن الصحابة والأنبياء قريبًا في مصر، بدلاً من دخولها مهرّبة إلى مصر، عن طريق الكمبيوتر، فلا يمكن منعها قسرًا من خلال إصدار فتاوى من قبل المتشددين فقط.
كما يرى أنه من حق إيران إنتاج فيلم يتحدث عن معتقد الشيعة بعيدًا عن سياسة التخوين والمؤامرة بنشر المذهب الشيعي من وراء إنتاج الفيلم. وتساءل: هل لو قامت السعودية بإنتاج فيلم ديني عن الفكر الوهابي نقول لماذا؟، فإنتاج فيلم ومسلسل عن الرسول ليس خطرًا، والمنع ليس الحل، ولكن الإنتاج الثقافي المضاد هو الحل.
وأكد عدم وجود دليل قاطع من القرآن والسنة النبوية تؤكد حرمانية تجسيد الرسل والأنبياء، وأن فتاوى تحريم الأزهر ما هي إلا اجتهاد شخصي من جانب علمائه فقط بدليل عدم وجود تمثيل وسينما في عهد الرسول.
وحسب وجهة نظر الدكتور أحمد راسم النفيس زعيم الشيعة في مصر، فإنه لا يجوز إنتاج فيلم عن الرسول والأنبياء والخلفاء الأربعة، من خلال ممثلين يجسدون شخصيتهم.
وأضاف لـ"إيلاف" أن هذا الأمر لا يقبله الشيعة قبل السنّة، ومن المنتظر رفضه من قبل شيعة إيران ومنع عرضه. معتبرًا أنه لا توجد رسالة خبيثة من وراء عرض الفيلم، والأمر متعلق فقط بالربح والاستفادة من التوزيع المنتظر للفيلم.
وأشار إلى أنه حتى الآن لا يعرف شيئًا عن الفيلم، ومن يقف وراءه، وهل سيتم تجسيد حياة الرسول الكريم فى مرحلة الطفولة فقط، أم ستتبعها سلسلة أفلام عن حياة النبي وهو في الكبر، فلابد من الانتظار حتى يكون الحكم سليمًا.
ويؤكد الشيخ فرحات المنجي من كبارعلماء الأزهر الشريف لـ"إيلاف" أن الشخصيات التي لها قداسة واحترام كالأنبياء الذين جعلهم الله للناس أسوة ومثلهم الخلفاء الراشدون، لا يجوز تجسيدهم في السينما أو التليفزيون.
وقال إن ذلك يعتبر من قبيل الكذب عليهم وتضليل للناس، وكل ذلك منهي عنه، ففي الحديث الشريف جاء "من كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار"، والكذب عليه عام في كل ما ينسب إليه من قول أو فعل أو وصف أو تقرير حتى لو كان التمثيل لشخصه بصورة هي في نظر الممثل هي أحسن من الحقيقة، فهي أيضًا كذب، يقول النبي الكريم: "لا تطروني أي "تمدحوني"، كما أطرت النصارى المسيح بن مريم، قولوا عبد الله ورسوله "ويقول الله في الإيذاء العام: "والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانًا وإثمًا مبينًا".
ويتساءل المنجي: هل يمكن لأحد مهما بلغت قدرته في التمثيل أن يتحرى الصدق في تمثيل الشخصيات العادية، فما بالنا بتجسيد الرسل والأنبياء؟.
مطالبًا الأزهر بالوقوف وللمرة الأولى ضد الفيلم في حال خروجه إلى النور، لكون الأمر أخطر من الرسوم الدنماركية، التي أساءت إلى النبي عليه السلام، ولا بد من وقوف المجتمعات الإسلامية ضد إيران، التي تريد فرض ثقافة التشيّع في كل الدول الإسلامية، وتحديدًا منطقة الشرق الأوسط.
كما يؤكد الدكتور أحمد عمر هاشم عضو مجمع البحوث الإسلامية لـ"إيلاف" أنه في عام 1950 صدرت فتوى من الشيخ حسنين مخلوف شيخ الأزهر حينها، أجاز فيها إخراج فيلم عن الإسلام، بشرط عدم التعرّض لأي موقف للرسول ولا لأحد من آل بيته وخلفائه، بحيث لا تظهر فيه صورة أو يسمع صوت لأي واحد من هؤلاء، كما أقرّ المؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلامية المنعقد في أكتوبر/تشرين الأول 1977 عدم إنتاج فيلم يتناول بالتمثيل الرسول والصحابة، وأنه لا يجوز السماح بعرض شخصية النبي، لما لا يليق بمنزلته، وطالب المؤتمر بمراقبة الأفلام السينمائية والمسلسلات قبل عرضها ومنع ما يتعارض مع تعاليم الدين الحنيف.
وأضاف: جاء في فتوى للمفتي عام 1980 قال فيها إن عصمة الله لأنبيائه ورسله من أن يتمثل بهم شيطان مانعة من أن يمثل شخصيتهم إنسان ويمتد ذلك إلى أصولهم وفروعهم وزوجاتهم وصحابة الرسول، صلى الله عليه وسلم.
ودعا هاشم إلى عدم سكوت المسلمين في شتى بقاع الأرض عن هذه الكارثة الكبرى، مؤكداً أن الأزهر سوف يكون له دور واضح حيال تلك القضية، لكونه حامل راية المسلمين.
وعن الموقف الرسمي للأزهر من الفيلم الإيراني، قال الدكتور محمود عزب مستشار شيخ الأزهر لـ"إيلاف" إنه لا توجد لديه معلومات كافية في ما يخص الفيلم الإيراني عن تجسيد حياة الرسول الكريم.
وأضاف: لكننا أصدرنا بيانًا شديد اللهجة رفضنا فيه هذا العمل، كما صدرت فتوى عن مجمع البحوث الإسلامية تحرّم تجسيد الرسول والأنبياء والصحابة والعشرة المبشرين بالجنة.
وتابع: إننا أوضحنا موقفنا الرسمي، ولكننا ليست لدينا السلطة لإجبار إيران على التخلي عن إنتاج الفيلم، وكل ما نستطيع عمله هو رفض عرضه على قناة مصرية أرضية أو فضائية، مشيرًا إلى أن الأمر يحتاج تضافر جميع المسلمين لوقف الحملة المدبرة ضد الإسلام والمسلمين.